الخوارج بين الإباضية والسنة… والتأويل بين الخوارج وأهل السنّة! 2/4 - Marayana - مرايانا
×
×

الخوارج بين الإباضية والسنة… والتأويل بين الخوارج وأهل السنّة! 2/4

“الخوارج… واجهوا أهل السنّة بقرآن مخالف، أي بقراءة أخرى، بأعمال وأقوال، باجتهادات وتأويلات، لا تقل وجَاهة عن تلك التي اعتمدتها الجماعة، جماعة أشراف مكّة… لكن بدون جدوى”…

رأينا في الجزء الأول أنّ هناكَ اختلافا فيما يتعلّقُ بأصل الخوارج وأهمّ فرقهم. في هذا الجزء، نرى ما إذا كانت الإباضية تنتمي للخوارج!

من الواضح أن تشرذُم فرق الخوارج لأكثر من 20 فرقة، أدّى إلى إضعاف تجربتهم… كل منها تكفر وتحارب الأخرى، وهو ما شتّت جهودهم وأتاح لخصومهم ملاحقتهم والقضاء على ثوراتهم، كما يرى محمود إسماعيل.

ويُحكى أنّهُ مع نهاية القرن الأول الميلادي، وصلوا لحالة من الضعف يستحيل معها أن يكملوا نشاطهم علانية، فاستكملوا بقاءهم سرًّا.

جنح الخوارجُ بعد ذلكَ نحوَ المُراجعات الفكرية، ومنها العدول عن التطرف واتباع معتقدات الصفرية والإباضية الأقل تطرفًا، بل ذهبوا حد تهذيب المذهب الإباضي الذي كان يكفر المخالفين، حتى أن بعض علماء الفرق يعتبر المذهب الإباضي أقرب المذاهب قاطبة لأهل السنة. [1]

الإباضية… الحميمية المذهبية!

نفى كثیر من الباحثین المعاصرین علاقة الإباضیة بالخوارج، ووجدَ عبد الله بن علي الطعیمي، في بحثه، أن ثمّة نوع من الحميمية المذهبية بين الإباضية وأهل السنّة، وأن آراء الإباضیة فیها أيضا الكثیر من الأمور التي یوافقون علیها أهل السنة…

“تأويل النّص الديني ليس حقيقةً متّفقا عليها..”، ويدفعنا هذا، هنا، إلى الاستنتاج أنّ فكر الخوارج كان فكراً اجتهادياً في التّعامل مع النصّ القرآني، فهم أيضاً حاولوا استنطاق المعنى الدّيني.

الباحث محمد ارشید العقیلي يقول إن الإباضية، بعد أن انفصلت عن الخوارج في المراحل المبكرة من حیاة الخوارج، أصبحت مبادؤها وخط سیرها بعیداً كل البعد عن معظم آراء ومبادىء الخوارج… باستثناء المراحل المبكرة من حیاتها.

كما يدفعُ المدافعون عن هذا التّوجه بالمفاضلة بین الخوارج والإباضیة في نُصوص عُلماء الإباضیة الأوائل، فنُسبَ إلى جابر بن زید، الإمام المُنَظِّـر للمذهب الإباضي، أنّهُ كانَ یَخرج إلى الخوارج فیناظرهم في قضیة استحلال دماء المخالفين. [2]

موافقةُ الإباضیة للخوارج في بعض المقولات، في نظر بعض المؤرخين، لا تعني أنهم من الخوارج، ويضربون المثل في ذلك بأنّ المعتزلة والأشاعرة يلتقون في أصل تنزیه الباري، مع أن هذا الاشتراك في هذا الأصل لا يجعل المعتزلة والأشاعرة فرقـة واحـدة.

كما یشترك بعض المعتزلة والشیعة في نظرية حصر الخلافة في البیت الهاشمي، مع أن هذا الاشتراك، بدورهِ، لا يجمعُ المعتزلة والشیعة في فرقة واحدة… وهكذا دواليك!

على هذه الشاكلة، تشترِك الإباضیة مع الخوارج في قضیة الخلافة، ومـع المعتزلة في الصفات، ومع الأشاعرة في القَدَر… لذلك، يذهبُ الباحثون إلى اعتبار الإباضية فرقة منفَتحة ومتسَامحة…

محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الإسلامي، يقولُ في حديثٍ مع “مرايانا”، إنّ امتداد فكر الخوارج إلى اليوم مع طائفة الإباضیة، الموجودة بسلطنة عمان، والتي تختلف تماماً عمّا يشاعُ عن الخوارج، يشيرُ بالعكس إلى أن الإباضية اليوم، من أكثر الفرق تعايشاً مع الآخر وقبولاً بالطوائف المخالفة.

الخَوارج والإمساكُ بالمعنَى القُرآني!

يروي الباحث المغربي عبد الإله بلقزيز، في أحد حواراته الصّحافية، أنهُ عندمَا أرسل علي بن أبي طالب ابنَ عباس لمناظرة الخوارج قصد إرجاعهم إلى صفه، سأله عليّ بماذا ستحاجهم، فأجاب بالقرآن، وقال له عليّ إن القرآن حمّالُ أوجُهٍ… ما يفيدُ أن الإمساك بالمعنى القرآني ليس متاحا لأي كان، وإلاّ فهو يدّعي نبوّة جديدة، كما يرى عبد الله العروي.

العروي قال إنّ “تأويل النّص الديني ليس حقيقةً متّفقا عليها..”، ويدفعنا هذا، هنا، إلى الاستنتاج أنّ فكر الخوارج كان فكراً اجتهادياً في التّعامل مع النصّ القرآني، فهم أيضاً حاولوا استنطاق المعنى الدّيني.

موافقةُ الإباضیة للخوارج في بعض المقولات، في نظر بعض المؤرخين، لا تعني أنهم من الخوارج، ويضربون المثل في ذلك بأنّ المعتزلة والأشاعرة يلتقون في أصل تنزیه الباري، مع أن هذا الاشتراك في هذا الأصل لا يجعل المعتزلة والأشاعرة فرقـة واحـدة.

ابن خلدون يقولُ في مقدّمتهِ إنّ “الخوارج المستميتين في شأن بدعتهم، لم يكن ذلكَ لنزعة ملكٍ ولا رياسة ولم يتم أمرهم لمزاحمة العصبية القوية..” [3] وإنما، يضيفُ ابن خلدون، “تولّد عن خلافٍ اجتهادي في مسائل ظنّية.”

إذن… الخوارج اجتهدوا فعلاً وحاولوا قراءة النص بطريقة مخالفة لقراءة الصحابة وأهل السنّة و”أشراف مكّة”، لأنّ هؤلاء، وفق العروي، هم الذين كانوا مؤهّلين للفوز. لذلكَ، حاولت السلطة احتكار التأويل وتشويه مُبتغيات الخَوارج…

وقد كانَ هذا دافعاً ليفرضَ “أشراف مكّة”، كما يصفهم العروي، تأويلهم للنص، وبسلوكهم وآرائهم سيضعون أسس السنّة، أي كيفية تطبيق النص الأزلي على الواقع البشري المتحول. [4]

يقولُ عبد الله العروي، أيضاً، إنّ الخصوم، لاسيما من الخوارج، “واجهوا أهل السنّة بقرآن مخالف، أي بقراءة أخرى، بأعمال وأقوال، باجتهادات وتأويلات، لا تقل وجَاهة عن تلك التي اعتمدتها الجماعة، جماعة أشراف مكّة… لكن بدون جدوى” [5]

ومنهُ، اضطرّ الخوارجُ في نهاية المطاف إلى الانفصال والعُزلة، لأنهم لا يرضون بأيّ سنّة… بأي تقليدٍ مستقرّ ومتراكم، وفق تعبير المؤرخ وهو يمحص التراث الإسلامي.

كل هذا جعل الخوارج يشكّلون فرقة سياسية تميلُ إلى الديمقراطية في نظر الكثير من الباحثين، وهذا ما سنقفُ عليه بالتفصيل في الجزء الثالث.

الهوامش:

[1] الشهرستاني، الملل والنحل.

[2] حسن عطا سامي، الخوارج وتأويلاتهم المنحرفة لآيات القرآن الكريم وتفنيدها.

[3] إبن خلدون، المقدمة.

[4] العروي عبد الله، السنّة والإصلاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2008.

[5] المرجع نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *