عسكرة الرّعب: من الجهاز الخاصّ إلى الجماعة المقاتلة. تعاليم سيد قطب - Marayana - مرايانا
×
×

عسكرة الرّعب: من الجهاز الخاصّ إلى الجماعة المقاتلة. تعاليم سيد قطب

مع سيد قطب، ستتطور مفاهيم العنف لدى جماعة الإخوان المسلمين. عدد كبير من شباب الجماعة، متأثرين بكتابات وخطب قطب، سينزعون نحو التطرف، فيما ستفرخ الجماعة تنظيمات أخرى راديكاليّةّ وأكثر تطرّفا، تتبنى جميعها قراءات تستلهم “أفكار” سيّد قطب، خصوصا في كتابه “معالم في الطريق”.

تابعنا في الجزء السابع من هذا الملف، كيف رسمت حركة الإخوان المسلمين، خطة مدروسة لأسلمة المجتمع والسيطرة عليه. ورأينا في الجزء الثامن، أهم خطط الجماعة لاختراق الدولة والسيطرة على أجهزتها ومؤسساتها.

في هذا الجزء، نواصل اقتفاء أثر الحكاية، من خلال الوقوف عند أهم عناوين المرحلة القطبية في تاريخ الإخوان.

مصطفى التواتي أستاذ الحضارة والأديان المقارنة بجامعة منّوبة _ تونس

خلط الدّين بالسياسة مثل اللّعب بالدّيناميت، لا يلبث أن ينفجر. لذلك، وبالرغم من تأكيد قادة “الإخوان المسلمين” على توخّي تنظيمهم للطرق السلميّة، فإنّهم سرعان ما وجدوا أنفسهم في مواجهات دمويّة مع خصومهم، وخاصة مع عبد الناصر الذي حاولوا اغتياله في حادثة المنشيّة سنة 1954.

محاولة الاغتيال هذه كانت قد أثارت ردّ فعل عنيف من قبل السلطة، عبر إيقافات ومحاكمات قاسية للمئات من قيادات التنظيم وكوادره، وخاصّة منهم الكاتب والصحفي سيّد قطب الّذي أوقف في 1954 وحوكم ب 15 سنة سجنا وأطلق سراحه في 1964 بعد مناشدات من شخصيات دوليّة؛ لكن تمّ إيقافه من جديد بعد أشهر وحكم عليه بالإعدام ونُفّذ فيه الحكم سنة 1966.

في السجن، ألّف سيد قطب أخطر كتبه وأشدّها تأثيرا في فكر الإسلام السياسي الجهادي وتنظيماته. الغريب أن المخابرات المصريّة كانت تغضّ الطرف عن تسريب هذه الكتب ونشرها، رغم تأثيرها الكارثي في أوساط الشباب المتديّن خاصّة. ولعلّ أخطر هذه الكتب تأثيرا هو كتاب: “معالم على الطريق”.

كان كلامه ينساب ويسري في أرواح قرّائه دون مرور بذواتهم العاقلة، فيربط بينهم وبين الكاتب نوعا من الحميميّة ليكوّنوا معا رابطة أو خلية (secte)، هي الّتي سمّاها سيّد قطب “العصبة المؤمنة” الّتي ترتبط بوشائج من التشارك الحميمي والوجد الدّيني والإحساس العميق بأنّهم هم “الفرقة النّاجية” دون غيرهم.

لا خلاف في أنّ إعدام سيّد قطب وما صبغه به أنصاره وما أضفوه عليه وعلى شخصه من مسحة تمجيديّة وما كسوه به من لبوس الشهادة، قد منحته ومنحت كتاباته، وخاصّة منها هذا الكتاب بالتحديد، مكانة خاصّة في إحداث نقلة نوعيّة في مسار الإسلام السياسي تنظيميّا وإيديولوجيّا. وهو ما سنحاول توضيحه فيما يلي.

“معالم على الطريق”: كتاب الإرهاب المقدّس:

تُمْسِكُ كتاب “معالم على الطّريق”، فإذا هو كتيّب صغير، سيّء الطبع والإخراج، ولكن حذار! فأنت تمسك بمفجّر إلكتروني يعمل عن بعد لتفعيل ملايين القنابل والألغام المبثوثة في الكثير من بقاع العالم، على اختلاف مسمّياتها: التكفير والهجرة، حزب التحرير، الجماعة الإسلاميّة، القاعدة، داعش، أنصار الشّريعة، بوكو حرام، إلخ.

إقرأ أيضا: علي اليوسفي: الجذور التاريخية للحجاب

نتساءل هنا: من أين اكتسب هذا الكتيّب كلّ هذا التأثير؟! للإجابة، ينبغي أن نعود إلى طبيعة شخصيّة سيّد قطب والظروف الّتي ألّف فيها كتابه من ناحية، والإطار العامّ الذي صدر فيه وانتشر، من ناحية ثانية.

تكوّنت شخصيّة سيّد قطب، المنحدر من أسرة صعيديّة فقيرة، من نسيج من آلام المرض المزمن وضعف البنية الجسديّة والإحساس بقهر الخصاصة الاجتماعيّة ومرارة الخيبات العاطفيّة والفشل في التمتّع بحياة أسريّة وتحقيق الطموحات الكبيرة في الوظيف والسياسة والإبداع الأدبي والصحافة: كتب الرواية دون أن يُعتبر من الروائيين المعدودين، وقصّد القصائد دون أن ينال صفة شاعر كبير، وكتب في النقد ولم يعدّ من النقّاد، واشتغل كثيرا بالصحافة دون أن يحتلّ فيها مرتبة كبار الصحافيين، وما أن انخرط في جماعة الإخوان، حتّى تمّ سجنه 10 سنوات ثمّ حكم عليه بالإعدام وظلّ مدّة طويلة ينتظر الموت في زنزانته كلّ ليلة حتّى الفجر.

وقد جاء أسلوبه في “معالم على الطريق” خلاصة صادقة لهذه الحالة النفسيّة المأزومة. واعتبارا لتمكّنه من فنّ الخطاب الشعري، فقد طغى على هذا الكتاب طابع رومانسي أقرب إلى المناجاة الصّوفيّة، خاصّة في فصليه الأخيرين اللّذين بدا وكأنّه ينعي فيهما نفسه، فكان كلامه ينساب ويسري في أرواح قرّائه دون مرور بذواتهم العاقلة، فيربط بينهم وبين الكاتب نوعا من الحميميّة ليكوّنوا معا رابطة أو خلية (secte)، هي الّتي سمّاها سيّد قطب “العصبة المؤمنة” الّتي ترتبط بوشائج من التشارك الحميمي والوجد الدّيني والإحساس العميق بأنّهم هم “الفرقة النّاجية” دون غيرهم. فإذا أضفنا العوامل الموضوعيّة المحلّية والدوليّة الّتي ميّزت تلك المرحلة، فهمنا قوّة التأثير الجماهيري الذي أحدثه سيّد قطب و”معالمه”.

محليّا، كان الشعب المصري يعيش حالة من الاضطراب والتغيير العنيف في مختلف البنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي رافقت الثورة، وسوف تبلغ حالة التأزّم غايتها القصوى في هزيمة 1967 المذلّة، بُعيد صدور هذا الكتاب وإعدام سيّد قطب في سنة 1966.

 في السجن، ألّف سيد قطب أخطر كتبه وأشدّها تأثيرا في فكر الإسلام السياسي الجهادي وتنظيماته. الغريب أن المخابرات المصريّة كانت تغضّ الطرف عن تسريب هذه الكتب ونشرها، رغم تأثيرها الكارثي في أوساط الشباب المتديّن خاصّة. ولعلّ أخطر هذه الكتب تأثيرا هو كتاب: “معالم على الطريق”.

أمّا دوليّا، فقد كانت الروح العدائيّة المستشرية ضدّ عبد الناصر وثورته في المنطقة العربيّة وفي أوروبا وأمريكا تدفع وسائل الإعلام إلى التحريض عليه وترويج صورة مثاليّة عن الكاتب وتقديمه في ثوب الشهيد الّذي ضحّى بحياته دفاعا عن إيمانه وفكره في مواجهة حاكم مستبدّ وظالم.

إقرأ أيضا: المساواة في الإرث: الثورة التونسية؟

هكذا، كان فعل هذا الكتاب في نفوس الشباب خاصّة، وشباب جماعة الإخوان بالأخصّ، كفعل النّار في الهشيم.

وقد جاءت الترجمة العمليّة لهذا التأثير، في شكلين :

– الأوّل، نزوع أعداد كبيرة من شباب الجماعة إلى التطرّف وتبنّيهم المتزايد لآراء سيّد قطب الجهاديّة.

– الثّاني يتعلق بتفريخ جماعة الإخوان المسلمين، عن طريق شباب جامعيين (في اختصاصات علميّة غالبا) مسرّحين من السجون، لتنظيمات أخرى راديكاليّةّ، هي نفسها ستفرّخ تنظيمات أعنف منها وأكثر تطرّفا، ولكنّها جميعا تتبنّى قراءات متباينة، إلى حد ما، مع “أفكار” سيّد قطب في كتابه “معالم في الطريق”، وهو ما نتجت عنه نقلة نوعيّة في الفكر السلفي بتحوّله من سلفيّة إصلاحيّة إلى سلفيّة جهاديّة تكفيريّة مقاتلة.

في الجزء العاشر نتابع: الطريق إلى الإرهاب: واجب الجهاد ضدّ الجاهلية  الجديدة.

لقراءة الجزء الأول: التنظيم السرّي عند الإخوان: بحث في المرجعيات ـــ بحث في النشأة

لقراءة الجزء الثاني: التنظيم السرّي عند الإخوان: بدايات الظهور – الجزء الثاني

لقراءة الجزء الثالث: النظام الخاص الإخوانيّ من التكوين إلى التنفيذ (1)

لقراءة الجزء الرابع: النظام الخاص الإخوانيّ من التكوين إلى التنفيذ (2)

لقراءة الجزء الخامس: الإخوان المسلمون: الطّريــق إلى الإرهــاب 1

لقراءة الجزء السادس: الإخوان المسلمون: السّلفيّة من الفكرة إلى الدّعوة فالجهاد

لقراءة الجزء السابع: الإخوان المسلمون: خطّة الإخوان لأسلمة المجتمع والهيمنة عليه

لقراءة الجزء الثامن: الطريق إلى الإرهاب: خطّة الإخوان لاختراق الدّولة والسّيطرة عليها

لقراءة الجزء العاشر: الطريق إلى الإرهاب: واجب الجهاد ضدّ الجاهلية الجديدة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *