أحمد السباعي: روايتي ليست تقريرا… إنها استشفاء خيالي - Marayana - مرايانا
×
×

أحمد السباعي: روايتي ليست تقريرا… إنها استشفاء خيالي

رواية ”تحت أشجار السرو العتيقة” هي محاكاة للسيرة الذاتية؛ يجابه ويمحص فيها أحمت السباعي تيمات أبدية كالحب والصداقة والقلق الوجودي، ومكانة المثقف في المجتمع المغربي. جسد بطل الرواية ”أحمت” أحلام الشعراء عندما تعلق برؤى لأنها تقرأ بست لغات، واتخذ من ”فؤاد” صديقا لأنه يجسد نزوة أنسنة شخصية ”زوربا” الروائية.

أودّي!“.

كانت تلك الكلمة تختصر كل شيء مرة واحدة. لابد وأن الذي اخترعها يحمل ألما عظيما لا تستطيع لغات العالم شرحه. هي أقرب إلى زفرة منها إلى كلمة. صوت ممتد للألم، صدى طويل لصفقة باب في أعمق أغوار الذات”.

هكذا اختار أحمد السباعي أن يذكرنا بسحر ”دارجتنا” المشاكسة اللعوب، وذلك في روايته “تحت شجرة السرو العتيقة“.

السباعي قال ربما أيضا ”أودّي” عندما رفضت دور النشر نثر روايته في الأوراق، لكنه تحلى بالشجاعة والجرأة لنشرها في الفايسبوك.

أحمد السباعي
أحمد السباعي

رواية ”تحت أشجار السرو العتيقة” هي محاكاة للسيرة الذاتية؛ يجابه ويمحص فيها أحمد السباعي تيمات أبدية كالحب والصداقة والقلق الوجودي، ومكانة المثقف في المجتمع المغربي. جسد بطل الرواية ”أحمت” أحلام الشعراء عندما تعلق برؤى لأنها تقرأ بست لغات، واتخذ من ”فؤاد” صديقا لأنه يجسد نزوة أنسنة شخصية ”زوربا” الروائية.

نكتشف في هذا الحوار مع أحمد السباعي حيثيات كتابة روايته، وتجربة تسييره للمجموعة ”الفايسبوكية” المغربية ”كتوبتنا” (مجموعة قرائية على الويب)، ونستعرض بعد تصوراته انطلاقا من تجربته الحياتية.

بداية، نهنئك على نشر روايتك الأولى: “تحت شجرة السرو العتيقة”. كنت جسورا بنشرها على الفايسبوك، بعدما أدارت أكثر من خمسين دار نشر ظهرها لك، رغم جودة عملك الأدبي بشهادة العديد من قراء مخطوط الرواية. هل تشعر بالمرارة والخذلان، أم أن الارتسامات الإيجابية الأولى لقرائك حول العمل كانت خير بلسم؟

كتبت روايتين قبل هذا النص، أحرقت أولهما، ودمرت الحاسوب الذي يحتوي الأخرى. حين قررت أن أكتب “تحت شجرة السرو العتيقة”، لم أكن أفكر مطلقا في نشرها، حتى أقنعني أصدقاء أثق بهم بذلك. حين فشلت في إقناع دور النشر بنشرها في كتاب ورقي، ورأيت من عالم الناشرين ما رأيت، وحين أصبحت الرواية العانس تمنعني من أي محاولة كتابة جديدة، قررت أن أضعها بين يدي القراء مباشرة، دون وساطة من أحد. سأكون كاذبا لو قلت إنني لم أشعر بالخيبة. ولكنني مطمئن إلى أن هذا النص سيكون قطعة آجرّ أخرى ضئيلة في بناء الرواية المغربي العظيم.

يعرفك الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كمسير لـ”كتوبتنا”، إحدى أهم المجموعات الفايسبوكية التي تدعم القراءة في المغرب، وتحفز تبادل المعرفة والتجارب القرائية. في هذا الفضاء، اكتسبت سمعة ممتازة بفعل تجربتك القرائية الغزيرة في مجالات متعددة وسهرك على تنظيم وإثراء محتوى مجموعة افتراضية تضم جزءً من النخبة المغربية. هل نحن أمام وضع وجودي نخبوي لمهمة ”الأدمين” (مسير صفحة)، يجعلك تشعر بالافتخار والمسؤولية لتسيير نقطة ضوء بارزة في الويب المغربي؟

مجموعة “كتوبتنا” واحدة من أهم المجموعات القرائية في الويب المغربي والعربي، ولي الحق في الافتخار بالانتماء إليها. لكن، ليس للحد الذي تصفه. نعم كنت جزءا من أفراد تسيير المجموعة، لكنني شعرت منذ مدة أنني استنفذت كل ما يمكن أن أعطيه للمجموعة. لذلك، ابتعدت قليلا. وللمجموعة الآن مسيرون آخرون على رأسهم سي محمد إعزا الذي يقوم بدور ريادي هناك.

سأكون كاذبا لو قلت إنني لم أشعر بالخيبة. ولكنني مطمئن إلى أن هذا النص سيكون قطعة آجرّ أخرى ضئيلة في بناء الرواية المغربي العظيم

دعنا نعود لروايتك ”تحت شجرة السرو العتيقة”. إن هذا العمل الأدبي جمع بين  جمالية البدايات ودهشتها وتسلل الذاتية إليها، حيث نستشعر بحضورك في العمل، حتى أن البطل يحمل اسمك ويتحدث بلوعة عن تيمات الصداقة والحب وانكسار المثقف في مجتمع ومدن بئيسة تعمق شقاءه. هل استشعرت أن حياتك ليست تراجيدية وعميقة بما يكفي لكتابة سيرة ذاتية، فقررت كتابة رواية؟

كما كتبت في مراجعتي لرواية عبد الكريم جويطي ”ثورة الأيام الأربعة” الصادرة مؤخرا، والتي تستحق كل الاحتفاء، فإن النص الذي أقدمه بين أيديكم لم يكن ليأتي لولا تجربة خذلان عشتها قبل سنتين. ليس بمعنى أنني سجلت تلك التجربة، ولا أنني أنطلق منها لأقول ما يمكن أن يكون سيرة ذاتية؛ ولكن بمعنى أن تلك التجربة كانت الولاعة التي أشعلت بها أول ورقة خريف في شخصيتي السابقة. وكان لا بد من خلق شخصية أخرى: كيف ستخلق شخصية أخرى إن لم تقدم تضحية عميقة، تضحية تحرق بها كومة الأخطاء التي تجر خلفك؟ روايتي ليست تقريرا، ولا كومة الأخطاء تلك. روايتي استشفاء خيالي.

نعم، قد يبدو الأمر أشبه بمقاطع من سيرة ذاتية. نعم، قد يقول أي طالب نقد إنني وقعت في فخ الرواية الأولى. لكنني لا آبه لذلك كله. وها أنذا أقول ببساطة إنني اخترت اسمي للشخصية الرئيسية لأنها تشبهني، ولو كانت تشبه شخصا آخر لاخترت اسمه. من جهة أخرى، أليست حيواتنا كلنا مغرقة في التراجيدية؟ يتوقف الأمر فقط على زاوية نظرك إلى تلك الحيوات.

– “ماذا سيفعل عجوز مثلي بكل هذه الكتب؟

– أغرقها في المحيط”.

هذا الحوار صادم. لن نسألك طبعا عن كليشيهات انكسار المثقف العربي وشعوره بالهزيمة. لكن، نتساءل: لماذا اخترت هذا النفس الاستسلامي الذي عبر من خلاله بطل الرواية المثقف عن سأمه من كتبه بعدما أذاقته الحياة مرارة فقدان الأصدقاء وخيانة الأحباء؟

لا أقرأه استسلاما، ولا انحناء لمرارات الحياة وكل ذلك الهراء. لكن، يمكنك أن تعود إلى الفصل الأول، الذي يحكي الأمر من وجهة نظر أخرى: ربما للحقيقة أكثر من وجه!

في الختام، أرجو أن تسمح لنا بسؤال شخصي: لقد اعترفت أن الروائي عبد الكريم جويطي ساندك بعد تجربة عاطفية قاسية، وأنك كنت منسقا لحركة ”20 فبراير” في مدينة بالصحراء المغربية، كما حكيت قصة استهلال بعض زملائك الأساتذة للحياة الجنسية مع عاملات جنس. هل نستشف من هذا أنك تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي فضاء للبوح والمكاشفة، دون توجس من تأثير ذلك في المستقبل على مسارك وسمعتك كروائي؟

الفيسبوك، وكل منصات التواصل الاجتماعي، هي بكل بساطة منصات للتواصل الاجتماعي! وكيف يكون التواصل بين البشر بغير البوح والانكشاف؟

نعم كلنا يحتفظ بأسراره لنفسه. لكن، للجميع أيضا الحق في أن ينكشف كما يشاء.

قبل سنة تقريبا مات أحد “أصدقائي” على الفيسبوك، لم أكن أعرف منه إلا الجزء الذي تبديه صفحته، لكنني أستطيع أن أؤكد لك أن موته كان بمثابة كارثة. وتبقى ملاحظة أخيرة: لست روائيا بعد، وحين سأكون كذلك، سأفخر بكل ما أنشره على صفحتي.

مقالات وفيديوهات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *