فرنسا في إفريقيا: الثروة والفقر في القارة… والأثرياء في باريس (الحلقة الخامسة)
استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر… 80 بالمائة من السكان، لا يتوفرون على الإنارة الكهربائية. لكن…
دولة عاصمة الأنوار، لا تكتفي بيورانيوم النيجر… هي تضع يدها على الذهب في مالي والنفط في السنغال، وتضع يدها في الكونغو على معدن الكولتان النفيس، الذي يعتبر “روح” جميع التكنولوجيات المتطورة اليوم… لكن آلاف النساء والأطفال والرجال الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية من أجل استخراج كل هذه المعادن لفرنسا، هم فقراء كما دولهم.
تابعنا في الحلقات الأولى، الثانية، الثالثة، والرابعة من هذه السلسلة، كيف وضعت فرنسا “نظام رعب” قوي في إفريقيا، وأسست لاستمراره عسكريا، من خلال “اتفاقيات” فرضتها على مستعمراتها السابقة، واقتصاديا من خلال ربطها بعملة استعمارية تدر الملايير سنويا على الخزانة الفرنسية، وأيضا من خلال فرض فرنسية التعليم وصنع نخبة إفريقية مرتبطة بفرنسا.
… في هذه الحلقة، نتابع النبش في حكاية استعمار لم ينته، من خلال الوقوف عند بعض عناوين المصالح الفرنسية في القارة.
المصالح الفرنسية في إفريقيا، متعددة ومتنوعة…
مصالح، تتعلق في مجملها، باستغلال الثروات الطبيعية لدول القارة.
ثروات مثل:
اليورانيوم في النيجر
فرنسا اليوم هي الدولة الرائدة في مجال استخدام الطاقة النووية لأغراض غير حربية، وشركتها العملاقة (Areva)، هي بدورها، الشركة الرائدة في مجال الطاقة النووية… وهي الوحيدة الحاضرة في كل النشاطات الصناعية المرتبطة بالطاقة النووية.
لكن… وهذا الأهم في الحكاية.
إنتاج الطاقة النووية، يتطلب نشاطا من نوع آخر… يتطلب عملية تنقيب واستخراج لليورانيوم. عملية تكون نتائجها، “على عكس مسمى الاستخدام السلمي للطاقة النووية”، مدمرة وقاتلة.
استخراج اليورانيوم له نتائج قاتلة وكارثية على السكان المقيمين بجوار المناجم ونتائج كارثية على البيئة تدوم لآلاف السنين. وهذا بالضبط ما يحدث في النيجر، بحسب تقارير ودراسات لعدد من المنظمات، على رأسها “غرينبيس”.
… النيجر دولة ليس لها منفذ على البحر، وهي الدولة التي تتوفر على مؤشر التنمية البشرية الأكثر انخفاضا في العالم، وهي دولة فقيرة، ذات أرقام بطالة جد مرتفعة، مستويات تعليم جد متدنية، أرقام مخيفة في ما يتعلق بالأمية والجهل، بنيات تحتية شبه منعدمة… وبحالة عدم استقرار سياسي شبه دائمة. لكن…
النيجر دولة غنية بالثروات الطبيعية، من بينها “اليورانيوم”.
الفرنسية (AREVA)، بدأت نشاطها في التنقيب واستخراج اليورانيوم شمال النيجر، منذ أكثر من 40 سنة مضت، مقدمة عملها هذا كــ “عملية إنقاذ اقتصادي” و“مساعدة فرنسية” لشعب فقير. غير أن نشاطات الشركة الفرنسية… ستكون فقط، آلة تدمير حقيقية للبلد.
عمليات التفجير والألغام وطرق استخراج اليورانيوم، ستحول سماء البلد إلى سحب مكثفة من الغبار، وستحول الأرض… إلى مفرغ نفايات حقيقي.
… إزاحة ملايين الأطنان من التربة والصخور، أثر بشكل مقلق على مصادر المياه الجوفية؛ كما تزايد الخوف من عدم الاهتمام بطرق استخراج اليورانيوم، وإمكانية تسبب ذلك في انتشار مواد مشعة في الجو، والتسرب إلى المياه الجوفية، وثلوث التربة… إضافة إلى الأمراض القاتلة التي يمكن أن تلحق بالبشر.
حسب بعض المعطيات، فإن المشاكل الصحية المرتبطة بمشاكل التنفس والسرطان في تزايد مستمر، كما أن معدلات الموت المرتبطة بمشاكل التنفس في المناطق القريبة من المناجم، هي ضعف المعدلات المسجلة بباقي أنحاء البلد، لكن… (AREVA) لا تعتبر نفسها مسؤولة ولو جزئيا عن كل ذلك. بل إن عددا من المستشفيات المحلية الخاضعة لإدارة (AREVA)، واجهت دائما، اتهامات بعدم تشخيص العديد من حالات السرطان. لكن….
في نونبر 2009 مثلا، استطاعت منظمة “غرينبيس” بالتعاون مع المختبر الفرنسي النيجري (CRIIRAD) وشبكة المنظمات غير الحكومية (ROTAB)، إنجاز رصد علمي موجز لمنطقة المناجم، وقياس حجم الإشعاعات في المياه، في الهواء، وفي التربة، فكانت النتائج كارثية.
خلال 40 سنة من نشاط (AREVA)، تم استخدام أكثر من 270 مليار لتر من المياه في المناجم، مع تلويث المياه وإفقار المياه الجوفية. سيكون على النيجر، حسب ذات المعطيات … انتظار ملايين السنوات، للعمل على إعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية.
… منظمة “غرينبيس” قامت بتحليل المياه في مناطق مناجم استخراج اليورانيوم، لتخلص إلى أن تركيز اليورانيوم في هذه المياه، هو أعلى بكثير من المعدل الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية.
الأرقام المخيفة لا تقف عند حدود المياه، بل تتعداها لتشمل أرقاما أكثر بشاعة، تتعلق بانتشار غاز الرادون المشع في الجو، وانتشار الغبار الناعم… وغيرها من المعطيات والأرقام التي تضمنها تقرير مفصل لـ “غرينبيس”…
… بعيدا عن أرقام الكارثة البيئية لاستخراج اليورانيوم، تعالوا نعود قليلا لأصل الحكاية.
ببساطة، الحكاية تُكتبُ لغةً تحت عنوان “النيجر”… لكنها تٌقرأ: يورانيوم/ فرنسا. وحين تكتب يورانيوم/فرنسا… يجب أن تقرأها… (AREVA) الشركة العملاقة… التي تمتلكها فرنسا، والتي يوجد مقرها في الحي الشهير (La Défense).
النيجر، هي ببساطة، رابع دولة منتجة لليورانيوم في العالم، لكنها من أفقر شعوب الكرة الأرضية… وهذا يعني فقط، أن عائدات اليورانيوم في النيجر، لا تذهب إلى النيجر… بل تقف في باريس.
يورانيوم النيجر، يخلق في النيجر… ثلوتَ الهواء والماء والأرض؛ لكنه، أيضا، يوفر الطاقة لأكثر من 50 بالمائة من الشعب… الفرنسي طبعا.
يورانيوم النيجر… يجعل من فرنسا المنتج الرئيسي للطاقة في أوربا، بـ 17.1 بالمائة من مجموع الإنتاج في الاتحاد الأوربي، متقدمة على كل من ألمانيا (15.3 بالمائة) وبريطانيا (13.9 بالمائة).
… ببساطة، وبالأرقام والمعطيات:
استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر… 80 بالمائة من السكان، لا يتوفرون على الإنارة الكهربائية.
الشركة الفرنسية (Areva)، لديها ميزانية سنوية تقدر بــ 9.3 مليار أورو…
(Areva)، وبحسب العقود الاستعمارية التي تربطها بالنيجر، تؤدي مبلغ 65 دولار للكيلوغرام الواحد من اليورانيوم، مقابل الثمن الحقيقي للسوق، الذي يتجاوز عتبة الــ 140 دولار للكيلوغرام.
بحسب ذات العقود، هناك بند وضعته فرنسا، يقضي بعدم أدائها لأية رسوم … ما يعني أن أكثر من 82 مليون أورو، لا تصل إلى خزائن النيجر.
وزير المناجم في النيجر “عمر حميدو”، قال ذات يوم:
خلال 40 سنة… استغلت فرنسا النيجر دون أن تشيد ولو مدرسة على الأقل… ولو مستشفى”.
هذه بعض من حكاية يورانيوم النيجر… لكنها مجرد “مقبلات فرنسية” لفتح الشهية، إذ للطبخة هنا، توابل وبهارات أخرى تجعل للطبخة مذاق أكل جثت البشر…
إضافة ليورانيوم النيجر، تضع فرنسا يدها في إفريقيا على…
الذهب في مالي (ولحكاية تشغيل الأطفال في مناجم الذهب هنا، حكاية سنعود لها مستقبلا) والنفط في السنغال. النفط الذي تسيطر عليه الشركات الفرنسية العملاقة (من Bolloré إلى Total) عبر خارطة شاسعة تشمل، أيضا، دول غرب وجنوب إفريقيا، من أوغندا إلى كينيا، ومن أنغولا إلى موزمبيق إلى جنوب إفريقيا.
في الكونغو… تضع فرنسا يدها أيضا على معدن الكولتان النفيس، الذي يعتبر “روح” جميع التكنولوجيات المتطورة اليوم… لكن آلاف النساء والأطفال والرجال الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية من أجل استخراجه، هم فقراء كما دولتهم.
بالأرقــــــــــام يكفي أن نتذكر أن:
ــ 80٪ من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في إفريقيا… يتم تصديره إلى قارات أخرى.
ــ أكثر من ثلاثة أرباع عمليات تعدين الذهب في العالم، تتم في القارة الإفريقية.
ــ يتم استخراج أقل من ثلاثين بالمائة فقط من الماس في العالم… خارج القارة الإفريقية.
ــ يتم استخراج أكثر من نصف المنغنيز والكروميت وخام الكوبالت في العالم… في إفريقيا.
ــ يتم استخراج ثلث الفوسفاط واليورانيوم في العالم… من داخل القارة.
لائحة موارد القارة غنية وطويلة… لكن، اختصارا للمسافة، اسألوا فرنسا الــ (حرية، إخاء، مساواة) عن سبب فقر قارة، تنتهي ثرواتها في باريس، ويبدأ فقرها أمام عدسات وسائل الإعلام الفرنسية، وخطب الساسة الفرنسين وهم يدعون العالم… لمساعدة إفريقيا.
هي فقط بعض حكاية نفاق تاريخي… يرفع يد الإحسان والمساعدة أمام الكاميرات، ويضع يده على ثروات قارة. أمام كل هذه الفضائح، هل يتغير الأمر اليوم؟
هذا ما سنتابعه في الحلقة المقبلة من السلسلة.
الحلقة الأولى: فرنسا في إفريقيا… دولة تسرق قارة
الحلقة الثانية: فرنسا في إفريقيا: نهب الثروات أو…الاغتيال والانقلابات
الحلقة الثالثة: فرنسا في إفريقيا: نظام الرعب… و اتفاقيات تقنين السرقة
الحلقة الرابعة: فرنسا في إفريقيا: قارة تحت حكم العسكر… الفرنسي
الحلقة السادسة: فرنسا في إفريقيا: مع ماكرون… نهاية فرنك المستعمرات. كذبة أبريل فرنسية
الحلقة السابعة/الأخيرة: فرنسا في إفريقيا: في انتظار تحرير القارة من القمع النقدي الفرنسي
مقالات قد تهمك:
- معركة الهري: فلتسألوا الاستعمار الفرنسي عن… طعم الهزيمة! 1\2
- معركة الهري: المفتاح السحري… لأول هزيمة لفرنسا بإفريقيا! 2\2
- فرنسا: محاكمة مرشد جبلي لتقديمه شايا وملابس لطالبي لجوء أفارقة كانوا يعبرون جبال الألب
- فرحات حشاد… أيقونة النضال التونسية
- الفرنكفونية في المغرب، لغة أم سلاح؟ 2/1
- الفرنسية والإنجليزية في التعليم المغربي: هيمنة اللغة… لغة الهيمنة؟ 2/2
- محمد الزرقطوني: رجل تجرع السم… ليحيا وطن! 2/1
- محمد الزرقطوني… رجل المثل العليا الذي وهب روحه الشابة دون تردد ليحيا الوطن 2/2
freferfe
laah ykon fi 3onhom
مقالة جيدة و هادفة . شكرا على المجهودات