الجانب المظلم من فكر الخوارج… الدّماءُ أفقاً! 4/4 - Marayana - مرايانا
×
×

الجانب المظلم من فكر الخوارج… الدّماءُ أفقاً! 4/4

كون طريق الخوارج كان عنيفا ودمويا جعل الكثير من الدّارسين يركزون على هذا العنف والقتال والحروب الطاحنة، أكثر من المبادئ والأسس النظرية التي قال بها الخوارج، والتي عبّرت عن اجتهاد في قراءة النص الدّيني، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والثورة في وجه الظلم والمساواة، إلخ..

تطرقنا في الأجزاء السابقة لنشأة الخوارج وتأويلهم للنص القرآني وأهمية فكرهم السياسي، وفصلنا أيضا في عدد من فرقهم كالصفرية والإباضية وغيرها، كما تطرقنا لعلاقتهم بالمفاهيم الحديثة للدّيمُقراطِية والمساواة في بعض مناحيها.

في هذا الجزء، الرابع والأخير، نخلصُ إلى أن الخوارج، رغم كل التضخيم الذي طال فكرهم، لم يكونوا، تاريخياً، دعاةَ هدنة… بالعكسِ،فقد نادوا بدورهم بسفكِ الدماءِ واستباحة الأطفال والنساء في الحروب، كما يستنتج الكثيرُ من الباحثين.

الخَوارج… تطرّفٌ ساخنٌ!

من أشهرِ أفكارِ الخوارج هو تكفِيرُهم مرتكبَ الكَبيرةِ… هذا الاعتقاد دفع الكثير من فرق الخوارج إلى الانقسام على أنفسهم أشد انقسام، في كثيرٍ من المسائل الفقهية، واعتبرت كل فرقة ما عداها مارقة، [1] وعاملت أنصارها معاملة الكفّار في استباحةِ الدّماء واستحلال الأموال والذرارى. [2]

كمّا كفّروا الخُلفاء عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأصحاب الجمل والحكمين وكل من قبل بالتحكيم… وهو ما جعل الكثير من الفقهاء يعتبرون الأمر إيغالاً في التطرّف. [3]

رفع الخوارج شعار القتال لكل من اعتبروه “كافرا”.

رغم انهزامهم أمام جيش علي في معركة “النهروان” التي أشرنا لها في الجزء الثالث، حيث تقول الروايات التاريخية إنه قضى عليهم قضاءً شاملاً وخلّف منهم تسع أرواح حيّة، فقَط؛ إلاّ أنهم بقوا داعين إلى القتال ورفع السّيف، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا!

الخوارجُ لم يتورعوا، حسب حسين مروة، في أن يعهدوا إلى رجلين منهم أن يقتل أحدهما عليًّا بن أبي طالب وأن يقتل الآخر معاوية، فنجح أولهما، أي عبد الرحمن بن ملجم، وأخفق الثاني. [4]

لمّا فرغوا من أمرِ علي، انصرفوا لمحاربة الأمويين من جديد.

يُشكّل الخوارج، في فكرِ الكثير من الدّارسين، جماعة من “بولشوفيك الإسلام”، لتطرّفهم الشّديد في استحلال دماء مخالفيهم في المذهب وقولهم بـ”الاستعراض” (أي اعتراض الناس وقتلهم) وحكمهم على مرتكب الكبيرة بالكفر. [5]

أيّ أساسٍ للتطرف الخارجي؟

منذ عهد الرسول،كان مفهومُ الإيمان ينحصرُ في الاعتقاد الداخلي والنطق به باللسان؛ بينما الخوارج… تفرّدوا بإضافة معطى آخر يتعلّق بالعمل الخارجي العضوي، والممارسة التي تترجمُ ذلك الإيمان على مستوى الواقع. من هذا المنطلق، بالغوا في التطرّف والتكفير لمن يرتكب الكبائر، كالقتل مثلاً؛ حيث اعتبروا القاتل كافرا ولا يستجيبُ للإيمان الحق.

لا يكفي بالنسبة للخوارج، وفق حسين مروة، أن يضمرَ المرءُ اعتقادهُ ليكون مؤمناً، بل لا بدّ من أن يتطابقَ الاعتقاد والعمل… “مهما يكون الاعتقاد صادقاً وراسخاً، فصاحبهُ ليس مؤمناً حتّى يكتملَ لهُ عنصر الاعتقاد المطابق لهذا العمل”. [6]

يبدو أنّ لا حلّ ثالث ولا وسطٌ لدى الخوارج، فإما كافر أو مؤمن؛ وذلك وفق نهاية حتمية، كما يرى مروة، بأنّ من لم يعمل وفق اعتقاده، فهو ممن يخالف اعتقاده، وكمن لا اعتقاد صحيحاً له: كافر.

انساق الخوارجُ مع هذا المنطق، وبرروا به مزاعمهم التكفيرية وحكموا على أنفسهم، من خلاله، بوجوب الجهاد. بمعنى العمل وفق اعتقادهم، وإلاّ فهم ليسوا بمؤمنين، أي هم كافرون. [7]

… بهذا المنطق تحديداً، استباح الخوارج دماءَ “الكفّار” والمخالفين لهم في الرّأي، بالأحرى كل من يعتقدون فيه الخروج عن هذا المفهوم الذي وضعوه للإيمان، والذي لا يقبلُ النقاش بالنسبة للخوارج… وهو ما جعلهم يكفّرون معاوية بن أبي سفيان لأنّه أخلّ بمفهوم الإيمان ممارسةً وخرجَ على خليفة المُسلمين، علي بن أبي طالب.

ذلك “التلازم بين النظرية والتطبيق”، وفق تعبير مروة، هو قوام مذهب الخوارج… ومع أنها إيجابية في ظاهرها، إلاّ أنهم بالغوا بها كثيراً، إلى درجة أوغلوا بسفكِ الدماء، و”خرجوا عن خطّ الغاية، واستعبدتهم الوَسيلةُ، فلم يروا غيرها. احتجبت عنهم الرؤية الحقيقة، رؤية ما هو أبعد وأولى من الوسيلة”. [8]

ما قد نستنتجه هنا، أن الفكر الخارجي كان عنيفاً ومتطرّفاً وخلّف تاريخاً دموياً. فكرٌ لم يكن يقبل المهادنة ولا المصالحة مع أي فريق، حتى مع الفرق الأخرى من الخوارج… يؤكّد هذا أنّ الخوارج كانوا يؤمنون بأن الدماء أفق وأنّ السيف… هو الحاسم بينهم وبين من يختلفُ معهم عملياً ونظرياً.

لعلّ ما زاغ بالخوارج أيضاً عن وجهتهم، في التاريخ، أنهم اعتبروا الوسيلة نفسها شكلاً واحداً أوحد، وهي طريقُ العنف الدموي. هذا ما جعل الكثير من الدّارسين يركزون على هذا العنف والقتال والحروب الدموية أكثر من المبادئ والأسس النظرية التي قال بها الخوارج، والتي عبّرت عن اجتهاد في قراءة النص الدّيني، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والثورة في وجه الظلم والمساواة، إلخ..

الخلاصةُ … أنّ فكر الخوارج كان حداثياً في الكثير من مناحيه، خصوصا فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة داخل الدولة الإسلامية في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والأمويين … لكنّ الوسيلة التي اعتمدوها في نشر أفكارهم، من تطرّف وتقتيل، ساهمت في أن يظلّ فكرهم منظوراً إليه بنوع من الشكّ والأحكام الجاهزة.

هوامش:

[1] إسماعيل محمود، الخوارج في بلاد المغرب، حتى منتصف القرن الرابع الهجري، أطروحة دكتوراه، منشورات دار الثقافة.

[2] الرازي، اعتقادات فرق المسلمين.

[3] إسماعيل محمود، المرجع السابق.

[4] النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، المجلد الثاني، دار الفرابي.

[5] إسماعيل محمود، الحركات السرية في الإسلام.

[6] النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، المجلد الثاني، دار الفرابي.

[7] المرجع نفسه.

[8] نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *