مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صار لماريا حظوة لدى السلطان… فهل سيفرج عنها؟ (الجزء السابع)
في فترة كان المغرب يعيش فيها على إيقاع غلاء معيشي يرثى له، تسبب في مجاعة مأساوية، كانت ماريا تنعم بأفضال السلطان وتحمل هم رفاقها الأسرى بفضل الحظوة التي باتت تملكها في القصر… فهل سيساعدها ذلك على نيل حريتها؟
في أثناء مجاعة مأساوية ضربت المغرب بين عامي 1737 و1738، نجحت ماريا مرة أخرى في الوقوف بين يدي السلطان لتتوسله إعفاء زوجها من العمل لديه… عند هذه التفصيلة، توقفنا في نهاية الجزء السادس، ومنها نتابع حكاية ماريا في جزئها السابع، فما الذي ينتظر ماريا في قصر السلطان هذه المرة؟
وصلت ماريا إلى القصر حيث حظيت باستقبال في غاية اللطف من السلطان محمد بن اسماعيل ونسائه… سألها عن مبتغاها، فتوسلته أن يعفي زوجها من القيام بأي عمل لديه، ففهم أن الأخير أجبر على العمل في قصره دون أمره، فغضب وسألها لما لم تستعجل إخباره بذلك.
قابل السلطان استعطاف ماريا بكثير من الود، ووعدها بأن يهبها بيتا في المدينة، كما طمأنها أن زوجها لن يعنف بعد، مؤكدا أن كل من سيكلمها وزوجها وكذا ابنها بسوء، سيفقد حظوته لديه.
بفضل أسفارها التي زودتها بكثير من التجارب والخبرات، عملت ماريا على تكوين السلطان تكوينا جيدا. كانت تحدثه عن أنواع النباتات النادرة، وعن كل ما يأتي من البلدان الأجنبية من منتوجات، وعن المناظر والممالك والمدن، ما جعل السلطان يعجب بها كثيرا.
كانت ماريا مندهشة من استقبال الملك الودود، ثم سلمها بعد ذلك كأمة لواحدة من زوجاته الشرعيات، وأمرها بالمجيء إلى قصره كل يوم، وهو ما التزمت به.
بعدما أكرمها، أرسل السلطان مندوبين له وامرأتين مع ماريا إلى المدينة، وكلفهم بمراقبة من يعنف زوجها. ثم وهبها حاكم المدينة بيتا، وما أعجبها أكثر أنه وضع ترجمانة في خدمتها، تعلمها اللغة (العربية) التي لم تكن تحسنها، كما لترافقها كل يوم إلى السلطان كمترجمة.
اقرأ أيضا: حوار الحضارات من خلال أدب الرحلات 1\2
كانت هذه الترجمانة إيرلندية، أسلمت بعد تعريضها لكثير من التعذيب، تحكي ماريا، وكانت ترافقها يوميا إلى القصر… تمضي ماريا معها ساعة أو ساعتين لدى السلطان، حيث كانت تحدثه عن أنواع النباتات النادرة، وعن كل ما يأتي من البلدان الأجنبية من منتوجات، وعن المناظر والممالك والمدن.
عملت ماريا على تكوين السلطان تكوينا جيدا، بفضل أسفارها التي زودتها بكثير من التجارب والخبرات، ما جعل السلطان يعجب بها كثيرا.
في فترة كان المغرب يعيش فيها على إيقاع غلاء معيشي يرثى له، تسبب في مجاعة مأساوية، كما تابعنا في الجزء السابق، كانت ماريا تنعم بأفضال السلطان وتحمل هم رفاقها الأسرى.
غمر السلطان في تلك الفترة ماريا وزوجها وابنها بكثير من الملابس الجميلة والشراشف. وبما أن زوجها كان يتوفر على ما يكفيه من الملابس، فقد كانت تجلبها من القصر وتهبها إلى أسرى آخرين.
بل إن السلطان أعفى الأسرى كلهم من الخدمة الملكية بعدما تقدمت ماريا إليه بطلب إعفاء، استجاب له في الـ14 من شتنبر 1737.
اقرأ أيضا: موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: مسرحة السلطة وشرعنتها 2/2
هذه الحظوة التي باتت لدى ماريا في القصر، جعلت صيتها يذيع على نحو واسع، محرزة بذلك شهرة كبيرة في المغرب؛ إلى درجة، تحكي ماريا، أن سكان البوادي إذا ما كانت لديهم شكاية، يتوجهون بها إليها وهم محملون بالهدايا كي تعرض على السلطان شكواهم.
لكن ماريا تقول إنها كانت تتذكر أنها مجرد أسيرة فكانت توجههم إلى البشاوات، لذا لم يجدوا فيها أي سند.
لم يصل القبطان الهولندي جوسيت سيل والسلطان إلى اتفاق لافتداء الأسرى؛ لأن السلطان كان يريد المال لنفسه من جهة، ومن جهة أخرى كان الزنوج (عبيد البخاري) يريدون بدورهم تلك الأموال… والحال هذه، لم تسر الأمور كما يجب.
على الجانب الآخر، تحكي ماريا أن السلطان عندما رأى الحال المزرية لشعبه، أشفق عليه، فقلص الضرائب.
وبما أن سكان البوادي كانوا في حرب ضد بعضهم البعض، ولم يعد بالوسع جلب المحاصيل، فقد قرر السلطان تحرير النصارى كلهم، شرط أن يأتي من يسأل عنهم فقط… لكن، كان من الصعب كتابة رسائل من المدينة إلى قادة هولندا لأن من يحملونها كانوا ناهبين كلهم.
لأجل ذلك، أرسل السلطان زوج ماريا مع مبعوث إلى باشا طنجة، ثم حل بتطوان، وسلا لاحقا، حيث سينزل قبطان هولندي يدعى جوست سيل بسفينته، بغية التفاوض حول افتداء بعض الأسرى.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي العلوي يكتب: الإسلام: دين ودنيا، أم دين ودولة؟
حين غادر زوج ماريا مدينة مكناس، توسلت إلى السلطان كي يوافق على إعطائها جرايتها (الراتب)، فوافق على ذلك، وكان بقيمة جراية زوجاته الشرعيات نفسه؛ كيلوغرامين من حبوب القمح كل يوم.
كان في خدمة ماريا يهودي ونصراني، فتوسلت إلى السلطان كي يوفر لها أربعة نصارى آخرين، لأنها كانت تسكن بالمدينة، وكان من المجازفة الإقامة هناك في وقت انتشرت فيه المجاعة.
فعلت ذلك حتى يكون بيتها في مأمن من اللصوص… أذن لها السلطان باختيار عدد أكبر من النصارى كما تشاء، وذاك ما كان وتكفلت بإطعامهم وكسوتهم.
مع ذلك، كان خطرا بسبب قطاع الطرق أن تروح ماريا إلى بيتها في المدينة ليلا بعد أن تنتهي من عملها لدى السلطان، فكانت تبيت في قصره في أحيان كثيرة… بل إن السلطان حين علم بوجود العديد من قطاع الطرق حول القصر وفيه، يسرقون طعامه في واضحة النهار، زودها بمسدس وبكمية من البارود والرصاص، وأذن لها بقتل أي شخص يتحرش بها لسرقتها.
بعد أشهر، كان قد مضى زمن طويل منذ وصل القبطان جوسيت سيل إلى سلا، ينتظر كما هو متوقع، أن يدخل مع السلطان في مفاوضات حول افتداء الأسرى.
اقرأ أيضا: من وقوف عرفة الى النحر: المناسك الأشد قدسية عند عرب ما قبل الإسلام 3\3
لكنهما لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق؛ لأن السلطان كان يريد المال لنفسه من جهة، ومن جهة أخرى كان الزنوج (عبيد البخاري) يريدون بدورهم تلك الأموال… والحال هذه، لم تسر الأمور كما يجب.
مع ذلك، لم يطلب السلطان سوى إعطاء ماريا ورفاقها حريتهم، بيد أنه لم يكن يعرف كيف سيشتري حريتهم. كان يستشيرها كثيرا، لكنها لم تتوصل إلى أي وسيلة لأنه كان، تحكي ماريا، خاضعا لعبيد البخاري، الذين كانوا يستخلصون رواتبهم بأنفسهم حتى فرغت الخزينة إلى درجة جعلت السلطان يتردد فيما سيقدم عليه.
فما الذي سيقدم عليه السلطان يا ترى؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الثامن من حكاية ماريا.
لقراءة الجزء الأول: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية (الجزء الأول)
لقراءة الجزء الثاني: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: في قصر السلطان عبد الله بن إسماعيل… (الجزء الثاني)
لقراءة الجزء الثالث: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج (الجزء الثالث)
لقراءة الجزء الرابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: ماريا ورفاقها على أعتاب الحرية… لكن! (الجزء الرابع)
لقراءة الجزء الخامس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية علي الأعرج. تنصيب 4 سلاطين في نصف يوم (الجزء الخامس)
لقراءة الجزء السادس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: مجاعة 1738/1737 (الجزء السادس)
لقراءة الجزء الثامن: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: تصدع شمل الأسرى الهولنديين والعودة إلى الاستعباد (الجزء الثامن)
لقراءة الجزء التاسع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صراع السلاطين (الجزء التاسع)
لقراءة الجزء العاشر والأخير: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية 12 عاما من الاستعباد (الجزء العاشر والأخير)