دور النّشر في المَغرب… إحدى المعضلات الكبرى للثقافة المغربية! 1 - Marayana - مرايانا
×
×

دور النّشر في المَغرب… إحدى المعضلات الكبرى للثقافة المغربية! 1\3

الطّباعة باهظة الثمن في المغرب، ودور النشر، في الغالب، ليس لديها مشروع تُكيّف منشورات الكتّاب معه. والخطأ الأكبر أنّ دور النّشر المغربية، على ندرتها، تعتمدُ على وزارة الثقافة للترويج لمنشوراتها في المعارض وتعتمد عليها، كذلك، في التّسويق الخارجي…

هي “شُبهاتٌ” كثيرة تلاحقُ دور النّشر المغربية، منها أنّها تقترف “أخطَاء قاتِلة”، أخطَرها نشر روايات وأعمَال غثّة، غير صالحة للنشر… لكن المال، وحده، جعلها تخرج إلى النّور حين ينفقُ الكاتب على عملية النّشر، ما يمسّ بالثّقافة المغربية ويساهم في تسيّد الرّداءة فيها.

منها أيضاً… أنّ البنية الذهنية لدور النشر المغربية، لازالت ترى في الكاتب مجرّد أجير، وأن بعض الكُتّاب في المغرب، لا يتوفرون على نسخ من كتبهم، وأنهم مطالبون باقتنائها كلما أرادُوا ذلك.

فـ…هل كلّ ما يُكالُ لدور النّشر المغربية من اتهامات صحيح، أم أن الأمر لا يخلو من مبالغة في تحميل دور النّشر كل هذه المَسؤولية؟

هذا ما سنفصّل فيه في هذا الملف.

دور النشر: سؤال الاختلالات

لعلّ من الاختلالات الكبرى التي أفصح عنها المتدخلون في هذا الملف، أنّ الناشر في المغرب قد يعيشُ من النشر، بينما الكاتب يعيش من مهنة أخرى.

يوسف كرماح، مدير دار أكورا للنّشر والتوزيع، لا يخفي أنّ مجال النّشر، الذي ينتسب إليه، يعاني بحقّ في المغرب وتنتقل المعاناة إلى الكتاب بالتالي.

من الاختلالات التي يدفع بها الناشر كرماح لمرايانا، أنّ دورالنّشر المغربية لازالت تعتمد على الأسماء المعروفة أو الأسماء الكبيرة، ولا تحمل همًّا ثقافيا، ولا تتبنى حتى أيديولوجيا معينة تجعلها تدافع عن مشروع فكري.

وفق مدير دار أكورا، فإنّ عملية النّشر، بالنّسبة لمعظم النّاشرين المغاربة، تجارية ربحية. “لكن الذي نعتبره صوابا أنه، في عز حضور الرغبة في الربح، ينبغي أن يكون هناك رهان معرفي وثقافي؛ إذ إن صفة الجشع المستشرية، التي تتضمّن كثيراً من الحيف للكتاب وهضماً لحقوقهم أحياناً، لا بدّ أن تسقُط”.

يتساءل يوسف كرماح: كيف سنشجّع البناء الثقافي ونحنُ ليست لدَينا دُور نشر تطبع على نفقتها الخاصة، كما في العالم العربي؟

لا شكّ أن “الطّباعة باهظة الثمن في المغرب، ودور النشر، في الغالب، ليس لديها مشروع تُكيّف منشورات الكتّاب معه. والخطأ الأكبر أنّ دور النّشر المغربية، على ندرتها، تعتمدُ على وزارة الثقافة للترويج لمنشوراتها في المعارض وتعتمد عليها، كذلك، في التّسويق الخارجي”.

هذا الأمرُ، بحسب كرماح، نقيضٌ لما هو عليه في كثيرٍ من دور النّشر العربية، فكتاب يصدر في لبنان أو مصر، يصل في غضون شهرين إلى المغرب، نتيجة شبكة توزيع هائلة ومحكمة.

الناشر المغربي لا يتعامل بشكل لائق مع الكاتب، لأن دار النشر تعتبر الكاتب أجيرا لديها، وهو ما يجعل الزعم القائل بأن الكاتب قد يعيش من إيرادات كتبه، غير صحيح البتّة في المغرب، لأنه أصلاً هو الذي ينفق على عملية النّشر.

في جوابه على سؤال مرايانا بخصوص كونه ناشراً بالمغرب، وبأيّ معايير ينشرُ للكتّاب الجدد، يقول يوسف كرماح إنّ دار أكورا، من أهمّ معاييرها الجودة والجدية، وأن يكون العمل مقبولا، تتمّ إحالته على لجنة القراءة لتقرّر إن كان العمل يصلحُ للنشر.

الناشر يردف: “جاءتنا أعمال روائية ذات نفس قصصي ممتاز وحكي مشوّق، والقضية المعالجة فيها إبداع مذهل وغنية فكرياً وفلسفياً. هذه الأعمال لا يمكن إلا أن تنشر بكلّ اهتمام. قد نتدخل لتَصويب فكرة ما أو إعادة تَحرير فَقرة، أو إعادة ترتيب الفصول، لكن، مع الحفاظ على الاختيارات الجمالية للكاتب”.

الناشر في المغرب قد يعيشُ من النشر، بينما الكاتب يعيش من مهنة أخرى.

الغاية من صرامة دار أكورا، وفق المتحدّث، هي أن تحترم المشهد الثقافي المغربي، وأن تعزّزه بأعمَال ذات مضامين جيّدة.

تأخذ الدار بعين الاعتبار، حسب مديرها، كل ما يمكنه تحسين عملٍ ما كي يصبح جاهزاً ليوضع في رفوف المكتبات وبين يدي القارئ، “لأننا محكومون بهاجس ثقافي أكثر منه رحبي”، يقول كرماح، مضيفا أن “دار أكورا بتجربتها المتواضعة، حملت همّ الابتعاد عن السقوط في الفخ الذي سقط فيه جزء مهم من دور النّشر المغربية، بحيث نحن لا ننشر أعمالا سيئة مقابل المال”.

يختمُ كرماح قائلا: “نحرص على مراعاة معايير الجودة حفاظاً على سمعة الدار ومصداقيتها. وأملنا أن نجعلها في مصافّ دور النشر العربية المعروفة… والأهمّ أن نُكوّن قيمَة علمية في المجال الثقافي المغربي الذي يعاني من كل جانب”.

النّشر… من وجهة نظر الكتاب!

لا يختلفُ عبد القادر الشّاوي، الكاتب والروائي المغربي، عمّا قالهُ النّاشر يوسف كرماح.

الشاوي، ككاتب له تجربة في النّشر، يجد، في حديثه مع مرايانا، أنّ دور النّشر في المغرب، كما هي في كثير من البلدان، شركات خاصة لإنتاج الكتاب وغيره. وهي بالتالي مدعوّة لتحصيل الرّبح، الذي يغطي مصاريف الإنتاج والتّوزيع واستخلاص الفائدة.

الرّوائيّ يضيف بأنّ “كونها متخصصة في نشر الكتاب بعامّة يجعلها، بطبيعة الحال، في قلب الأوضاع الثقافية والفكرية والتعليمية والاقتصادية الموجودة في البلاد، فتتأثر بذلك أيما تأثر سلباً وإيجاباً”.

كيف سنشجّع البناء الثقافي ونحنُ ليست لدَينا دُور نشر تطبع على نفقتها الخاصة، كما في العالم العربي؟

من زاوية هذا الارتباط، فإن دور النشر القائمة في المغرب تعاني من عوامل عدّة، أهمها غياب سياسة ثقافية رشيدة، هي حصراً من مسؤولية مؤسسات الدولة ومصالحها، في علاقةٍ بالنّاس وظروف عيشهم ومُستوى تعلِيمهم إلخ، يقول الشاوي.

من الظّاهر مثلاً أن “وزارة الشّؤون الثقافية، وهي الجهة المنوط بها بلورة سياسة ثقافية عمومية في البلاد، ليس لها ذلك. وتعاملها مع نشر الكتاب ودوره في المغرب، رغم كثير من المجهودات المعروفة على مستوى الدعم، هي في الغالب موسمية ومزاجية وغالباً ما ترتبط باجتهاد فردي لا يضمن أيّة استمرارية عقلانية تطمئن العاملين في قطاع نشر الكتاب.

أيضاً، فإنّ تراجع نسبة القراءة والغلبة النّسبية لوسائط جديدة في ميدان القراءة نفسه، أصبَحت تستغني تدريجياً عن الكِتاب المنشور بالطرق التقليدية في النشر.

من بين الأسباب التي يعدّدها الشاوي لمرايانا، ما يتّصل بضُعف الإعلام الثّقافي وتراجُعه الظّاهر بالمُقارنة مع التّجارب السّابقة قبل عشر سنوات أو أكثر. “وهو تراجع في جوانب منه على ارتباط بانحسار نشر الجريدة السياسية وغياب شبه واضح للمجلات الثقافية الداعمة لنشر الكتاب والإعلام بصدوره. ومن المفهوم أن للإعلام الثقافي الدور الكبير في تنشيط دورة الكتاب وفي الاهتمام به”.

الأنكى، بحسب الشاوي، هو معضلة التوزيع التي أصبحت منذ فترة تهدد الكتاب بـ”القتل” أمام ارتفاع كلفة التوزيع، التي تقارب نصف كلفة إنتاجه في حالة القبول بتوزيعه. فضلاً عن السّوء الذي يطبع التوزيع، وخصوصاً فيما يرجع للكتاب باللغة العربية مقارنة مع مثيله باللّغة الفرنسية أو غيرها من اللّغات الأجنبية.

سيكون من الصّعب تماماً إعادة النظر في هذه الوضعية، لأنها تنتمي إلى القطاع الخاص، القائم على المبادرة الفردية والحرة، والخاضع أيضاً للضّرائب التي تفرضها الدّولة عليه، رغم الإعفاء النسبي للضريبة على الورق الأبيض الخاص بنشر الكتب أو المجلات…

يجملُ عبد القادر الشاوي قائلاً بأنه سيكون من الضّروري، أخذاً بعين الاعتبار مجمل التّحولات والتّحديات التي يمر بها قطاع إنتاج الكتاب ونشره وتوزيعه، إعادة النظر فيما يجب أن تقوم به الدولة من “مجهودات” تنبني على سياسة ثقافية ديموقراطية للنهوض مجددا بقطاع إنتاج الكتاب ونشره من حيث الدعم والترويج ومساعدة القراء على اقتنائه كذلك بوسائل مختلفة… على غرار المكتبات العمومية وغيرها.

في الجزء الثاني، نرى بشكل أدقّ كيف يمكنُ لدور النشر أن تجهضحلم شاب في الكتابة وتطوير ملكاته.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *