الحاكمية عند سيد قطب… أحدُ المنابع الكبرى للإرهاب الإسلامي! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

الحاكمية عند سيد قطب… أحدُ المنابع الكبرى للإرهاب الإسلامي! 2\2

سيد قطب ومن سار على منواله، كسعيد حوى وفتحي يكن وعبد السلام فرج، جعلوا الإسلامُ في حرب فكرية ضدّ العصر، ونظّروا لكون المسلم ينبغي أن يكون في نزاع ضد مجتمعه، ضدّ”الجاهلية” و”الكفر”، فيهاجروا لإقامة دولة الإسلام.

تابعنا في الجزء الأول كيف ظهر مفهوم الحاكمية ببعده السياسي مع أبو الأعلى المودودي في الهند، لأسباب تاريخية معينة، وكيف أنّ سيد قطب “ارتقى” بالمفهُوم إلى نطَاق أكثر غلوّا لوضع أسُس الدّولة الدّينية (الإسلامية)، وانقلب على الأسس التي وضعها قبله حسن البنا.

في هذا الجزء الثاني، نرصدُ كيف تحوّل هذا المفهوم، بدء من سيد قطب إلى أحد منابع الإرهاب الحقيقية.

الحاكمية… الإرهابُ في كلمة!

يقول المفكر المغربيّ عبد الإله بلقزيز في كتاب الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر: يمثّل سيد قطب الموجة الثانية من تجربة الإخوان المسلمين، واللحظة الفكرية الثانية من تراث “الصّحوة” الإسلامية. وكما انعطف بالفكر الإسلاميّ الصّحويّ انعطافاً راديكالياً وسمه بالغلو، كذلك انعطف بتجربة الإخوان إلى حيث أفرزت ظواهر سياسية متطرّفة لم تكن على عهد بها في ما مضى.

 الحاكمية وليدة المدارس الجبريّة اللاهوتيّة، التي تسلب الإنسان حرّية الإرادة والفعل والقرار.

تطرّف سّيد قطب يرجعه الباحث طارق البشري إلى “التنظيم الخاص” الذي أسسه الإخوان المسلمون في الأربعينات، لأهداف أمنية، بغية تحصين التنظيم وحمايته من بطش السّلطة، إلاّ أنّ هذا التنظيم ما فتئ أن أصبح شبيها بالمنظمة العسكرية المغلقة.[1]

قاعدة لا يستهان بها من شبيبة التنظيم، لم تجد بدّا من الانسحاب من العمل السّياسيّ الشرعي، والانكباب بالمقابل على النشاط الأمني.

بعد وفاة حسن البنا، وجد هؤلاء الشباب أنفسهم داخل حياة ساسية لم يألفوها، ولم يستطيعوا التعايش معها.

ومع أنّ “سيد قطب لم يكن ضمنهم، لكنه وجد فيهم “النواة” المؤمنة التي يمكنُ أن تحمل عبء الدعوة إلى “دولة القرآن”… إلخ، مثلما كانوا يجدون فيه القلم الأقدر على التّعبير عن منَازعهم الرّافضة أو الرّفضوية”![2]

إنّ غلوّ سيد قطب وتطرفه، جعله يقلب الطاولة على العمل السياسي “التربوي” للإخوان، وعمل على تحويله إلى “كتائب صدام”، التي ستعهد إليها مهمة تطبيق الشريعة وإقامة المجتمع الإسلامي.

وهذا هو الدافع لكي يلجأ إلى خطاب والتكفير والتحريض والتحشيد.

بهذا المعنى، يكون حسن البنا قد “أنتج فكراً سياسياً، بينما أنتج قطب بياناً سياسياً – قتالياً كان ذروة التعبير عنه كتابه معالم في الطريق“. [3]

سيد قطب ومن سار على منواله، كسعيد حوى وفتحي يكن وعبد السلام فرج، جعلوا الإسلامُ في حرب فكرية ضدّ العصر، ونظّروا لكون المسلم ينبغي أن يكون في نزاع ضد مجتمعه، ضدّ”الجاهلية” و”الكفر”، فيهاجروا لإقامة دولة الإسلام. [4]

الغرض من هذا القول المتطرّف دائماً، هو محاولة التحايل على التاريخ، والعودة إلى التجربة النبوية، لتحجيم “كفر” المجتمع وهدي الناس، وإن بالقوة، إلى عقيدة الإسلام.

من تداعيات هذا التفكير، الذي يحاول استعادة التجربة النبوية، أن “حركات تكفير وهجرة بدأت في مصر وانتشرت في بقاع مختلفة من المجتمعات الإسلامية، وآخرها باكستان وأفغانستان”.[5]

حركة التكفير والهجرة

يميّز الباحث مبروك بوطقوقة مرتكزين أساسيين، تنهض عليهما أفكار حركة التفكير والهجرة، والتي كانت الابن غير الشرعي للحاكمية.

أول المرتكزين هو التكفير المبني على مبدأ الحاكمية: حيث تم تكفير الحكام، لأنهم لا يحتكمون للشريعة الإسلامية، وتكفير المحكومين لأنهم رضوا بذلك، ولم يعترضوا عليه، وتكفير العلماء لأنهم لم يكفروا الحكام وسكتوا عن تطبيق القوانين الوضعية، إعمالا لأصلهم في أن من لم يكفر الكافر فهو كافر، وتكفير كل من يقول بمقولاتهم ولم يعتنق مذهبهم. أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها، فهو مرتد حلال الدم. [6]

الجماعات الإسلامية، هنا، حسب بوطقوقة، إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة، وكل من أخذ بأقوال الأئمة أو بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر، والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله.

تطرّف سّيد قطب يرجع إلى “التنظيم الخاص” الذي أسسه الإخوان المسلمون في الأربعينات، لأهداف أمنية، بغية تحصين التنظيم وحمايته من بطش السّلطة، إلاّ أنّ هذا التنظيم ما فتئ أن أصبح شبيها بالمنظمة العسكرية المغلقة.

لذلك، “على المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها، ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين، كما ذهبوا مذهب الخوارج في تكفير صاحب الكبيرة، وأن الإيمان وحدة لا تقبل التجزئة”.[7]

أمّا الثّاني، فيتعلق بالهجرة المبنية على مبدأ الجاهلية. والمقصود به تطبيق مبدأ العزلة عن المجتمع، لأنه “كافر” و”خارج عن الملة”.

تمتدّ هذه العزلة، في نظر التكفيريين، لتشمل المكان والشعور حدّ المفاصلة الكلية عن المجتمع.

تذهب الجماعة إلى أنّ إصلاح المجتمع الجاهلي، من داخله، أمر غير ممكن. لذلك، تنبغي الهجرة منه نحو مكان لا يخضعُ القاطنون فيه للطّاغوت.

بلغ تطرّفهم أن اختار أعضاء الحركة الهجرة مسلكاً للهروب من عالم الجاهلية والفساد، “وقاموا بإسقاط بعض التكاليف الشرعية، وحرموا الصلاة في المساجد، لأنها معابد الجاهلية ومساجد الضرار، وقاموا بتعطيل صلاة الجمعة إلى أن يمكن الله لجماعتهم في الأرض، فلا جمعة في الاستضعاف، وحرموا التعليم في المدارس الحكومية لأنها مراكز للكفر والجاهلية، وحرموا العمل في المؤسسات الحكومية حتى ولو كان العمل في ذاته مباحًا، لأن في ذلك دعم للمجتمع الكافر”. [8]

بهذه الأفكار المتطرّفة، شكّلت الحاكمية منبعاً للإرهاب. التكفيرية بنتُ الإرهاب؛ كما أن التكفيرية والإرهاب، بكيفية من الكيفيات، هما من نتائج فكرة الحاكمية.

أخيراً، تكون الحاكمية، إذن، وليدة المدارس الجبريّة اللاهوتيّة، التي تسلب الإنسان حرّية الإرادة والفعل والقرار.

لقد وصل الإسلاميون، منذ عقد من الزمن، إلى السلطة في عديد من الدول “العربية” بعد ثورات الربيع الديمقراطي؛ لكنهم فشلوا في تشكيل سلطة دينية. لقد أصابتهم حالة “فصام” حين أدركوا أنهم، في الواقع، يمارسون سلطة سياسية بشرية توسّلوا فيها الدين لأهداف دنيوية.

… الأهم في كل الحكاية، أن الإسلامويين أدركوا أننا اليوم في زمن، لا يقبل العالم فيه بأي توقيع… لا ترضاه الإنسانية لذاتها. لذلك، فإن الإرهاب، والإرهاب الإسلامي تحديداً، يقوم على بنية فكرية لها غاية وحيدة، هي تدمير معنى الإنسانية. لذلك، فقد أصبح عملياً خارج التاريخ الحديث، يتغنى بالحاكمية التي لم تقم في الواقع إلاّ في أفغانستان “الطالبانية”!

هوامش:

[1]البشرى طارق، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، دار الشروق، الطبعة الأولى 1996.

[2]بلقزيز عبد الإله، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات الوحدة الإسلامية، الطبعة الثانية 2004.

[3]المرجع نفسه.

[4]نفسه.

[5]نفسه.

[6]بن جماد الجهني وآخرون، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، دار الندوة العالمية.

[7]مبروك بوطقوقة، مفهوم الحاكمية أو السيادة عند التكفيريين

[8]المرجع نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *