مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: ماريا ورفاقها على أعتاب الحرية… لكن! (الجزء الرابع) - Marayana - مرايانا
×
×

مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: ماريا ورفاقها على أعتاب الحرية… لكن! (الجزء الرابع)

تلقى الأسرى الهولنديون رسالة تخبرهم بأن مبعوثا هولنديا اسمه “هاندريك ليانسلاجر” جاء بهدية إلى السلطان مقابل افتدائهم. لكن أمرا ما، حال دون ذلك، فما الذي حدث؟

بعدما تابعنا في الجزء الثالث، بعضا مما ورد في مذكرات ماريا عن عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج سلطانا على المغرب، نواصل في هذا الجزء الرابع حكاية ماريا، الأسيرة الهولندية في المغرب خلال القرن الـ18، الذي سنعرف فيه أن 12 عاما من الأسر قضتها ماريا في المغرب كان يمكن أن تنتهي قبل ذلك بكثير، لولا…

الـ27 من يونيو 1735…

تلقى الأسرى الهولنديون رسالة تخبرهم بأن مبعوثا هولنديا اسمه “هاندريك ليانسلاجر” جاء بهدية إلى السلطان مقابل افتدائهم.

كان عبد الله بن اسماعيل ما يزال سلطانا على المغرب، حين أبحر المبعوث من هولاندا بأوامر من سادته، تروم معالجة أمر أسراهم شفويا مع السلطان.

هكذا، وفقط حين وصوله إلى مدينة سلا، سيعلم لياسلانجر بأن المغرب بات لديه سلطان جديد. لذا، لم يستطع اتخاذ قرار بالنزول من السفينة، قبل أن يعلم بذلك سادته ويصدروا أوامرهم بالنزول.

تحكي ماريا أن مشهد تحرير البرتغاليين أصابهم بحزن كبير، إذ أن الهدية التي منحها البرتغالي للسلطان كانت بعض الأطباق الخزفية وكمية من الشاي والسكر والمربى، بما يجعلها هدية متواضعة مقابل الهدية التي كان سيقدمها الهولنديون.

مع ذلك، حين علم السلطان أبي الحسن علي الأعرج بأن السفير الهولندي يوجد بمرفأ مدينة سلا، توسل إليه لينزل من السفينة ويتفاوض معه شفويا، بل ووافق على تحرير الأسرى الهولنديين شريطة أن يأتي هو بنفسه للحصول عليهم.

لكن المبعوث تعنت واعتذر قائلا إنه لم يتلق أمرا بالنزول إلى البر. على إثر ذلك، أرسل السلطان زوج ماريا إلى سلا من أجل إقناعه بالنزول… لكن دون جدوى.

اقرأ أيضا: تاريخ الحج قبل الإسلام: بين القطيعة والاستمرارية 1\3

كان لياسلانجر يريد الحصول على الأسرى أولا، وأن يرسل بعد ذلك الهدية والأموال إلى البر بما يناسب.

أرسل لياسلانجر لائحة بالهدايا المخصصة للسلطان، وكانت قيمة ونفيسة، إذ حين قدمت له، سرته كثيرا. ثم أبحر إلى قادس (إسبانيا) ليراسل سادته ويرى إن كانوا سيأمرونه بالنزول.

في غضون ذلك، حظي مبعوث برتغالي باستقبال ودي من السلطان، إذ أركبه على حصان سرجه من ذهب، وجال صحبته في أنحاء القصر كلها، وتمت الموافقة له على تحرير أسراهم (البرتغاليين)، الذين تسلمهم وكان عددهم 73 أسيرا.

تحكي ماريا أن ذلك المشهد؛ أي حين تم تحرير البرتغاليين، أصابهم بحزن كبير، إذ أن الهدية التي منحها البرتغالي للسلطان كانت بعض الأطباق الخزفية وكمية من الشاي والسكر والمربى، بما يجعلها هدية متواضعة مقابل الهدية التي كان سيقدمها الهولنديون.

هكذا، كان على ماريا ورفاقها أن يرزحوا أكثر تحت نير الأسر، بل وعرضة للغم كبير؛ لأن زوجها كان لا يزال بسلا، ولم يكن بمقدوره العودة إلى مكناس إلا إذا استدعاه السلطان، الذي أرسل في طلبه لاحقا وهو في كامل غضبه.

اقرأ أيضا: البيمارَسْتانات… مستشفيات العرب في صدر الإسلام! 1\3

مرت بضعة أشهر، ثم في نونبر من ذات السنة، مرض السلطان قليلا وأمر، تحكي ماريا، بإحضار طبيب نصراني، فقدم له الأخير دواء وطلب منه أن يرتاح في ذلك اليوم، وأن يبقى في الدفء حتى لا يؤثر عليه الدواء ويتسبب له في ضرر.

لكن في زوال ذات اليوم، قام السلطان بعكس ذلك تماما وتفاقم مرضه… حينها، استدعى الطبيب مرة أخرى وبعض الأطباء المغاربة ثم سأل الأول عن أي دواء أعطاه.

عرّف الطبيب للسلطان والأطباء بالدواء الموصوف، وأكد لهم أن السلطان هو السبب في تفاقم مرضه لأنه لم يأخذ بكلامه، ومن ثم فهو خطؤه. على إثر ذلك، انفعل السلطان واستشاط غضبا ثم صرخ: “أتريد قتلي؟”.

دفع السلطان حينها الطبيب إلى الوراء بثلاث خطوات أو أربع، تقول ماريا، وتناول بندقيته وأرداه قتيلا، وأمر رجاله كلهم بأن يطلقوا عليه النار حتى يصبح من الصعب التعرف عليه، ثم تم حمله على تلك الحال إلى مكان خاص بالنصارى.

كان على ماريا ورفاقها أن يرزحوا أكثر تحت نير الأسر، بل وعرضة للغم كبير؛ لأن زوجها كان لا يزال بسلا، ولم يكن بمقدوره العودة إلى مكناس إلا إذا استدعاه السلطان.

في أثناء هذه الواقعة، تذكر السلطان زوج ماريا، وسأل: “أين هو ذلك الكافر الذي ذهب للقاء السفير الهولندي، أخيه النصراني؟”.

أخبروه بمكانه، فأرسل حرسا لإحضاره كي يجعله يخضع لمصير الطبيب نفسه؛ ذلك أنه اتهمه بأنه لم يحسن نصح السفير بالنزول.

اقرأ أيضا: ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2

بيد أنه، حين ذهب الحرس في أثر زوج ماريا، استغرق ذلك ستة أيام قبل أن يأتوا به، وكانت الحالة الصحية للسلطان حينذاك قد تفاقمت وازدادت سوءا، حتى أنه لم يستطع سوى استقبال إخوته وباشاواته.

كان ذلك، تحكي ماريا، حسن طالع بالنسبة لها ولرفاقها، إذ أنه كان يفترض أن يقاد زوجها فور وصوله ليمثل بين يدي السلطان دون أن يحدثها، وهو الذي أتى ومعه مبلغ من المال أعطاه إياه لياسلانجر. مبلغ كان يمكن أن يتحول إلى غنيمة رائعة بالنسبة للسلطان وحاشيته…

فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنتابعه في الجزء الخامس من حكاية ماريا.

لقراءة الجزء الأول: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية (الجزء الأول)

لقراءة الجزء الثاني: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: في قصر السلطان عبد الله بن إسماعيل… (الجزء الثاني)

لقراءة الجزء الثالث: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج (الجزء الثالث)

لقراءة الجزء الخامس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية علي الأعرج. تنصيب 4 سلاطين في نصف يوم (الجزء الخامس)

لقراءة الجزء السادس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: مجاعة 1738/1737 (الجزء السادس)

لقراءة الجزء السابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صار لماريا حظوة لدى السلطان… فهل سيفرج عنها؟ (الجزء السابع)

لقراءة الجزء الثامن: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: تصدع شمل الأسرى الهولنديين والعودة إلى الاستعباد (الجزء الثامن)

لقراءة الجزء التاسع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صراع السلاطين (الجزء التاسع)

لقراءة الجزء العاشر والأخير: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية 12 عاما من الاستعباد (الجزء العاشر والأخير)

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *