هشام روزاق: 7 أكتوبر 2023… فلسطين، المغرب، الصحراء والأمازيغية… ثم اكتشفت الإنسانية رقتها في جنة اسمها غزة! - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق: 7 أكتوبر 2023… فلسطين، المغرب، الصحراء والأمازيغية… ثم اكتشفت الإنسانية رقتها في جنة اسمها غزة!

بعد 7 أكتوبر، اكتشف البعض “إنسانيتهم” الرقيقة الحالمة… اكتشفوا أنهم ضد الدم والقتل والتعذيب والأسر، وأن الفلسطينيين الذين تسللوا من أكبر معتقل في العالم/غزة، مارسوا أعمالا غير إنسانية، أعمالا وحشية ضد الإسرائيليين الذين يعتقلونهم، يجوعونهم، يقتلونهم منذ عقود طويلة. وكأن الإنسانية، قبل 7 أكتوبر، كانت تسكن غزة، ووحدهم الفلسطينيون قرروا أن يطردوها من جنتهم إلى جحيم إسرائيل.
… في النهاية، ما وقع يوم 7 أكتوبر، لا يمكن أن يقرأ خارج سياقات الاحتلال والمقاومة، التعذيب والتنكيل ومواجهة القتل اليومي.
ما وقع، يسائل كل تفاصيل انتمائنا للإنسانية نعم… لكن، الإنسانية، لا تعيش فقط خارج أسوار غزة، والإنسان، ليس هو من يقتل ويُؤسر فقط خارج غزة.
الإنسانية الحقيقية، هي أن تصرخ في وجه القاتل والجلاد… لا، لسنا كلنا مجرمون.

… حسنا، لنتفق أولا، على أن ما حدث يوم 7 أكتوبر 2023، كان أمرا مرعبا.

مرعب فعلا أن تجد شبابا بعمر قطرة ندى، درس خبر النكبة، وفجيعة النكسة، عايش فظائع الخطب العربية ولغات الإنشاء والشعارات القومجية وحكايا الغزوات الإسلاموية… أن تجد هذا الشباب، يخرج من كل هكذا وحل، يسارع إلى أغاني الحماسة المفلسة، وقصائد الانتصارات التي كانت عنوان كل الهزائم، كي يؤثث بها نصرا متوهما، ويكتب بها تاريخ ما بعد 7 أكتوبر…

حينها فقط، تدرك أن أسباب النكبة لازالت قائمة، وأن كل ظروف النكسة وسياقاتها، لازالت متوفرة.

… حينها فقط، تدرك أن ما بُني على كلام، لا فعل له. أنه مجرد جملة اعتراضية، تنتهي بنهاية نصر لحظة، قدرها الهزيمة المزمنة.

ما الذي حدث إذن؟

يوم 7 أكتوبر 2023، قررت مجموعة من الفلسطينيين، المحاصرين، المسجونين، المنتهكة حقوقهم والمحكوم عليهم بالموت يوميا داخل أكبر معتقل بالعالم/ غزة… قرروا أن ينتفضوا في وجه جلاديهم، وأن يعلنوا تشبتهم بحقهم الطبيعي في المقاومة/ في الحياة.

هكذا، كان يمكن، وكان يجب أن نقرأ الخبر، لكن…

بما أن المجموعة المعنية بالأمر هنا، هي حماس، التي لا يتفق الكثيرون (وأنا منهم) مع إيديولوجيتها، فقد صار العبث منطقا، وتحول فعل المقاومة إلى جريمة.

بعد 7 أكتوبر، اكتشف البعض “إنسانيتهم” الرقيقة الحالمة… اكتشفوا أنهم ضد الدم والقتل والتعذيب والأسر، وأن الفلسطينيين الذين تسللوا من أكبر معتقل في العالم/غزة، مارسوا أعمالا غير إنسانية، أعمالا وحشية ضد الإسرائيليين الذين يعتقلونهم، يجوعونهم، يقتلونهم منذ عقود طويلة. وكأن الإنسانية، قبل 7 أكتوبر، كانت تسكن غزة، ووحدهم الفلسطينيون قرروا أن يطردوها من جنتهم إلى جحيم إسرائيل.

… كان يمكن أن نفهم، أن نتفهم، كل نقاش حول أسباب العملية الفلسطينية ليوم 7 أكتوبر. أن نناقش جدواها وتوقيتها، أن نتفق ونختلف حول دور طهران واستعمال حماس كورقة في استراتيجية إيران السياسية. كان يمكن أن نختلف حول تقييمات الربح والخسارة لما بعد 7 أكتوبر… لكن…

أن يبني البعض كل لغات إدانتهم وإنسانيتهم على:

1ــ قتل المدنيين والأطفال والمسنين وترويع الآمنين: فتلك إدانة أولى بالاحتلال الإسرائيلي، لأنها أسبق، ولأن القتل والهمجية هنا، مستمرة في الزمن وفي المكان، وليست مرتبطة فقط بعملية دامت يوما أو بعض يوم.

2ــ القول بأن عملية 7 أكتوبر، هي عملية إرهابية قامت بها جماعة دينية متطرفة: هذه أيضا، إدانة تكون إسرائيل أولى بها، لأن الاحتلال والقتل والهمجية التي تمارس هنا، تمارسها دولة مبنية على عقيدة دينية متطرفة، ويمارسها جيش مسلح يعتبر أن كل من لا ينتمي لعقيدة دولته، هو كائن دوني وُجد للقتل… مع فارق مهم هنا، هو أن ما يمكن أن يعتبره البعض “إرهابا دينيا” تمارسه حماس، ليس سوى نتيجة منطقية، لـ “إرهاب ديني” تقوم عليه وتمارسه إسرائيل. وبالتالي، الأسبق والأجدر بالإدانة هنا، هو السبب قبل النتيجة.

3ــ تحميل قطاع غزة والفلسطينيين نتيجة ما حدث يوم 7 أكتوبر: هنا، ينقلب منطق “الإنسانية الرقيقة الحالمة” رأسا على عقب. الذين أزعجهم قتل وأسر الإسرائيليين، هم نفسهم، وفي نفس الجملة، من يحملون حماس والفلسطينيين عواقب عملية 7 أكتوبر، وهم نفسهم، من يعتبر قتل الفلسطينيين والمدنيين والأطفال والمسنين في قطاع غزة، من طرف الاحتلال الإسرائيلي، مجرد رد. بمعنى آخر… حين تمارس إسرائيل، منذ 1948، فعل القتل والأسر والتنكيل، تكون الإنسانية بخير… حين يرد الفلسطينيون بين الفينة والأخرى على كل هذه الهمجية، تشعر الإنسانية بمغص.

… وطبعا، لم تكن عملية 7 أكتوبر الفلسطينية لتمر دون أن تلبس بعض ثوبنا المغربي الخشن. لم تكن لتمر، دون أن يزج بها البعض، في حروب مغربية وهمية، لم يكن مبتدؤها الهمجية ضد شعب محتل، ولم يكن خبرها إدانة العنصرية والميز… كانت كل وصفتها، افتعال حرب بين مغاربة… وأشباههم من المغاربة:

1ــ الدفع بورقة قضية الوحدة الترابية للمغرب:

بعض الذين أدانوا عملية 7 أكتوبر الفلسطينية، أقحموا العلاقات المغربية الإسرائيلية في النازلة، واعتبروا إدانة المقاومة الفلسطينية، “عملا وطنيا بطوليا”، بالنظر لوجود قضية الوحدة الترابية المغربية في مركز قرار استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل؛ والحال أن الدفع بهكذا “تحليل”، فيه الكثير من الإهانة للمغرب، والكثير من التشويه لقرار ملك المغرب، باعتباره رئيس لجنة القدس، ربط علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، وذلك لأسباب كثيرة، منها:

أ: أن الزج بقضية الوحدة الترابية للمغرب، في أي نقاش له علاقة بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أعتبره شخصيا، جريمة ضد قضية المغرب الأولى؛ ذلك أن ما يقع في فلسطين اسمه احتلال، وما يقع في صحرائنا المغربية، اسمه ميليشيات مسلحة ممولة من دولة جارة، بهدف اقتطاع جزء من أرضنا لصالحها. بالتالي، فكل محاولة لربط الاحتلال الإسرائيلي بحرب المغرب من أجل تأكيد وحدته الترابية، هو في النهاية، انتصار لأطروحة الانفصال قبل الانتصار لأطروحة الاحتلال الإسرائيلي.

ب: الانتصار للهمجية الإسرائيلية باسم وحدتنا الترابية، فيه تضييع وتشويه للربح الأساس من قرار استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.

الربح الأساس، هو اعتراف قوى عظمى، على رأسها الولايات المتحدة، بمغربية الصحراء. هذا يعني، أن المغرب، يوجد في موقف قوة، لأن الاعتراف بحقه التاريخي والشرعي، لم يكن مشروطا بالتخلي عن مباشرة مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وهذا ما أثبتته كثير من البيانات والمواقف الرسمية، وهذا ما يثبته استمرار ملك المغرب، في رئاسة لجنة القدس. بالتالي، تقديم فكرة مساندة إسرائيل، في كل همجيتها وإرهابها، تحت مبرر البراغماتية السياسية المقدمة لملف الوحدة الترابية على حساب القضية العادلة لشعب محتل… هو منطق مختل.

ج: الذي يتناساه بعض المروجين لفكرة الوحدة الترابية للمغرب، مقابل تأبيد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، هو أن الرابح في المعادلة هنا، ليس المغرب في الدرجة الأولى، الرابح هنا هو إسرائيل، وعلى إسرائيل فقط، أن تحافظ على هذا الربح. فأن تقيم دولة بحجم المغرب وغيرها، علاقات مع إسرائيل، يفترض عمليا، أن تتصرف إسرائيل كدولة… أن تنضبط لقرارات مجلس الأمن، أن تبحث عن حلول واقعية مع الفلسطينيين، كي يكون لها دور في المنطقة، وكي تصبح بالفعل دولة… ما عدا ذلك، فإن المغرب سيظل في صحرائه، وستظل إسرائيل مجرد “جيش احتلال”. مجرد طارئ، مجرد تنظيم مسلح سينتهي بانتهاء شروط وجوده.

2: المقامرة بالقضية الأمازيغية:

… كمغاربة، مازلنا نعيش لحظة زلزال الحوز، بما خلفه من دمار وضحايا، وبما أنبته فينا من ورد الانتماء للبلد، وتوحد المغاربة حول عقيدتهم الأصل… المغرب. لكن…

يبدو أن الزلزال، لم يردم بعد، بعض بنايات العبث عند بعضهم…

في كل مرة يتعلق فيها الأمر بوحشية إسرائيل وتقتيلها للفلسطينيين، يخرج بعضهم رافعا راية الأمازيغية، متناسيا أن الأمازيغية ليست أصلا تجاريا لدى عرق أو فئة، وأنها انتماء كل المغاربة للمغرب، ليربط، في قفزة متقنة في الفراغ، بين قضية شعب يُقتل، والقضية الأمازيغية.

المضحك في حكاية هؤلاء، أنهم يعتبرون أن مفتاح القضية الأمازيغية، هي ما يعتبرونه عنصرية مورست وتمارس على الأمازيغ (علينا كمغاربة أمازيغ يعني!) من طرف العرب والمسلمين… لكنهم، في نفس الجملة، ينتصرون لوحشية إسرائيل ضد شعب، لا لشيء سوى لأن إسرائيل تعتبره بالمفهوم العنصري، شعبا دونيا لا يستحق الحياة؛ ليتحولوا بذلك من مناهضين (زعما!) للعنصرية، لأكبر مروجي الخطابات العنصرية والإقصائية.

المضحك أكثر… أن كل دونكيشوتات التطرف باسم الأمازيغية، وكل الحالمين بسرقة القضية الأمازيغية من المغاربة وتحويلها لأصل تجاري شخصي… يعرفون قبل، وأفضل من غيرهم، أن كل الأمازيغ البسطاء والأحرار، هم أنصار قضية الفلسطينيين باسم الإنسانية … باسم الإنسان الذي يستعصي على الإيديولوجيا.

… طبعا، حكايات المغرب مع عملية 7 أكتوبر، كانت كثيرة ولازالت مستمرة، لكن المضحك فيها:

1ــ أن يخرج بعضهم ليجعل قضية فلسطين أسبق وأهم من قضية وحدتنا الترابية، وهنا لا مكان لغير العلاج النفسي ننصح به في مثل هكذا عته.

2ــ أن تأخذ الحماسة بعضهم حد القول إننا “كلنا إسرائيليون”… وهنا، تستعصي كل اللغات عن التعليق… سوى أن نصرخ… لا… لسنا كلنا مجرمون.

… في النهاية، ما وقع يوم 7 أكتوبر، لا يمكن أن يقرأ خارج سياقات الاحتلال والمقاومة، التعذيب والتنكيل ومواجهة القتل اليومي.

ما وقع، يسائل كل تفاصيل انتمائنا للإنسانية نعم… لكن، الإنسانية، لا تعيش فقط خارج أسوار غزة، والإنسان، ليس هو من يقتل ويُؤسر فقط خارج غزة.

الإنسانية الحقيقية، هي أن تصرخ في وجه القاتل والجلاد… لا، لسنا كلنا مجرمون.

وهذا بعض من كلام.                 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *