تعرّضوا للظلم والإقصاء… من هم الخوارج؟ وما أهمّ فرقهم في التاريخ العربي الإسلامي؟ 1/4 - Marayana - مرايانا
×
×

تعرّضوا للظلم والإقصاء… من هم الخوارج؟ وما أهمّ فرقهم في التاريخ العربي الإسلامي؟ 1/4

ليس ثمّة في التاريخ الإسلامي مثل قصص البطش والتنكيل الذي لحق بالخوارج على يد حكام العراق، وخاصة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي… ما سَاهم، أيضاً، في إضعافِهم وتشتيتهم إلى فرق عدة…

من أهم الصّعوبات التي واجهها هذا الملف أثناء البحث، هيمنةُ الأفكار المُؤدلجة والأحكام المسبقة في حق الخَوارج، والتي قد تجعل الحقيقة صعبة الإمساك في حكايتهم.

“مرايانا” لا تسعى، أبداً، إلى اجترَار السّائد، بل مساءَلته وإخضَاعه للتفكيك… لذلك…

سنقوم في هذا الجزء الأول بعرض لمحة عن تاريخ الخوارج وأهمّ فرقهم…

نشأةُ الخوارج

يكادُ يجمعُ بعض المؤرخین – قدامى ومحدثین- أنّ أصل الخوارج لصيقُ تاريخياً بحادِثة التحكیم في موقعة صفین بين جيش معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب سنة 39 هـ. بمعنى أنّ الخوارج هم الذین خرجوا على علي في تلك المعركة..[1] مع أن البعض يربطها بموقعة الجمل!

من جهة أُخرى، تنفي بعضُ الكتب التراثية أن ظهور حزب مُنَظَّمٍ كحزب الخوارج كان عند خروجهم على علي، مستدلّين في ذلكَ بأنّهُ لا یمكن أن يكون هذا الحزب المنظَّم قد تَكَوَّنَ هكذا فجأة ودفعة واحدة؛ بل لابد، في اعتقادهم، أن تكون فكرة هذا الحزب التي تكونت حولها مبادؤه الأولى، منتشرة وقائمة قبل هذا التاریخ، فحركة الخوارج لم تكـن ولیدة صفین…

اشتهرت فرقة الأزارقة من الخوارج بتكفير عثمان وطلحة والزبیر وعائشة وابن عباس، وحكموا علیهم بالخلود في النار. كما قالوا بإسقاط حد الرجم، بحجة أنه لیس له في القرآن ذكر له، كما أسقطوا حد القذف عمن قذف المحصنین من الرجال، وقطعوا ید السارق في القلیل والكثیر، ولم یعتبروا في السرقة نصابًا.

في ذات السياق، ذهب القائلون بهذا الرأي إلى أنّ قضیة التحكیم لا تعدو أن تكون ذريعة ملائمة، استغلها قادة هذه الجماعة “الثائرة” لإخراجها إلى الوجود العلني، كدعوة دینیة إصلاحیة فـي ظاهرها، وكحزب سیاسي في جوهره وأهدافه. [2]

فرقةٌ أخرى تميلُ إلى كون فكر الخوارج كان قائما منذ عهد النبي محمد، ويدافعون عن هذا الطرح بأن من معاني الخروج هو الإنكار على الإمام العادل، حيثُ يقدّمون حدثاً ورد في صحيح البخاري ورواهُ عن الرسول أبو سعید الخدري – سعد بن مالك الأنصاري.

نصّ الحديث يقول : “بینما النبي یَقـسِم، جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التمیمي، فقال: إعدل یا رسول الله، فقال: ویلك من یعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر بـن الخطاب: دعني أضـربُ عنقـه، قـال: دعـه، فإن له أصحاباً یحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصیامه مع صیامهم، یمرقون مـن الدین كما یمرق السهم من الرمیة.[3]

هذه الحكاية، يعتَبر كثِيرون أنها كانت أول حالة “خروجٍ” في العصر الإسلامي تمّ تدوينها، متحَجّجِين بما ترجمهُ یعقوب بن إسحاق النیسابوري، فـي مسنده للأحادیث التي وردت في الخوارج، وقرر أن من أسـباب خروجهم: “الأثرةُ في القسمة، مع ما فیه من الحكمة التي خَفِیَت عليهم”. [4]

… اشتدّ عود الخوارج وبدايات ظهورهم في أواخر فترة حكم عثمان بن عفّان، فذهبوا إلى المدينة المنورة للاحتجاج و”قتال عثمان ونصر الدين” [5] ومعهم أحد زعماء الخوارج وقتئذٍ، حرقوص بن زهير السعدي… كما يُتهم الخوارج بضلوعهم في قتل الخليفة عثمان بن عفان. [6]

يبدو هُنا أن تاريخ الخوارج كان في جوهره ثورياً على السلطة ومبدأ التحكيم، فمثلما ثار آباؤهم على عثمان، وثاروا على علي، ثار أولادهم كثيرًا على دولة بني أمية… لذلكَ، لاحق هذا التاريخ كثير من التضخيم من طرف مؤرّخي السلطة.

يرى محمود إسماعيل أنّه ليس ثمّة في التاريخ الإسلامي مثل قصص البطش والتنكيل الذي لحق بالخوارج على يد حكام العراق، وخاصة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي… ما سَاهم، أيضاً، في إضعافِهم وتشتيتهم إلى فرق عدة.

فرَق الخوارِج

يبلغُ عدد فرق الخوارج، وفق كتبِ التراث الإسلامي، عشرین فرقة. لكن، یظهر أن أشهر وأكبر فرق الخوارج هي الأزارقة، والذين كنا قد خصصنا لهم مقالا مفصلا على مرايانا. الأزارقة هم أتباع نافع بن الأزرق المُكنّى بأبي راشد. ذكر البغدادي أنه “لم تكن للخوارج قط فرقـة أكثر عددًا ولا أشد منهم شوكة قد كثر خروجهم، واشتدت حروبهم للدولة الإسلامیة”.

هذه الفرقةُ، وفق المرويات، اشتهرت بتكفير عثمان وطلحة والزبیر وعائشة وابن عباس، وحكموا علیهم بالخلود في النار. كما قالوا بإسقاط حد الرجم، بحجة أنه لیس له في القرآن ذكر له، كما أسقطوا حد القذف عمن قذف المحصنین من الرجال، وقطعوا ید السارق في القلیـل والكثیر، ولم یعتبروا في السرقة نصابًا.

تاريخ الخوارج كان في جوهره ثورياً على السلطة ومبدأ التحكيم، فمثلما ثار آباؤهم على عثمان، وثاروا على علي، ثار أولادهم كثيرًا على دولة بني أمية… لذلكَ، لاحق هذا التاريخ كثير من التضخيم من طرف مؤرّخي السلطة.

أكثر من ذلك، رأوا أن التقیة غیر جائزة في قول ولا عمل، وأن من أقام في دار الكفر كافر، لا یسعه إِلا الخروج…

أيضاً، هناك النجدات، ويقالُ في كتبِ الفقه إنّهم أتباع نجدة بن عامر، وذكر العلماء أن سبب افتراقه (أي تشكيله لفرقة): أنه خرج مـن الیمامة في نفر من الناس یرید اللحاق بالأزارقــة، فاستقبلته طائفة ممن خالف نافع ابن الأزرق، وأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف وأنهم فارقوه وبرِئوا منه، وأمروا نجدة بالمقام، وبایعوه، وأسموه أمیر المؤمنین.

تقولُ هذه الفرقة، حسب الفقهاء، بأنّ التقیة جائزة في القول والعمل كله، وأنّ لا حاجة بالناس إلى إمام قط، وإنما علیهم أن یتناصفوا فیما بینهم، فإن هـم رأوا أن ذلك لا یتم إِلا بإمام یحملهم على الحق فأقاموه، جاز…

أمّا الصفرية، فهم أصحاب زياد بـن الأصفر، وقولهم فـي الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون.

هناك أيضا العجاردة، وهم أتباع عبد الكـریم بـن عجرد، وقـد افترقـوا أكثر من عشر فرق، وأهم مقالاتهم عدم استحلال مال المخالف إِلا بعد قتله وتكفیر مرتكب الكبيرة.

وأخيراً، هناك الإباضیة، التي ینتسب تأصيلها إلى عبد الله بن إباض، الذي يُحكى أنهُ خرج فـي أيّام مروان بن محمد، فوجه إلیه عبد الملك بن محمد بن عطیة فقاتله.

الإباضیة یعودون بأصولهم إلى جماعة من التابعین وتابعي التابعین، كجابر بن زید، وأبو عبیدة مسلم بن أبي كریمة والربیع بن حبیب وغیرهم…

تنفي الإباضية رؤية الله تعالى، وتقولُ بخلق القرآن، كما تنكِرُ الشفاعة في إخراج عصاة الموحدین الداخلین في النار، وحصرها في رفع درجات أهل الجنة.

كما تقولُ الإباضيةُ بأنّ دار مخالفیهم من أهل الإسلام دار توحيد، إِلا معسكر السلطان فإنه دار كفر وبغي… ومع ذلك، ينفِي أتباع الإباضية كونهم من الخوارج.

فهل حقًّا الإباضية تنتمي إلى فرق الخوارج في أفكارها؟

هذا ما سنجيبُ عنه في الجزء الثاني.

هوامش:

[1] الغصن سليمان الصالح، الخوارج: نشأتهم، فرقهم، الرد على أبرز عقائدهم.

[2] القلماوي سهیر، أدب الخوارج في العصر الأموي.

[3] الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحیح البخاري.

[4] الغصن سليمان الصالح، المرجع السابق.

[5] المرجع نفسه.

[6] ابن كثير، البداية والنهاية.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. مريم

    شكرا لكم على هذه المعلومات القيمة،
    L’histoire finalement n’est pas écrite par les vainqueurs, mais certaines vérités sont révélées par des personnes courageuse en quête de vérité, merci encore pour ces sujets fort intéressant.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *