ذكرى الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي: من هنا كانت البداية! - Marayana - مرايانا
×
×

ذكرى الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي: من هنا كانت البداية!

إنّ الشاب الذي خطى خطواته في طريق التطرف، غالباً ما يجد ضالته في الخطاب الديني/السّلفي للهروب من واقعه “الموبوء” ومستقبله “المجهول” نحو الماضي، لتعويض الإنكسار والفشل الذي لحق مسيرته. بذلك، يصير قابلاً للحشو بخطاب سلفي قائم على العودة إلى حرفية الرسالة والتشدُّد في تطبيقها، إلى أن يحس في دواخله بأنه الحق الذي لا مراء فيه وما عداه الباطل، ومن تمّ يتخذ من التكفير آليةً لإقصاء المخالف

مع حلول يوم 16 ماي، دائما ما تتبادر إلى الذّاكرة  الأحداث الإرهابية الدامية التي وقعت في نفس اليوم والشهر من سنة 2003؛ والتي أثرت في الكيان الجمعي للمجتمع المغربي لما أحدثت من زعزعة نفسية، أحالت الأمن إلى خوف عقب سلسلة الهجمات المتزامنة بالأحزمة الناسفة في مدينة الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب.

حينها، أشارت أصابع الإتهام بضلوع جماعة “السّلفية الجهادية” وراء تلك الأحداث المأساوية؛ التي أودت بأرواح الأبرياء في النقاط الخمسة المستهدفة من طرف منفذي العملية، والذين كانت تتراوح أعمارهم ما بين 20 و24 سنة.

إن تجنيد هذه الفئة العمرية بالضبط يطرح العديد من التساؤلات؛ حيث إنه، وبغض النظر عن كون الأربعة عشر شاباًّ ينتمون إلى تنظيم جهادي معين أم لا، فإن التطرف عند الشباب خاصة في المرحلة المذكورة لا يتولّد بالضرورة نتيجة اقتناع بأيديولوجية تكفيرية محددة، بقدر ما يرتبط في الأصل بمراحل تفتح الباب على مصراعيه لتسهيل استقطابه والدفع به إلى براثن الجهاد.

اقرأ أيضا: “نصوص متوحشة”: هكذا وطّد ابن تيمية خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/4

بدايةً من الصدمة وخيبة الأمل التي تعتري الشاب بعد انهيار أحلامه الوردية التي تصطدم بواقع “كئيب المشهد”، لا يوفر للشاب متطلباته المأمولة ولا يساعده على تحقيق مساعيه المنشودة، مما يتسبب في خيبة الأمل الناتجة عن صدمة الفشل في تحقيق الذات. ثم ما يلبث أن يتحول في طرفة عين إلى ناقمٍ على الوضع برمته…

هنا يمكن الحديث عن النقمة من الواقع كمرحلة ثانية من مراحل التطرف. في ظل غياب العدالة الإجتماعية والإحساس بالدونية، يتولّد لدى الشاب قنوط يجعله مستعداًّ للتخلي عن المسلمات ويتجه لتبني فكر جديد كخطوة ثالثة من خطوات التطرف، سواء نحو التدين المتشدد أو الإلحاد المتعصب. لكن حديثنا هنا عن التطرف الأول، الذي يسهّل عملية استقطاب الشاب وحشو عقله بآيات وأحاديث وفتاوى الجهاد، الأمر الذي يجعله كقنبلة قابلة للإنفجار في أي وقت.

في ظل غياب العدالة الإجتماعية والإحساس بالدونية، يتولّد لدى الشاب قنوط يجعله مستعداًّ للتخلي عن المسلمات ويتجه لتبني فكر جديد كخطوة ثالثة من خطوات التطرف، سواء نحو التدين المتشدد أو الإلحاد المتعصب

هكذا، يمسي “عقل المتعصب يشبه بؤبؤ العين، كلما زاد الضوء المتسلط عليه زاد انكماشه”، حسب رأي الكاتب الأمريكي أوليفر وندل هولمز.

بمعنى أن المتعصب لم يعد قادرا على التفكير خارج الإطار المحدد سلفاً، ولم يعد يستطيع التخلص من النزعة الأحادية التي تلغي الآخر المخالف، ما يؤدي إلى تكفيره أو حتّى إصدار فتوى في حقه لقتله إذا اقتضى الأمر. لا غرابة في ذلك إذا ما تمت العودة إلى الحالة الإنعزالية التي يعيشها المتدين/السلفي بدعوى الحماية من التفلت أو تفاديا للتأثر بسلوكيات المجتمع “الجاهلي”، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تبني أفكار متطرفة قائمة على صنم الوحدوية.

ولعلّ الخطاب الديني/السلفي يذكي من نزعة التطرف لدى الشاب الذي سلك طريق التدين بمعناه “السّلفي”، بتقديم خطاب عاطفي قائم على استثارة الدواخل الإيمانية بسهولة من أجل القيام بعمليات التجييش والتحشيد، متّكئاً في ذلك على نبرة “تقديس متن الخطاب الديني”، مما يولّد حسب يحيى اليحياوي “تعجيزاً سيكولوجيا يذكي الحنين إلى الماضي، ويعطي الإحساس بانتفاء الحيلة أمام تحديات العصر”.

اقرأ لنفس الكاتب: السلفية بالمغرب… غربة “اختيارية” خارج الزمن

من هنا، يحتمي المتلقي (الشاب المتدين/السلفي)  بأمجاد الماضي التي تعوضه عن انكسارات الحاضر، ومن تمّ يقوم على استدعاء الماضي ويعتبره مقياساً يجب أن يقوم عليه الحاضر دون الأخذ بعين الإعتبار تغيرات الزمن الطارئة والتطورات التاريخية المتلاحقة. لكن، في الواقع، “ما يجري الآن أن نموذج المدينة الذي جسّد في القرن السابع سياسة نبي الإسلام، شكل مثالي لا يأخذ في الإعتبار أن التاريخ الحقيقي كان مشوباً منذ البداية بالحرب الأهلية الدموية” (1).

إنّ الشاب الذي خطى خطواته في طريق التطرف، غالباً ما يجد ضالته في الخطاب الديني/السّلفي للهروب من واقعه “الموبوء” ومستقبله “المجهول” نحو الماضي، لتعويض الإنكسار والفشل الذي لحق مسيرته التي ما كادت أن تبتدئ حتّى انتهت. بذلك، يصير قابلاً للحشو بخطاب سلفي قائم على العودة إلى حرفية الرسالة والتشدُّد في تطبيقها، إلى أن يحس في دواخله بأنه الحق الذي لا مراء فيه وما عداه الباطل، ومن تمّ يتخذ من التكفير آليةً لإقصاء المخالف.

الشباب “المتطرف” يتّسم بحالة من الإندفاعية تجعله هدفاً سهلاً لخطب وشعارات الإسلام الراديكالي، مما يفرض سيطرة شبه مطلقة على ذهنيات المتحمسين إلى خلق مجتمع وحدوي تنمحي فيه الفوارق الإجتماعية

لا غرو من كون الخطاب الديني/السلفي المتشدد دائما ما تقترن به النزعة الأحادية التي تلغي الآخر، ذلك أنه يسعى لأن يكون الناس أحاداً متشابهين يرددون خطاباً واحداً ويصطفون في الطابور وِفق مرجعية الإتباع التي تسعى لقولبة التفكير وِفق نمط معين.

ولعلّ المتتبع للشأن السلفي يرى بوضوحٍ ما يمثله ابن تيمية من حلقة وسطى من لحظة تكوين العقل السلفي في الفترة الفاصلة ما بين أحمد بن حنبل الذي يشدد على العودة كليا إلى النص والسير على خطى السلف، وبين محمد بن عبد الوهاب (صاحب الدعوة النجدية) الذي رأى إلزامية التطهر من مخلفات الجاهلية والعودة للدين “الصحيح”.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب: محمد عمارة… من الوطنية الفاشية إلى الماركسية الى السلفية

لم يكن ابن تيمية في حقيقة الأمر سوى تابعاً من أتباع ابن حنبل “الراديكاليين” في وسط يعج بالأزمات، كفترة عصيبة من حياة الإسلام. هذا الأمر أنتج فتاوى قائمة على التشدد والتكفير كانت بمثابة مرجعية للحركات السلفية _على اختلاف تلاوينها_ فيما بعد، لإيجاد مسوغ للقيام بالعمليات الإرهابية على الرغم من كون تلك الفتاوى _في حد ذاتها_ مبتورة عن السياق العام الذي جاءت فيه.

إنّ المنهج التكفيري دائما ما يبرر أفعاله الإرهابية العنيفة بـ “حقّه الإلهي المقدس” معتمداً على خطاب المظلومية ونظرية المؤامرة في تعبير عن الإسلام “المفجوع بفقدان غلبته” (2)، ما تسبب في تبني منهج العنف لإخضاع المجتمعات إلى فهم أحادي للرسالة المحمدية من أجل فرض السيطرة (التمكين) والعودة إلى “الخلافة” القائمة على نظام البيعة المرتكز على مبدأ السمع والطاعة.

في الأخير، لابد من الإشارة إلى كون الشباب “المتطرف” يتّسم بحالة من الإندفاعية تجعله هدفاً سهلاً لخطب وشعارات الإسلام الراديكالي، مما يفرض سيطرة شبه مطلقة على ذهنيات المتحمسين إلى خلق مجتمع وحدوي تنمحي فيه الفوارق الإجتماعية، بيد أنه قائم على “الذّات الإسلامية”، في محاكاة للرعيل الأول من أصحاب محمد نبي الإسلام.

___________________

(1) عبد الوهاب المؤدب، أوهام الإسلام السياسي، نقله إلى العربية محمد بنيس، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، ص: 43.

(2) المرجع نفسه، ص: 9.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *