حسين مروة، صوت الفكر الذي اغتاله الرصاص - Marayana - مرايانا
×
×

حسين مروة، صوت الفكر الذي اغتاله الرصاص

حسين مروة واحد من أبرز المفكرين الذين اشتغلوا على التراث العربي الإسلامي، وقام بتفكيكه وفق رؤية جديدة ألبت عليه عددا من المعارضين، فكانت النتيجة أن قتل أمام زوجته بدم بارد في 17فبراير 1987.
مرايانا تعيد النبش في سيرة الراحل حسين مروة

حرب شوارع بين ميليشيات متناحرة. رجلان يلجان إلى الشقة، يوهمان الزوجة أنهما من نفس التنظيم الذي ينتمي له زوجها. يلجان لغرفة الشيخ البالغ من العمر 77 سنة، والذي كان على فراش المرض. يساعدانه على الوقوف، ثم يوجهان مسدسا كاتما للرصاص صوب رأسه، ويلقيان جثثه على زوجته ويغادران المنزل ببرودة دم…

المشهد أعلاه ليس مقتطفا من فيلم سينمائي، ولكنه اللحظات الأخيرة لاغتيال المفكر اللبناني “حسين مروة”، من طرف مليشيات أمل أو حزب الله، حسب الروايات، في 17 فبراير 1987.

مرايانا تعيد النبش في سيرة حسين مروة، الذي شرح التراث الإسلامي بطريقة جديدة، وألقى الضوء على النزعات المادية فيه، بشكل جعل مخالفيه لا يجدون بدا من اغتياله.

من جنوب لبنان إلى النجف: من التشيع إلى الشيوعية

ولد حسين مروة سنة 1910 في جنوب لبنان، بمنطقة جبل عامل الذي يعرف أيضا بجبل الجليل، ويعتبر أحد مواقع التواجد الشيعي، في بلد لازالت تجتذبه النزعات الطائفية.

كان والده أحد مشايخ المنطقة، فكبر حسين وحلم العمامة يراوده. عن هذا الحلم يقول في مقال نشره في جريدة الطريق سنة 1984، “أن أصير “شيخاً” مهيباً مرموقاً، كوالدي… ذلك كان حلمي الأول. سبق كل أحلامي وسبق حتى أحلام طفولتي. وحين بدأت تتدفق بها ذاتي، أخذ يحتويها جميعا”.

يتحدث مروة عن هذه المرحلة فيقول: “ما كان يعنيني –في لحظتي – سوى أن أختار إما متابعة الخط المرسوم لي من قبل، وإما الانعطاف عنه، وإن إلى المجهول”.

أخذت عيون حسين، الطفل والمراهق، ترنو نحو التعمق في العلوم الشيعية، والحج إلى قبلة الشيعة الأولى، أي النجف الأشرف، حتى يحقق الحلم الذي تملكه؛ وهو ما تم في سن الرابعة عشرة، وبالضبط سنة  1924، حيث انتقل إلى العراق لدراسة العلوم الإسلامية في جامعة النجف.

أمضى حسين السنة الأولى منتشيا بتحقق حلمه، منتظرا أن يصير معمما، قبل أن يحدث ما سيغير حياته ككل. في لحظة من اللحظات الفارقة في مساره، وجد نفسه بين اختيار العودة الى جبل عامل شيخا، أو إكمال دراسته في النجف، والوصول إلى قمة الدرجات العلمية.

يتحدث مروة عن هذه المرحلة فيقول: “ما كان يعنيني –في لحظتي – سوى أن أختار إما متابعة الخط المرسوم لي من قبل، وإما الانعطاف عنه، وإن إلى المجهول.

لم أتردد مطلقاً… اخترت فورا وانقطعت العلاقة المباشرة مع الحلم وغابت – تواً – من حياتي إلى النهاية صورة “الشيخ المهيب المرموق” التي كانت هي نفسها صورتي كما رسمها لي الحلم.”

انفتحت آفاق معرفية أخرى أمام الشاب. أقبل على مختلف العلوم والمعارف والآداب، وبدأ رحلة طويلة من التحصيل، سيصطدم فيها بين سنتي 1925 و1927 بكتابات إسماعيل مظهر، خاصة على مجلة العصور والتي كانت معروفة باتجاهاتها المادية، وكتابات شبلي شميل الذي قدم إلى الفكر العربي نظرية التطور الدارونية، وهو ما سيكون له عميق الأثر على تفكير مروة.

كان للشيخ حسين محمد الشيبي الدور الأبرز في تعرف حسين مروة على ماركس والاشتراكية العلمية، وعرف في الأوساط الثقافية العراقية والعربية ككاتب رأي ومثقف متعدد الزوايا والكتابات.

خلال هذه المرحلة أيضا، تأثر بالفكر الاشتراكي، وإن أشار إلى أنه عانى من بلبلة مفاهيمية في البداية. في رواية “الدين والعلم والمال” سيكون له أول لقاء بماركس، وإن لم يتأثر كثيرا بماركس خلال هذه المرحلة.

في أواخر الثلاثينيات، سيبدأ حسين مروة بنشر مقال أو قصة بشكل أسبوعي لمجلة “الهاتف” التي كانت تصدر بالنجف. هنا، سيلفت إليه الانتباه، ويظهر تنوع كتاباته وتميزها.

بعد أربع عشرة سنة من التحصيل العلمي، أنهى دراسته في النجف سنة 1938. لكنه مكث في العراق، وعمل مدرسا في الأقسام الثانوية، حيث تميز ككاتب رأي في العديد من الجرائد، كما انخرط في الشأن السياسي العراقي، وربط صلات بأبرز الوطنيين كالشيخ حسين محمد الشبيبي، الذي أعدمه النظام الملكي بالعراق في بغداد سنة 1947، كما شارك حسين مروة في الحراك الشعبي من أجل إسقاط معاهدة بورستموت البريطانية بالعراق.

كان للشيخ حسين محمد الشيبي الدور الأبرز في تعرف حسين مروة على ماركس والاشتراكية العلمية، وعرف في الأوساط الثقافية العراقية والعربية ككاتب رأي ومثقف متعدد الزوايا والكتابات.

العودة إلى لبنان والمزاوجة بين السياسي والفكري

عاد حسين مروة إلى لبنان سنة 1949، وأسس مجلة الثقافة الوطنية. بعد تردد وتفكير، قرر أن ينتمي سياسيا كما انتمى فكريا وإيديولوجيا، فانتظم سنة 1951 في الحزب الشيوعي اللبناني، الذي كان أحد أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، وكان يحظى بمد شعبي جارف خلال تلك المرحلة. انتخب حسين مروة سنة 1965 عضواً في اللجنة المركزية للحزب، ثم عضواً في المكتب السياسي.

صيت حسين مروة ودوره في التأطير النظري والسياسي للحزب الشيوعي اللبناني، وأدواره التي كان يلعبها في الحياة السياسية، إضافة لوقع كتابه “النزعات المادية” على الساحة الفكرية، وتمكنه من التراث الإسلامي الذي كان سلاحا في يد الحركات الدينية؛ كل هذا وضعه على قائمة الاغتيال، ولم يشفع له كبر سنه، إذ كان في السابعة والسبعين من عمره، كما كان على فراش المرض.

ذاع صيت حسن مروة، فحصل على دكتوراه فخرية من موسكو؛ كما درس فلسفة الفكر العربي في الجامعة اللبنانية ببيروت، وعرف أيضا كمناضل سياسي، ما جعله يترأس تحرير مجلّة الطريق الثقافيّة التي كانت إحدى وجهات كبار مثقفي العالم العربي. بقي رئيسا لتحريرها من سنة 1966 إلى أن اغتيل في 17 فبراير 1987. إضافة لذلك، فقد شغل عضوية مجلس تحرير مجلّة النهج التي كانت تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي.

منهج جديد في دراسة التراث

منذ أواخر القرن التاسع عشر، طرحت قضية التراث والمنظور والمنهج الذي يجب أن يتم به التعامل معه.

سيشكل كتاب “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” فارقا معرفيا في هذا السياق.

هذا الكتاب الصادر سنة 1978. انطلق من المنهج التاريخي ليحلل ويفكك التراث الإسلامي في شتى مستوياته وتداخلاته، وربطه بمشروطيته التاريخية وسياقاته الاجتماعية والتاريخية، عبر أجزاء أربعة تناول حسين مروة في الأول منها فترة “الجاهلية” وصدر الإسلام، بينما تناول في الثاني المعتزلة والأشاعرة، فيما خصص الثالث للتصوف، وخصص الرابع للفلسفة الإسلامية.

استغرق هذا الكتاب عشر سنوات لإتمامه، وأحدث ضجة كبيرة لازالت مستمرة للآن في الاوساط الفكرية. اعتبره البعض بذرة مشروع تنويري لم يكتب له النجاح بسبب اغتيال حسين مروة.

اغتيال رجل… فكر… مشروع تنويري

صيت حسين مروة ودوره في التأطير النظري والسياسي للحزب الشيوعي اللبناني، وأدواره التي كان يلعبها في الحياة السياسية، إضافة لوقع كتابه “النزعات المادية” على الساحة الفكرية، وتمكنه من التراث الإسلامي الذي كان سلاحا في يد الحركات الدينية؛ كل هذا وضعه على قائمة الاغتيال، ولم يشفع له كبر سنه، إذ كان في السابعة والسبعين من عمره، كما كان على فراش المرض.

تروي حفيدته، ياسمين مروة، لموقع مرايانا كيف تمت عملية الاغتيال. “كانت المعارك بين الحزب الاشتراكي وحركة أمل مندلعة بشوارع بيروت في فبراير 1987. جاء شخصان إلى شقة جدي الذي كان يأخذ قيلولة بعد الظهر، كما أنه كان مريضا. قام الزائران بالاستعانة بحارس البناية لتفتح جدتي الباب دون خوف؛ وقد أخبراها أنهما من الحزب الشيوعي ويريدان مقابلة أبو نزار (حسين مروة). دخلا إلى غرفة النوم وساعداه على النهوض، ثم صوبا مسدسا مزودا بكاتم للصوت إلى رأسه، ورميا الجثة على جدتي، وقالا لها “استلَقّي” (يعني خذي)، ورحلا بكل بساطة”.

هكذا، وبدم بارد وبهدوء، تم اغتيال واحد من أبرز المفكرين العرب. واحد ممن فككوا التراث… وجهت أصابع الاتهام إلى حركة أمل أو حزب الله. لكن، أيا كان الفاعل، فإن رحيله أحدث هزة حقيقية، وترك فراغا في الساحة اللبنانية كان الحزب الشيوعي من أبرز ضحاياها، وهو الذي رفض المطالبة بإجراء تحقيق في مقتل الحسين مروة، كأنما أريد لوفاته أن تكون صامتة، الصمت الذي سيطارد الحزب فيما بعد.

 

اقرأ أيضا:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *