ثورة المورسكيين… أكثر الحروب الأهلية الإسبانية وحشية ودموية! 7\10التاريخ الإسلامي لإسبانيا... من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد (الجزء السابع)
توقفنا في الجزء السادس عند مرسوم غرناطة الذي أصدره الملك فيليب عام 1566، وقلنا إنه، بحسب المؤرخين، كان قاسيا على المورسكيين. فما الذي جاء فيه؟ وما الذي مهد له؟ وفي …
توقفنا في الجزء السادس عند مرسوم غرناطة الذي أصدره الملك فيليب عام 1566، وقلنا إنه، بحسب المؤرخين، كان قاسيا على المورسكيين. فما الذي جاء فيه؟ وما الذي مهد له؟ وفي ما تسبب إصداره؟
عام 1564، التقى رئيس أساقفة غرناطة، بيدرو غيريرو، بالبابا في روما، وقيل إن الأخير حثه على بذل المزيد من الجهود لدمج المورسكيين الغرناطيين في المجتمع النصراني. هكذا، حين رجع غيريرو إلى غرناطة، عزم على تنفيذ محاولات أشرس لتنصير هؤلاء.
أمر الملك أيضا بتفتيش كل الكتب والوثائق المكتوبة بالعربية وإحراقها إذا أساءت للدين، ثم بحرق كل النصوص العربية في المملكة بعد ثلاثة أعوام، أيا كان محتواها.
في شتنبر 1565، ترأس غيريرو اجتماعا لمجلس كنائس غرناطة، أوصى فيه بحظر عدد من العادات الأندلسية. لاحقا، قدمت هذه التوصيات إلى لجنة دينية في مدريد، يترأسها رئيس محكمة التفتيش، الكاردينال دييغو دي إسبينوزا.
دي إسبينوزا هذا، كان نفوذه كبيرا، إلى درجة أنه وصف بالملك الثاني في بلاط فيليب، وقد كان متحمسا لسياسية غيريرو المتشددة نحو المورسكيين، وكانت موافقته حاسمة في إصدار المرسوم الملكي.
منع المرسوم الرقصات والأغاني والآلات الأندلسية، كما أمر الملك المورسكيين بترك أبوابهم مفتوحة أيام الجمعة والأعياد، وبالتوقف عن التحدث باللغة العربية وكتابتها لثلاثة أعوام، مقابل تعلم اللغة القشتالية.
اقرأ أيضا: “الدعوة إلى الله… سوق رائج يصنع النجوم”
أمر الملك أيضا بتفتيش كل الكتب والوثائق المكتوبة بالعربية وإحراقها إذا أساءت للدين، ثم بحرق كل النصوص العربية في المملكة بعد ثلاثة أعوام، أيا كان محتواها.
مع انتشار أخبار المرسوم، ثارت ثائرة المورسكيين وحاولوا الدخول في مفاوضات مع الملك، دون جدوى؛ فيما كان آخرون يستعدون للمقاومة المسلحة، وآخرون يحذرون الملك من رد فعل عنيف.
لم يتوقف الملك عند هذا الحد، بل إنه أمر بحظر الحمامات العامة وهدم ما تبقى منها، وحَظَر بشدة ارتداء اللباس الأندلسي. أعطيت النساء مهلة أن تبلى ملابسهم، وبعدها، أي امرأة تشاهد بغطاء الوجه، ستتعرض لعقوبات.
وفق كتاب “الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس” الذي سبقت الإشارة له في الجزء الأول من هذا الملف، فقد جاء هذا المرسوم نتيجة للسخط الرسمي من السرعة البطيئة للاندماج في غرناطة، ولأنه كان يُعتقد أن الاختلاف الثقافي للمورسكيين كان عاملا أساسيا يحول دون اعتناقهم للنصرانية.
لا شك أن المرسوم تأثر أيضا باعتبارات جيوسياسية، من شائعات الهجومات التركية وتواطؤ المورسكيين مع القراصنة. هكذا، يفترض أنه جاء لإبعاد التهديد الأمني ولتأكيد سلطة التاج على المورسكيين.
اقرأ أيضا: “أحمد الخمسي يكتب: شجرة تشومسكي وحديقة اليسار الأمريكي المختفية”
مع انتشار أخبار المرسوم، ثارت ثائرة المورسكيين وحاولوا الدخول في مفاوضات مع الملك، دون جدوى؛ فيما كان آخرون يستعدون للمقاومة المسلحة، وآخرون يحذرون الملك من رد فعل عنيف.
قالت محكمة التفتيش إن المورسكيين بدؤوا يمتثلون للمرسوم، فيما شرع الثوار في البحث عن ملك لقيادة الثورة، واستقروا على ابن وجيه، اسمه فيرناندو دي بالور، وكان مرتبطا بالمؤسسين الأمويين.
في السنة التالية، بدأ المورسكيون يستعدون للثورة. لم يكن التأييد عارما؛ لكن، بالفعل، بدؤوا يطلبون المساعدة من الخارج وأخذوا يجوبون غرناطة في هيأة شحاذين نصارى، ليجمعوا سرا أسماء الرجال المستعدين للقتال، ومعلومات استخبارية عن دفاعات المملكة.
في الوقت ذاته، كان آخرون يصنعون الأسلحة سرا ويخزنونها، وآخرون يشترون البنادق والذخيرة من القراصنة. ثم أخيرا، دخل المرسوم الملكي حيز التنفيذ رسميا في يناير 1568، بينما أصبح لدى الثوار ثمانية آلاف مقاتل متطوع عبر المملكة.
قالت محكمة التفتيش إن المورسكيين بدؤوا يمتثلون للمرسوم، فيما شرع الثوار في البحث عن ملك لقيادة الثورة، واستقروا على ابن وجيه، اسمه فيرناندو دي بالور، وكان مرتبطا بالمؤسسين الأمويين.
اقرأ أيضا: “التيار المدخلي: الدين في خدمة السياسة 1\2”
بعد سنة تقريبا من سريان المرسوم، وافق دي بالور على أن يصبح ملك غرناطة، ورجع إلى اسمه الإسلامي، ابن أمية، وتوج سرا كملك في بلدة صغيرة بالقرب من غرناطة، ثم في دجنبر من نفس السنة، أطلق المورسكيون أخيرا ثورتهم.
وحشية القتل صدمت إسبانيا النصرانية، واعتبرتها الأخيرة تأكيدا لهمجية المسلمين؛ حتى أن الملك فيليب قال لاحقا إن ما فعله المسلمون يبرر الصرامة التي عوملوا بها، متجاهلا إسهاماته في صنع ثورتهم.
من بين كل الحروب الأهلية الإسبانية، يقول المؤرخ الإنجليزي ماثيو كار في كتابه “الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس”، إن ثورة المورسيكيين، المعروفة تاريخيا بـ”حرب البشرات”، كانت أكثرها وحشية ودموية.
تميزت هذه الثورة، بغياب الأفكار الأولية عن الإنسانية أو القيم الأخلاقية، وسيادة الجشع والثأر والعواطف العرقية والدينية القاتلة؛ ففيما لا يربو عن 6 أيام، قتل الثوار 3 آلاف نصراني من كل الأعمار ومن الجنسين.
وحشية القتل صدمت إسبانيا النصرانية، واعتبرتها الأخيرة تأكيدا لهمجية المسلمين؛ حتى أن الملك فيليب قال لاحقا إن ما فعله المسلمون يبرر الصرامة التي عوملوا بها، متجاهلا إسهاماته في صنع ثورتهم؛ فيما اعترف آخرون بمسؤولية المجتمع النصراني عن الثورة.
غضب المسلمين طال أيضا بنايات الكنائس، التي أحرقوها ودمروا ما بداخلها، كما حطموا صور المسيح المصلوب وتماثيله بالمطارق، وجروا حوض التعميد إلى الشارع واستخدموه حوضا لشرب الحيوانات.
اقرأ أيضا: “هذا أخطر أنواع اللاتسامح وأكثرها شيوعا في المجتمعات… وهكذا يمكن مواجهته! 3/1”
على أن المورسكيين لم يشاركوا جميعا في الثورة، إذ رفض البعض الانضمام إليها، كما قتل بعضهم ممن اعتنقوا النصرانية عن قناعة لكونهم رفضوا الارتداد عنها.
“يا لها من وحشية نصرانية فظيعة لم تعرف من قبل في الأمة الإسبانية! ما هذا الغضب الجهنمي الذي جعلكم تظهرون كل هذه الوحشية وانعدام الرحمة؟”
ورغم تمكن المورسكيين من تضاريس غرناطة، إلا أنهم كانوا يفتقرون إلى التدريس العسكري والأسلحة والخبرة، بل كان أغلبهم يقاتل بالحجارة.
ثم لاحقا، مع سقوط القرى المورسكية أمام التقدم النصراني، وتراجع الثوار إلى المرتفعات المغطاة بالثلوج مع عائلاتهم وأسراهم، كانت الثورة قد أوشكت على الهزيمة.
فيما بعد، سمح الملك فيليب للنبيل المُرسي دون لويس فاخاردو بحشد جيش خاص على نفقته والقيام بحملة جديدة ضد الثوار من الشمال الشرقي، ثم سرعان ما أكد شهرته بين المورسكيين بـ”الشيطان ذي الرأس الحديدي”.
انهار المورسكيون الذين كانت الأحجار سلاحهم الوحيد في الغالب، وفضلت نساء مورسكيات كثيرات أن يلقين بأنفسهم من فوق الجبال على الأسر والعبودية، وخر آخرون على ركبهم ممسكين بصلبان من خشب يستجدون الإبقاء على حياتهم.
اقرأ أيضا: “فكرة “الشيطان” في المسيحية 3\4”
لكن فاخاردو لم يبد أي رحمة أمام هذه التوسلات، فأعدم مئات الرجال والنساء والأطفال فورا ورمى بهم في الوديان المحيطة، كما قتل جيشه الكلاب والقطط حتى.
يقول المؤرخ الإنجليزي ماثيو كار إن ثورة المورسكيين، حتى في أوجها، لم تتجاوز، في الأساس، كونها ردا عنيفا على الظلم النصراني، بلا هدف طويل المدى.
“يا لها من وحشية نصرانية فظيعة لم تعرف من قبل في الأمة الإسبانية! ما هذا الغضب الجهنمي الذي جعلكم تظهرون كل هذه الوحشية وانعدام الرحمة؟” هكذا تعجب خينيس بيريث دي هيتا الذي قاتل في هذا الجيش، كما تقول بعض المراجع التاريخية.
استمرت بعد ذلك بعض المناوشات، وأخذ المورسكيون يتصرفون كعصابات ضمت لأول مرة متطوعين من شمال إفريقيا، لكنهم دائما ما ظلوا أقل تسلحا وعددا من أعدائهم النصارى.
ثم، بحلول خريف عام 1569، كان دم كثير قد أهرق في غرناطة. يقول المؤرخ الإنجليزي ماثيو كار إن ثورة المورسكيين، حتى في أوجها، لم تتجاوز، في الأساس، كونها ردا عنيفا على الظلم النصراني، بلا هدف طويل المدى.
اقرأ أيضا: “سعيد ناشيد يكتب: البطيخ واسم الجلالة”
هكذا، أراد بعض الثوار أن يضغطوا على فيليب لإبطال المرسوم الملكي وحسب. بعضهم الآخر أراد تأسيس جيب إسلامي مستقل في غرناطة، وإطلاق عملية استرداد إسلامية، بانتظار تدخل تركي كبير أو مشاركة إخوانهم في الدين من المناطق الأخرى بإسبانيا.
شيء من هذا لم يحدث طبعا… ودفع المورسكيون، نتيجة ثورتهم، الثمن غاليا. فما كان الثمن؟ وكيف سددوه؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الثامن من هذا الملف.
لقراءة الجزء الأول: التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10
لقراءة الجزء الثاني: هكذا استرد النصارى إسبانيا من المسلمين… 10/2
لقراءة الجزء الثالث: سقوط غرناطة… آخر ممالك المسلمين في إسبانيا 3\10
لقراءة الجزء الرابع: بعد سقوط غرناطة: تسامح أولي ومحاولات تنصير… لدواعٍ اقتصادية وأمنية! 4\10
لقراءة الجزء الخامس: التاريخ الإسلامي لإسبانيا: التنصير القسري… بداية المحنة! 5\10
لقراءة الجزء السادس: وسُمع آخر أذان في إسبانيا… إلى حدود أواخر القرن العشرين! 6\10
لقراءة الجزء الثامن: لأول مرة، فكرة طرد المورسكيين تطرح في بلاط الملك… 8\10
لقراءة الجزء التاسع: طرد المورسكيين واستئصال آخر بقايا الحضارة الأندلسية من إسبانيا 9\10
لقراءة الجزء العاشر والأخير: هل تصالحت إسبانيا اليوم مع ماضيها في الإبادة الدينية والعرقية؟ 10\10