دور النشر في المغرب… حظّك العاثر إن كنت تريدُ أن تُصبحَ كاتباً! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

دور النشر في المغرب… حظّك العاثر إن كنت تريدُ أن تُصبحَ كاتباً! 2\3

في المغرب، ظَهرت بعض دُور نشر الكتاب، وكان عملها في المجال الثقافي، من خلال نشر الكتاب، مفيداً وأساسيًا في تنشيط الحركة الثقافية والجامعية وغيرها… إلا أن معظمها لم يعمر طويلاً لسبب يبدو في كثير من الأحيان على علاقة بالمجال نفسه الذي تخصصت فيه، أي ضعف المجال الثقافي، ضعف الإنتاج الثقافي نفسه، أو صدوره على مراحل طويلة.

بعد أن قمنا باستقراء عوامل ضعف قطاع النشر والاختلالات التي يعاني منها في الجزء الأول، في هذا الجزء الثاني، نرصد كيف يمكن لدور النشر أن تلعب دوراً في تدجين الثقافة عبر نشر أعمال غثّة أو من خلال نهج الزبونية.

الواضح أنه، على خِلاف السنوات الفارطة، حيثُ كان المشهد الثقافي يعرف تواجد كثير من دور النشر المغربية، فإنّ عددها اليوم لا يتجاوز عدد الأصابع، ولازالت تنحو منحى تناقصياً، حتى لم يبق منها إلا القليل في الدار البيضاء والرباط وبعض المدن الأخرى القليلة، على غرار طنجة، تطوان، مُراكش…

حسب ما تبيّن أثناء إعداد هذا الملف، فثمّة بعضُ الكتاب المغاربة الشباب من يحسّ أنّه كتب أفضل عمل في السّاحة، ويشعر بالإهانة حين يرفض مخطوطه، لأنه يعتبره مخاض جهدٍ جهيد وتعبٍ شديد وتأمّلٍ عميق. وبالتالي هو مدعوّ لخوض غمار حرب لأجل نشره بكلّ السبل…

في شُبهة “دعم” الرّداءة!

في حوار سابق له مع مرايانا، قال الروائي ووزير الثقافة السابق محمد الأشعري إنّ المشهد الثقافي المغربي لا يشجّع سوى على الدّروشة والتّسطيح.

فهل لدور النشر نصيبٌ من المساهمة في تكريس هذا التسطيح وصقله؟

يجيبُ الرّوائيّ عبد القادر الشاوي، بأنّ دور النشر تعتمد في الغالب على تصوّر أو خطة أو مشروع يرتبط بالمجال الذي تتفرغ للإنتاج فيه.

 لا يمكن في الواقع محاسبة دور النشر على نشر أعمال هابطة أو غير ناضجة أو لا تستحق النشر أصلا، والسبب في ذلك، بالنسبة لبعض دور النشر، أن عملية تقييم وتقويم الإنتاج قبل النشر، هو من اختصاص جهات لها وعليها أن تتخصص في ذلك.

هذا هو الطّابع الكلاسيكي الثّقافي لمفهوم دار النّشر، التي تكرّس وجودها في مجال النّشر، وفي الميدان نفسه بما تقدّمه لهما من أعمال ومطبوعات وخبرات أيضاً، وتيّارات فكرية في بعض الأحيان كذلك.

بيد أن هذا التّصور الكلاسيكي، غالبا ما يصطدم بطبيعة المجال الثّقافي نفسه، وبالعَوائق التّجارية أو السّياسية التي تبرُز فيه لأسباب مختلفة، فيكون ذلك مدعاة لفشلها التّجاري أو قمعها السّياسي أو غير ذلك.

في المغرب، يشرح الشاوي، ظَهرت بعض دُور نشر الكتاب على النّحو المذكور، وكان عملها في المجال الثقافي، من خلال نشر الكتاب، مفيداً وأساسيًا في تنشيط الحركة الثقافية والجامعية وغيرها… إلا أن معظمها لم يعمر طويلاً لسبب يبدو في كثير من الأحيان على علاقة بالمجال نفسه الذي تخصصت فيه، أي ضعف المجال الثقافي، ضعف الإنتاج الثقافي نفسه، أو صدوره على مراحل طويلة.

هذا بالإضافة إلى العوامل التّقليدية المتّصلة بغياب سياسة ثقافية تتعلّق بالقِطاع وبالقِطاعات المُجاورة وبالوضع العام في البلاد كلاًّ، من بؤس وسائط التّوزيع إلى ضُعف القراءة وغلاء الكلفة.

غلب الطّابع التّجاري على الدّار النّاشرة، حتى أضحت هذه الغلبة، في مجال الكتاب المدرسي بالنسبة لبعض دور النشر، عاملا يدر عليها كثيرا من الربح لا تحققه مع الكتاب الثقافي والأدبي، إلخ!

تطور الأمر في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى العوامل المشار إليها، إلى أن أصبحت بعض دور النشر متخصصة في نشر كثير من الإنتاجات الثقافية الخاصة، غالبا ما يكون المؤلف قادرا على تمويلها عندما ترفض الدار الناشرة القيام بذلك، تهربا من تحمل مسؤوليات أو ما شابه.

مع ذلك، يقول الشاوي… إنّه لا يمكن في الواقع محاسبة دور النشر على نشر أعمال هابطة أو غير ناضجة أو لا تستحق النشر أصلا، والسبب في ذلك، بالنسبة لبعض دور النشر، أن عملية تقييم وتقويم الإنتاج قبل النشر، هو من اختصاص جهات لها وعليها أن تتخصص في ذلك.

معظم دور النشر “لا تتوفر على لجان القراءة، وعندما تتوفر عليها، فإن رأيها لا يؤخذ به لأن التقدير التجاري أو إلحاح الكاتب واستعداده لتمويل نشر كتابه يتغلّب على ما عداه”.

بالتالي، يجمل الكاتب عبد القادر الشّاوي بأنّ قِيمة الإنتاج الثّقافي أو الأدبي (رواية) ينبغي النظر إليهما على ضوء طبيعة الأوضاع الثقافية العامة السائدة… بما في ذلك مشكل القراءة؛ والمسؤولية يتحمل تبعاتها الكاتب وحده، ولا تصلح العوامل الأخرى إلا لتبرير الأوضاع الذّاتية التي لا تترتّب عنها مسؤُوليات مُعينة.

في شُبهة “التّمييز”…

إذا كان عبد القادر الشاوي، في حديثه مع مرايانا، يعتبر أنّ طبيعة عمل دور النشر، تجعلها بعيدة، مبدئياً، عن تحمل المسؤولية في ما آل إليه وضع النشر في المغرب، فإنّ يوسف كرماح مدير نشر دار أكورا، يرى أنّ دور النشر جزء متأصّل من داء النشر بالمَغرب بفعل طبيعة نهجها التمييزي بين كاتِب وآخر.

كرماح يذهب إلى أنّ تجربته بيّنت بوضوح أنّ كثيراً من دور النشر لازالت تنشر أعمالاً بدافع الصّداقة والزّبونية، وبالمُقابل لا تعطي فرصاً أخرى للشّباب المُبدع ليلمعوا في المَشهد الثّقافي.

فهل بوسع أي روائي أن يُسمِع صوتَه داخل الشّرط الثّقافي والأدبيّ بالمغرب؟

حمزة كدّة، روائي مغربي شاب، يقول في حديثٍ له مع مرايانا إنه قدّم روايته “أفول الأوهام” لمجموعة من دور النّشر المغربية، حتى الكبيرة وزناً واسماً… “وكما كان متوقعاً، لم أتلق أي اهتمام من لدنهم”.

غلب الطّابع التّجاري على الدّار النّاشرة، حتى أضحت هذه الغلبة، في مجال الكتاب المدرسي بالنسبة لبعض دور النشر، عاملا يدر عليها كثيرا من الربح لا تحققه مع الكتاب الثقافي والأدبي، إلخ!

يضيفُ حمزة بأنّه قد يُقال إن تلك الرواية، باعتبارها أول مؤلف في تجربته في المجال الأدبي، لم ترق إلى درجة أن تنشر بهذه الدور، ولا أن تنشر أصلاً، لكونها قد لا تمت للأدب بصلة. إلا أن واقع أمر مختلف تماماً، لأن معظم الكتاب الشباب يواجهون نفس المشكل حينما يودون نشر مؤلفاتهم. العملية تتلبس لبوساً اقتِصادياً، وليسَ بوسع الشّباب أن ينشُروا مؤلّفاتهم على نفقتهم.

تتكون عقيدة راسخة عند كدّة، بأنّ الأمر راجع للبُعد الاقتصادي الذي باتَ يحكم دور النشر؛ إذ لم تعد قناة الكاتب للوصول للمجتمع، ولا المنفذ الذي يلجأ إليه لإيصال كتاباته، بل غدَت تتعامل اتكاءً على الأساس التّجاريّ ابتداءً. لذلك، فهي تبحث عن أشهر الوجوه قصد تسويق اسم دار نشر معينة.

لا يمكنُ بأيّ حال من الأحوال، حسب الروائي الشاب، أن “ننكر القيمة الصدقية والعملية لعدة دور نشر بالمغرب. لكن معظمها لا تقدم فرصاً للشباب ولا تحقق إصداراتها رقماً توزيعياً هاماً، وهذا ما دفعني إلى البحث عن دور للنشر خارج المغرب، ونشرتُ روايتي فعلاً”….أخيراً، يجدُ الشباب والكُتاب الجُدد أن حلمهم في ممارسة الكتابة يبقى صعباً في المغرب، وهو الذي يجعل الروائيين الشباب، على غرار عبد المجيد سباطة يتعاملون مع دور نشر عربية.

في الجزء الثالث نرى كيف ساهمت كل هذه الأوضاع و”الشّبهات”، في انفراط عقد الثقة بين الكتاب والنّاشرين.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *