الطريق إلى الإرهاب: تهافت الفكر القطبي ونتائجه الكارثيّة
أسس سيد قطب فكرته الداعية للجهاد ضد ما اعتبره مجتمعا جاهليا، على عدد من المعطيات والأفكار المغلوطة.
أفكار وصلت حد “تقديس” جيل الوحي والبناء على طهرانيته… رغم ما كان فيه من خلافات واقتتال لأسباب مادية، سياسية ودينية، ورغم ما أنتجه من خلافات سياسية ومذهبية لازالت مستمرة إلى اليوم.
تابعنا في الجزء السابق، كيف أدخل سيد قطب تغييرات جوهرية على “أفكار” حركة الإخوان المسلمين، وكيف أصبحت أفكاره الجديدة، محددة في تاريخ العنف والإرهاب الذي سلكته الجماعة، ومعها كل التنظيمات التي تفرخت عنها.
في هذا الجزء، نقف على أهم عناوين الخلل التي يحملها خطاب سيد قطب… ومعه، كل المرحلة القطبية التي صارت عنوان أبرز التنظيمات الإرهابية اليوم.
لا شكّ أنّ القارئ المطّلع يدرك بيسر، ما في هذا الفكر القطبي من تبسيطيّة وتعميم ومغالطات تاريخيّة، وقياس شكليّ أقرب إلى السفسطة، ولا ينطلي إلاّ على نفوس غائبة عن التفكير.
إنّه ينطلق من فكرة أساسيّة مغلوطة ويبني عليها كامل مشروعه، وهي فكرة نقاوة جيل الوحي من السلف وطبيعتهم الملائكيّة لارتباطهم بالسّماء، فيجعل منهم ومن عصرهم قدوة ومعيارا نقيس عليه وبه كلّ أبعاد الحياة في كلّ عصر وفي كلّ مكان، كما في قوله واصفا هذا الجيل بكونه جيلا “خالص القلب، خالص العقل، خالص التصوّر، خالص الشعور، خالص التكوين من أيّ مؤثّر آخر غير المنهج الإلهي الّذي يتضمّنه القرآن الكريم.”
الطريق إلى الإرهاب مفروش بمزيج من النوايا الطيّبة والكلام الأخّاذ والدجل اللئيم والكذب الأثيم ممّن يقتل الأبرياء وهو يرتّل الذكر الحكيم بعد أن تأكّد من صحّة وضوئه، رجاء لقاء ربّه بأكثر ما يمكن من أرواح خلقه في رقبته!!
الحقيقة أنّ الصحابة المعنيين لم يكونوا بمثل هذه الملائكيّة، فقد تخاصموا وتقاتلوا من أجل المصالح السياسيّة والماديّة، وهرعوا عند موت الرسول إلى سقيفة بني ساعدة يتنازعون من أجل خلافته وجثمانه الطّاهر مسجّى لم يدفن بعد.
وانتهى ثلاثة من الخلفاء الرّاشدين الأربعة مقتولين، كما تواجه عدد من الصّحابة المبشرين بالجنّة من أجل السلطة ومنافعها الدنيويّة، في حروب فظيعة ما زلنا نعاني من ويلات نتائجها السياسيّة والمذهبيّة إلى اليوم، وذلك منذ مقتل عثمان “ذي النّورين” بسيوف مسلمين من جيل الوحي وبتحريض من بعض كبار الصّحابة الذين تواجهوا لاحقا في حرب الجمل بين طلحة والزّبير والسيّدة عائشة زوجة الرّسول من جهة، وابن عمّه علي بن أبي طالب من جهة ثانية، وقُتل فيها الصّحابيان الجليلان طلحة والزّبير .
بل واختلف هؤلاء الصّحابة حول القرآن نفسه وفي فهمه، وكان ذلك من أسباب مقتل الخليفة عثمان بن عفّان الذي جمع القرآن في مصحف موحّد وأمر بحرق ما سواه ومعاقبة من تمسّك بمصحفه من الصّحابة مثل عبد الله بن مسعود الذي تمّ ضربه حتّى كُسرت بعض أضلاعه، وكتب التاريخ والسيرة تجمع على ذلك وحافلة بالأدلّة والوقائع.
إقرأ أيضا: “كلَّما كان الشعب مضطهدا يائسا كلَّما كان أكثر استرسالا في أحلام المكافآت التي سيتلقاها في الجنة”
لكنّ الأنفس المغيّبة عن التفكير تفاعلت وما تزال مع هذا الخطاب القطبي القائم على نظرة مثاليّة للتّاريخ الإسلاميّ في بداياته، واتّخذه بعضهم دستورا لهم فأسّسوا على هديه كلّ التنظيمات الإرهابيّة الّتي تتوالد من بعضها البعض كالفيروسات، وانطلقت تغتال وتفجّر وتذبح بكلّ طمأنينة ونخوة إيمانيّة وراحة ضمير، لأنّ سيد قطب ألقى في روعهم أنّهم وحدهم “الفرقة النّاجية”.
إذا كان الإخوان المسلمون قد كوّنوا جناحا عسكريّا سريّا لدعم الدعوة السياسيّة بالعنف، فإنّ هذه التنظيمات الجهاديّة تعتبر القتال فرض عين وعلى الجماعة كلّها الانخراط فيه، رجالا ونساء وأطفالا، دون ضوابط ولا حدود، متماهين مع جهاديي عهد الوحي في اللباس والهيئة وطرق القتل، وأحبّها إليهم الذبح واستعمال السيف، فانبعثوا أشباحا مرعبة من الماضي يقتلون ويخرّبون ويفجّرون أنفسهم الرخيصة عندهم، متسبّبين في مجازر رهيبة في المساجد والكنائس وغيرها من دور العبادة، والأسواق ودور العلم ومؤسّسات الدولة، كما انخرطوا في سلسلة من الاغتيالات خصّت في مصر عددا من المثقّفين مثل فرج فودة وشيخ الأزهر محمد حسين الذّهبي، وسياسيين من أبرزهم الرّئيس السّادات. كما كان من ضحاياهم في الجزائر فنّانون ورجال دين مسيحيون، والقائد اليساري عمر بن جلون في المغرب. أمّا في تونس، فقد استهدف رصاصهم قائدي المعارضة شكري بلعيد ومحمّد البراهمي.
الأنفس المغيّبة عن التفكير تفاعلت وما تزال مع هذا الخطاب القطبي القائم على نظرة مثاليّة للتّاريخ الإسلاميّ في بداياته، واتّخذه بعضهم دستورا لهم فأسّسوا على هديه كلّ التنظيمات الإرهابيّة الّتي تتوالد من بعضها البعض كالفيروسات، وانطلقت تغتال وتفجّر وتذبح بكلّ طمأنينة ونخوة إيمانيّة وراحة ضمير، لأنّ سيد قطب ألقى في روعهم أنّهم وحدهم “الفرقة النّاجية”.
هذه بعض الأمثلة البارزة، والبقيّة يعرفها الجميع ويكتوي بنارها ملايين الناس في القارّات الخمس، وقد مدّتهم عشرات الآيات والأحاديث والفتاوى الحاثّة على التكفير والجهاد بالنفحة الملهمة، كما وفّر لهم القياس القطبي الأسوة الحسنة في أمر الرسول باغتيال الشاعر اليهودي كعب ابن الأشرف لرثائه قتلى بدر من القرشيين، واغتيال الشاعرة عصماء بنت مروان وهي أمّ لخمسة أطفال، لتعريضها به في أشعارها، واغتيال الزعيم اليمني الأسود العنسي.
إقرأ أيضا: من تونس نائلة السليني تكتب: أليس الصبح بقريب؟
ختاما، لا يسعنا إلاّ التنبيه إلى خطورة نصوص مثل “معالم على الطّريق” لسيّد قطب، قد نتداولها، وأحيانا بالكثير من الإعجاب، دون أن نتفطّن إلى ما تتضمّنه من قنابل موقوتة وألغام لا نَأْمَنُ من انفجارها في أيّ لحظة، فتخلّف دمارا كبيرا!
إنّ الطريق إلى الإرهاب مفروش بمزيج من النوايا الطيّبة والكلام الأخّاذ والدجل اللئيم والكذب الأثيم ممّن يقتل الأبرياء وهو يرتّل الذكر الحكيم بعد أن تأكّد من صحّة وضوئه، رجاء لقاء ربّه بأكثر ما يمكن من أرواح خلقه في رقبته!!
لعلّ هؤلاء لم يقرؤوا أبدا قوله تعالى في سورة المائدة، الآية 69 :“إنّ الّذين آمنوا والصابئون والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”؛ ولا قوله تعالى في سورة النّحل، الآية 116: ” ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إنّ الّذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون”.
أم أنّ على عقولهم أقفالا؟!
لقراءة الجزء الأول: التنظيم السرّي عند الإخوان: بحث في المرجعيات ـــ بحث في النشأة
لقراءة الجزء الثاني: التنظيم السرّي عند الإخوان: بدايات الظهور – الجزء الثاني
لقراءة الجزء الثالث: النظام الخاص الإخوانيّ من التكوين إلى التنفيذ (1)
لقراءة الجزء الرابع: النظام الخاص الإخوانيّ من التكوين إلى التنفيذ (2)
لقراءة الجزء الخامس: الإخوان المسلمون: الطّريــق إلى الإرهــاب 1
لقراءة الجزء السادس: الإخوان المسلمون: السّلفيّة من الفكرة إلى الدّعوة فالجهاد
لقراءة الجزء السابع: الإخوان المسلمون: خطّة الإخوان لأسلمة المجتمع والهيمنة عليه
لقراءة الجزء الثامن: الطريق إلى الإرهاب: خطّة الإخوان لاختراق الدّولة والسّيطرة عليها
لقراءة الجزء التاسع: عسكرة الرّعب: من الجهاز الخاصّ إلى الجماعة المقاتلة. تعاليم سيد قطب
لقراءة الجزء العاشر: الطريق إلى الإرهاب: واجب الجهاد ضدّ الجاهلية الجديدة