رفضهم أهل السنة واتهموا بالبدعة: في نقد الأشعرية 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

رفضهم أهل السنة واتهموا بالبدعة: في نقد الأشعرية 3/3

أوجَب إخضاع النصوص للنزعة العقلية لدى الأشاعرة، في بعض المسائل الإيمانية، أن يختلفوا تأويلا مع أهل السنة والجماعة، بعيدا عن أدبيات النقل عن السلف والتابعين.

من جهة أخرى، عُدَّ الأشاعرة أهل كلام، لا أهل سنة. وتُظهر مجموعة من النصوص، لدى فقهاء أهل السنة، أن عِلة رَفض الأشاعرة كوُنهم تبنوا علمَ الكلامِ منهجا في التحاجُج، انعكاسا لمنهج التفكير الإسلامي آنذاك. ومعلومً أن علم الكلامِ يتخذ من المنطقِ منهجا في إثبات العقائد، وهو ما يُعارضه أهل السلف ويذمونه.

بعدما تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف شقت الأشعرية طريقها من رحم المعتزلة، وكيف تأثرت بالمنهج العقلي المعتزلي، ورأينا في الجزء الثاني، أهم النقاط الخلافية بين الأشعرية والمعتزلة.

نرصد في هذا الجزء الثالث والأخير، أهم الانتقادات التي وجهت للأشعرية، وأبرز التهم الموجهة لهم من طرف أهل السنة والجماعة.

بين المنُطلقات الفِكرية (الجمع بين العقل والنقل)، وبين المنهج العقلي الاستدلالي، وُضع الأشاعرة في مشرحة النقد.

في أدبيات أهل السنة والجماعة، فإن الفكر المُعتزلي بِدعة وانحراف… قد يكونُ ذلك طبيعيا، ما دام المُعتزلة قد خَلخلوا نُظم التفكير السائد آنذاك، وحرروا النص الديني من جمود التفكير، وأخضعوه لسطلة التأويل، وأعلوا من شأن العقل في مقابل النقل.

لَكن الأشاعرة جعلوا من العَقل خادما للنص لا سُلطة عليه، اعتمادا على مبدأ: “لا يُمكن ترجيح النقل على العقل؛ لأن العقل أصل النقلِ، والطعن في العقل يُوجب الطعن في العقل والنقل معا”[1].

يقول محمد بن أحمد منداد المالكي، فيما نقله عنه ابن عبد البر: “لا تجوز شهادة أهل البدع، وأهل الأهواء. قال: أهل الأهواء، هم أهل الكلام؛ فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري. ولا تُقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويُهجر ويُؤدب على بدعته”

من هذا المُنطلق، ذهب بعض من أهل السنة والجماعة إلى أن الأشاعرة لا ينتسبون فكرا ولا منهجا لأهل السنة، بل ووضعوا المُعتزلة والأشاعرة في كفة واحدة: كفة البِدعة.

توظيف العقل في قراءة النص الديني يوجِبُ التأويل. إلا أن التأويل في عُرف أهل السنة منبوذ قطعا، وهو ما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما نقله عنه قُدامة: “أن الأخبار في صفات الله، موافقة لكتاب الله تعالى، نقلها الخلف عن السلف، قرنا بعد قرن، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل الصفات لله تعالى، والمعرفة والإيمان به، والتسليم لما أخبر الله تعالى، مع اجتناب التأويل، والجحود، وترك التمثيل والتكييف”.[2]

قدسية النص الديني تُنفي عنه التأويلات العقلانية. من هذه الزاوية اختلف أهل السنة والجماعة مع الأشاعرة، ومن خلالها تمت التفرقة بينهما.

يذهب ابن باز، وفق هذه الرؤية، إلى القول “إن الأشاعرة عندهم شيء من مذهب أهل السنة، وعندهم شيء من مخالفة السنة. وهم مع أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة، وهم مخالفون له فيما خالفوه من تأويل بعض الصفات. وجميع ما يُؤخذ عليهم مما يخالف أهل السنة لا يكونون من أهل السنة فيه. فكل كلمة أو قاعدة تخرُجُ من الأشاعرة أو غير الأشاعرة بما يخالف أهل السنة، يعتبر ذلك حدثا منهم وغلطا منهم، لا يتابعون عليه، ومن ذلك التأويل – تأويل بعض الصفات – فأهل السنة لا يؤولون الصفات، بل يمرونها كما جاءت، لا يحرفون، ولا يعطلون، ولا يمثلون، بل يؤمنون بما دلت عليه الآيات والأحاديث، مع عدم التأويل”.[3]

هرُوبا من شُبهة التجسيم والتمثل، ذهب الأشاعرة إلى نفي الصفات الخبرية، التي وصف بها الله نفسه، أو رسوله، وذهبوا إلى القول بأن وحدانية الله تعالى تستدعي أنه واحد في صفاته لا شبيه له. بذلك، أخضعوا النصوص القرآنية التي تحدثت عن صفات الله الخبرية للتأويل والمجاز. من ذلك الاستواء على العرش، العلو، الغضب…

في هذا، يُعلق حاي بن سالم: “أما قولُهم في تفسير التوحيد بأن معناه – أيضا – أنه واحد في صفاته لا شبيه له، فيرى شيخ الإسلام أن هذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكنهم أجملوها، حيث جعلوا نفي الصفات – كما فعلت المعتزلة – أو بعضها – كما فعلت الأشعرية داخلا في مسمى التشبيه، وهذا من نوع بدع أهل الكلام، إذ لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا أقوال السلف أن يجعل نفي الصفات أو بعضها من التوحيد”[4].

الأخذ بظواهر النُّصوص من غير تأويل هو مذهب أهل السنة. بذلك، أُنْكر على الأشاعرة إقحامهم التأويل في مسائل العقيدة، ودعوى قطعية العقل وظنية النقل.

لقَد أوجَب إخضاع النصوص للنزعة العقلية لدى الأشاعرة، في بعض المسائل الإيمانية، أن يختلفوا تأويلا مع أهل السنة والجماعة، بعيدا عن أدبيات النقل عن السلف والتابعين.

في أدبيات أهل السنة والجماعة، الفكرُ المُعتزلي بِدعة وانحراف… قد يكونُ ذلك طبيعيا، ما دام المُعتزلة قد خَلخلوا نُظم التفكير السائد آنذاك، وحرروا النص الديني من جمود التفكير، وأخضعوه لسطلة التأويل، وأعلوا من شأن العقل في مقابل النقل.

من جهة أخرى، عُدَّ الأشاعرة أهل كلام، لا أهل سنة. وتُظهر مجموعة من النصوص، لدى فقهاء أهل السنة، أن عِلة رَفض الأشاعرة كوُنهم تبنوا علمَ الكلامِ منهجا في التحاجُج، انعكاسا لمنهج التفكير الإسلامي آنذاك. ومعلومً أن علم الكلامِ يتخذ من المنطقِ منهجا في إثبات العقائد، وهو ما يُعارضه أهل السلف ويذمونه.

يظهر ذلك في قول محمد بن أحمد منداد المالكي، فيما نقله عنه ابن عبد البر: “لا تجوز شهادة أهل البدع، وأهل الأهواء. قال: أهل الأهواء، هم أهل الكلام؛ فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري. ولا تُقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويُهجر ويُؤدب على بدعته“.[5]

وهو نفسُ ما ذهب إليه أبو نصر السجزي، بحيثُ يرى أنهم مُحدثة، وليسوا أهل سنة، قائلا في ذلك: “فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه، وقُبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغى إليه أو يُنظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي”.[6]

حركة نقل العلومِ إلى الفكر العربي الإسلامي، كانت – حسب حسين مروة  – من أعظم المُكتسبات الحضارية التي شكلت عاملا دافعا نحو النهضة الفكرية في الفكر الإسلامي، إذ لم تكُن نتاج إرادة حاكم، بقدر ما كانت إجماعا وحاجة موضوعية للمُجتمع.

بذلك، كان لزاما على الأشاعرة أن يسايروا ركب هذا التطور الفكري، ما جعلهم يحملون الفكر السني إلى مصاف العقلانية، بدل الوقوف على منهج جامد في آلياته، تجاوزته الظرفيات التاريخية والمُجتمعية. بيد أن ذلك لم يشفع للأشاعرة – وإن صرح الأشعري نفسه، التجَرُّد من مذهب المعتزلة – أن يوضعوا والمُعتزلة، بل وكل أهل الكلام في مَشرحة النقد.

 

[1] – فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب، دار الفكر للطباعة والنشر، 1981.
[2] – ابن قدامة المقدسي: ذم التأويل، دار البصيرة – مصر – .
[3] – الموقع الرسمي لابن باز: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟
[4] – حاي بن سالم الحاي: التمييز في بيان أن مذهب الأشاعرة ليس على مذهب السلف العزيز، ط1 2008.
[5] – ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، دار ابن الجوزي 1994.
[6] – رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت.

 

لقراءة الجزء الأول: الأشعرية: بداية تشكل الاستدلال العقلي عند جماعة أهل السنة والجماعة 1\3

لقراءة الجزء الثاني: الأشعرية: جذور الاختلاف مع الفكر المعتزلي 2\3

 

مواضيع قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *