عبد الكريم جويطي: العالم يوجد في عتبة الباب… بني ملال هي قدري وهي من أعرف (2/3) - Marayana - مرايانا
×
×

عبد الكريم جويطي: العالم يوجد في عتبة الباب… بني ملال هي قدري وهي من أعرف (2/3)

بعدما تابعنا في الجزء الأول من هذا الحوار، مع الروائي عبد الكريم جويطي، بعض خبايا كتابة روايتيه ”المغاربة” و”كتيبة الخراب”، وأسباب تطوره ككاتب انطلاقا من رواية ”ليل الشمس”. نواصل خلال هذا الجزء الثاني، سبر أغوار تعلق الكاتب الملالي بمدينته واعتمادها جغرافية للسرد، كما نسائل النفس الاحتجاجي الذي يطبع كل أعماله الأدبية.

1\ تعلقت بمدينة بني ملال، فجعلت منها جغرافية أبدية للسرد، هل يمكن لقراء عبد الكريم الجويطي أن يطمعوا في اكتشاف إبداع كاتبهم في عوالم مختلفة؛ مدن ودول أخرى؟

قلت مرارا بأن العالم يوجد في عتبة الباب… بني ملال هي قدري وهي من أعرف، ومن لم يلهمه المكان الذي يعيش فيه، لن يلهمه أي مكان آخر في العالم.

المكان مادة من المواد التي يشتغل عليها الروائي. وفي حالتي، هناك مدينة تعيش بداخلي لا علاقة لها مع مدينة الواقع. لا أثق في صمت الأمكنة ولا في حيادها. الأمكنة تتحدث من خلال من انتدبتهم للكلام باسمها. وقدر الأمكنة رهين بهبة الكتابة لأنها وحدها تحول المكان من ركام من الأحجار إلى قضية وسؤال.

هذه المدينة الاستثنائية التي أوت الهاربين من جفاف الثمانينيات القاسي، ستتعرض لجرائم عمرانية متتالية وسيهجم عليها مغول العقار وسيحولون معظم زياتينها لتجزئات قميئة. هذا هو جرح الكتابة عندي. لم ينجح أبدا افتتاني القديم بالورود والأشجار في أن يتصالح مع الإسمنت العاري

لا يموت المكان حين يموت إلا لأنه لم يجد من يهيئ له مكانا داخل الكلمة.

تحتاج المدن للكتابة بقدر حاجتها لحدائق وهواء نقي؛ لأن الكتابة تدخلها للذاكرة النصية، وللخيال، وتمنحها مهابة الشيء الذي اقتطع لنفسه حيزا في الأبدية. ضاع “الدَّخُول” و”حَوْمَلِ” و”برقة”… لكنهم باقون في الشعر وإلى الأبد.

 2\كتبت في روايتك ”المغاربة”: ”لو حول المغاربة فائض طاقة عدم الرضى عن البلد إلى طاقة تغيره نحو الأفضل، لخلقوا منه جنة عوض جهنم التي يشتكون منها”. لقد قدمت نقدا قاسيا لسيكولوجية المغاربة. رغم ذلك، حققت الرواية انتشارا كبيرا وسط القراء في المغرب. هل هذا يعني أن المغاربة لا يخشون المكاشفة والحديث عن ندوب تاريخهم؟

أعتقد بأن عوامل متداخلة ربت بداخل المغاربة فائضا في انتقاد البلد، وتجريحه، والتنقيص من كل ما أنجز فيه. بل إن ملكة نقد كل شيء غلبت كل الملكات الأخرى، وصرت تعرف المغربي بموقف عدم الرضا المزمن هذا.

عظمة الأدب تمثلت دوما في حسه الأمومي؛ إنه لا يعاتب إلا من أجل أن يجعل مما يعاتبه الأفضل والأجدر بالحياة وبالمحبة… حتى عدم الرضا داخل الأدب يكون مريبا ويخفي في كل الأحوال حبا كبيرا.

شعوب أخرى عاشت الأمر نفسه في مراحل عصيبة من تاريخها. أفكر في الشعب الروسي بعد هزيمة حرب 1905، والشعب الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، ويمكن تلمس ذلك من خلال الأدب الذي كتب بعد الحدثين.

يحدث هذا لدى الشعوب التي تعي تخلفها التاريخي إزاء جار وجيران أقوياء، ويحدث أيضا لدى الشعوب التي لها تاريخ مجيد بالمقارنة مع حاضر موسوم بالأزمات. فتكون القسوة إزاء الذات والسخرية منها وتحقيرها أحيانا صيغا ماكرة لذات تحقق ذاتها من خلال قتلها رمزيا.

إن رؤية النفس مشوهة في المرآة، وعدم القدرة على رؤيتها بشكل واقعي بمزاياها وعيوبها، يظهر استحكام عقدة النقص.

اقتات الأدب دوما على الجوانب المظلمة في الواقع، وطارد بلا هوادة ما يغيب ويخفى، وحين ينتقد الأدب شيئا ويشهّر به، لا يفعل ذلك بمجانية مهاترات المقاهي، بل بمسؤولية من يهدم ليبني.

عظمة الأدب تمثلت دوما في حسه الأمومي. إنه لا يعاتب إلا من أجل أن يجعل مما يعاتبه الأفضل والأجدر بالحياة وبالمحبة… حتى عدم الرضا داخل الأدب يكون مريبا ويخفي في كل الأحوال حبا كبيرا.

3\-نستشعر في رواياتك نفسا احتجاجيا عميقا، وتركيزا على الاختلالات والجراح الجماعية للمغرب. هل أنت مثل محمد شكري؛ شيء ما في حياتك، وماضيك، يمنعك من الحديث عن الفراشات والورود؟

لا يموت المكان حين يموت إلا لأنه لم يجد من يهيئ له مكانا داخل الكلمة. تحتاج المدن للكتابة بقدر حاجتها لحدائق وهواء نقي. لأن الكتابة تدخلها للذاكرة النصية، وللخيال، وتمنحها مهابة الشيء الذي اقتطع لنفسه حيزا في الأبدية.

عشت طفولة سعيدة جدا وسط البساتين في مدينة صغيرة محاطة بغابات زيتون هائلة. كان والدي بائع زرابي وفر لنا ظروف عيش جيدة. لم نكن أغنياء ولم نكن فقراء. كنا مثل معظم الملاليين، نأكل خضرا وفواكه طازجة جنيت صباحا وكان اللحم متوفرا عن طريق ما كان يسمى بـ”الوزيعة”.

كانت بني ملال جنة حقيقية لا يجوع فيها أحد والحياة سهلة جدا وخيرات الطبيعة بوفرة عجيبة. أذكر أن بائعي الخضار في السوق كانوا يتخلون عن خضرهم في المساء، فيقتسمها من هم في حاجة لها.

هذه المدينة الاستثنائية التي أوت الهاربين من جفاف الثمانينيات القاسي، ستتعرض لجرائم عمرانية متتالية وسيهجم عليها مغول العقار وسيحولون معظم زياتينها لتجزئات قميئة. هذا هو جرح الكتابة عندي. لم ينجح أبدا افتتاني القديم بالورود والأشجار في أن يتصالح مع الإسمنت العاري، لهذا قررت الخروج للبادية والسكن مجددا بين الأشجار.

الجزء الأول من حوار عبد الكريم جويطي مع مرايانا: المجتمع المغربي في عمومه يستمع للفقيه والعشاب والمشعوذ أكثر مما يستمع للمثقف

الجزء الثالث والأخير من حوار عبد الكريم جويطي على مرايانا: سأصدر قريبا رواية هي الجزء الأول من رباعية (3\3)

شاهد أيضا: بالفيديو: مرايانا تناقش “المغاربة” في حديث مع الصحافة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *