إخوان الصفا… المُحتوى الأيديُولُوجي لدعوة الجَماعة! 3 - Marayana - مرايانا
×
×

إخوان الصفا… المُحتوى الأيديُولُوجي لدعوة الجَماعة! 3\4

كانت لإخوان الصفا أفكار في غاية الأهمية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، كما يذهب إلى ذلك محمود إسماعيل، كدعوتهم إلى تحرير المرأة، ومنابذة الإقطاع والتنديد بـ”فقهاء السلطان”… كما أولوا التربية اهتماماً فائقاً وربطوها بالتعليم، وطرحوا أفكاراً بصددها لم نقف عليها إلاّ في العصر الحديث

رأينا في الجزأين الأول والثاني من هذا الملف، نشأة الجماعة، ودورها في رفع الطلاق بين الشّريعة والفلسفة بعرض بعض آرائها الفلسفية في الذات الإلهية وضرورة استخدام العقل في النظر في الدين.

فكر إخوان الصفا وأيديولوجيتهم تقومُ أساساً على قوامٍ إشتراكي، ينبني بدوره على العدل الاجتماعي والمساواة وتكسير الأساطير التي تجعل الشريعة في خدمة الخلافة.

في هذا الجزء الثّالث، نرصد بعيون المفكّر حسين مروة، المُحتوى الأيديولوجي في نقد نظام الخلافة والثورة على نظمه البديهية داخل التراث الإسلامي.

أفكَار في خِدمة “الثّورة”!

وضع إخوان الصفا معارفهم ورسائلهم في متناول مختلف الشّرائح المجتمعية دون تمييز. سعت الجماعة في ذلك إلى بث أفكارها “الحديثة” داخل المجتمع الإسلامي، حتى توسّلا بالطّرق الشفهية في التواصل لتبلغ الأفكار عامّة الناس وكل جماهير، وذلك بترتيب مجالس ومجامع منظمة المواعيد. [1]

يعتقدُ حسين مروة أنّ “تثقيف الجماهير العريضة بالمعارف العلمية المحضة، كان هدفاً من أهداف الإخوان إلى جانب الهدف السياسي.”

لأنّ مُحاولة التثقيف الجماهيري، ولو عن طريق الموضوعات الدّعائية ذات الطّابع المذهبي والسياسي، هي “بذاتها محاولة ذات مدلُول إيديولوجي له مُحتَواه الصّريح، وأنّ تعميم المعارف العلمية في المجتمع كله عن الطبيعية والإنسان والدين والمجتمع والدولة، بمفاهيم متحررة من المفاهيم الرسمية، هو عمل إيديولوجي يقف في مواجهة الحكم المسيطر آنذاك”.

لا يتحدث إخوان الصفا عن الماضي، بل يؤمنون أنه نظام مستمرّ ومتجدد، فينسفون تلقائياً أن محمدا خاتم الأنبياء والرسل وأن الدين اكتمل بالإسلام وهو خاتم الديانات السماوية.

… وهو سعي من طرف الإخوان لمحاربة النظام القائم لعلّتين، كما يرى مروة، فالأولى هي كونه أداة لحجب المعارف والعلوم على الجماهير العامة؛ وبالتالي حصرها في الفئات العليا والطبقة الحاكمة والموالين للدولة والمقربين من النظام المجتمعي القائم حينئذٍ!

والثانية… بغية محاربة الأيديولوجيا القائمة في الدولة، التي تقوم على توطيد استبدادية ذلك النظام الشمولي وتأبيد سيطرته غير القابلة للنقد والاعتراض والنقاش… وتحريم الأفكار المتنورة والمتحررة من “مفاهيم” الفكر الرّسمي ومسلماته النظرية، فضلاً عن اللجوء إلى القتل المعنوي للمخالفين، عبر تهم التكفير والزندقة والهرطقة والإلحاد… إلى جانب التصفية الجسدية. .[2]

الواضح أن لإخوان الصفا أفكارا في غاية الأهمية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، كما يذهب إلى ذلك محمود إسماعيل، كدعوتهم إلى تحرير المرأة، ومنابذة الإقطاع والتنديد بـ”فقهاء السلطان”… كما أولوا التربية اهتماماً فائقاً وربطوها بالتعليم، وطرحوا أفكاراً بصددها لم نقف عليها إلاّ في العصر الحديث. [3]

يدعو محمود إسماعيل، في ذاتِ السياق، إلى التأمل في قولهم بأنّ “التربية هي إبراز الاستعداد الشخصي وجلاؤه”، لما لهذه المقولة من دور في الوقوف على مدى عمق استنارتهم. [4]

الإخوان والفلسَفة لرفض الخِلافة!

يذهبُ حسين مروة ومحمود إسماعيل إلى أنّ إخوان الصفا كانوا يرفضون الأساس النظري لدولة الخلافة… الشّريعة – في مفهوم الدولة – هي ذلك الأساس النّظري نفسه!

لذلك، قالوا بتجدد الشّريعة والدين بصورة دورية ترتبط بحركة الأجرام الفلكية، من حيث التقارب والتباعد بين هذه الأجرام، وفق ما يخلص إليه حسين مروة.

إخوان الصّفا يضعون تقسيم العمل في المجتمع كأساس لتقدّم المجتمع وهنائه، ويضعون الحوافز المادية كأساس لإنجاز العمل واتقانه…

فهم “يعينون ثلاثة أشكال من الأحداث الفلكية تترتبّ عليها ثلاثة أحداث في الأرض… الأول، ما يسمونه بـ”القرآن الأعظم”، وهو اقتران كوكبي زحل والمشتري في كل دور زمني مدته 960 سنة، فإذا حدث هذا الاقتران حصلت بتأثيره تغيّرات مهمة في الأرض: يظهر رسول جديد ودين جديد، وتتغيّر النواميس (الشرائع)”. [5]

هم لا يتحدثون عن الماضي، يرى مروة، بل يؤمنون أنه نظام مستمرّ ومتجدد، فينسفون تلقائياً أن محمدا خاتم الأنبياء والرسل وأن الدين اكتمل بالإسلام وهو خاتم الديانات السماوية.

المدلول الإيديولوجي لهذا القول وهذا الموقف، هو تدمير الأسطورة القائلة بديمومة النظام الاجتماعي لدولة الخلافة الإسلامية، استناداً إلى ديمومة الشّريعة، التي هي مستنده الأيديولوجي. [6]

فلسفةُ الدّفاع عن العُمّال!

يؤكّدُ إخوان الصّفا على الطابع الاجتماعي لنشاط الإنسان، ويؤكدون قيمةَ العمل والطّابع الاجتماعي أيضاً لأهداف العمل.

لذلك، هم يضعون تقسيم العمل في المجتمع كأساس لتقدّم المجتمع وهنائه، ويضعون الحوافز المادية كأساس لإنجاز العمل واتقانه… ” [7]

إخوان الصفا كانوا يرفضون الأساس النظري لدولة الخلافة… الشّريعة – في مفهوم الدولة – هي ذلك الأساس النّظري نفسه!

الغاية من هذه الفلسفة لدى إخوان الصفا، يقول مروة، هي نسف المدلول الاحتقاري للعمل اليدوي والإقطاعي والإنتاجي وإلى الفئات الاجتماعية التي تمارس هذا العمل، وهي تحديداً النظرة السائدة في مجتمعات العبودية، ولكن…

يبيّن حسين مروة أن إخوان الصفا كانت لهم نظرة معاكسة، تعلي من شأن الطبقات الاجتماعية وتضعها في مستوى واحد مع الفئات السياسية والعلمية والتعليمية.

يضيفُ مروة أنه، بالرجوع إلى رسائلهم، نجدهم يعلنون صراحة: “… حتى يستحقّ كل إنسان من الأجرة بحسب اجتهاده في العمل ونشاطه في الصنائع”… فهل “لنا أن نفهم من هذا القول إنّه إشارة إلى ضرورة أن تكون أجرة الاجتهاد في العمل مساوية لقيمة العمل نفسها دون استغلال العاملين ونهب استحقاقاتهم، أم تلك مسألة بعيدة عن الوعي آنذاك؟”

في الأخير، يتبيّن أن فكر إخوان الصفا وأيديولوجيتهم تقومُ أساساً على قوامٍ إشتراكي، ينبني بدوره على العدل الاجتماعي والمساواة وتكسير الأساطير التي تجعل الشريعة في خدمة الخلافة.

وهي على ما يبدو نظرة علمانية “هيومانية”، كما قال محمود إسماعيل… نظرة حداثية داخل التراث، جعلت الجماعة تستحقّ بالفعل لقب رواد الفكر التنويري… ما ألهم الكثير من المفكرين فيما بعد ومنهم ابن خلدون!

فهل كان الأمر لا يعدو استلهاماً لأفكار إخوان الصفا وتضمينها في “المقدمة”، أم بلغت المسألة حدّ “السّطو” و”السّرقة الفكرية”، كما يزعم محمود إسماعيل؟

نجيب عن هذا السّؤال في الجزء الرابع، عبر تقديم بعض مخلصات كتاب “نهاية أسطورة: نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل إخوان الصفا”…

الهوامش:

[1] مروة حسين، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية (المجلد الثالث)، دار الفارابي، 2002.

[2] المرجع نفسه.

[3] إسماعيل محمود، نهاية أسطورة، نظريات إبن خلدون مقتبسة من رسائل إخوان الصفا، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2000.

[4] المرجع نفسه.

[5] مروة حسين، المرجع السابق.

[6] نفسه.

[7] نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *