هشام روزاق يكتب: شعب الزِّ(غْـ)ــــــــزال… مايسترو يعزف رقصة الأطلس - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: شعب الزِّ(غْـ)ــــــــزال… مايسترو يعزف رقصة الأطلس

بين لغات العجز والرعب، بين جغرافيات الفقر والهشاشة وسنوات من طوفان الريع ومنح ثروات كل المغاربة لبعض من المغاربة… بين مفردات المغرب غير النافع، وسلاسل الفقر المزمن المشيدة على سفوح الأطلس وقممه… بين بركان تغيير لم ينفجر بعد، ومياه مغرب راكدة تستعصي على التبخر…
بين كل حروف الكارثة وتفاصيلها، لم يستطع الزلزال للمغاربة سبيلا…
المغاربة في وجه الزلزال… لم يكونوا شعبا، لم يكونوا مواطنين، لم يكونوا بشرا، لم يكونوا مناضلين، لم يكونوا ملائكة ولم يكونوا شياطين…
كانوا، أجمل وأبهى من كل ذلك… كانوا مغاربة.

… للإيطاليين، الذين خبروا حكايا الزلازل، مقولة تحيل الخراب بسمة، تجعله بعضا من حكاية حفل قديم، رُكحه الأرض.

يقول الإيطاليون ما معناه: وحدها الأرض حين ترقص، تنال الجذبة من الجميع…

… وقد رقصت الأرض بنا.

تحركت من تحتنا، كما لو لِتُعِيد كتابة لحن “رقصة الأطلس” الشهير… كما لو لتجبرنا، على إعادة اكتشاف رقصتنا الجماعية الأولى… رقصة المغاربة.

في سيرته الأصل، يُخرج الزلزال أسوأ ما في الأرض، أسوأ ما في البشر… يُخرج رعبنا الأول، وخلاصنا الفردي المؤسِّس لطبيعة البشر…

في سيرته الأصل… يضرب الزلزال كل أساسات الوجود، ويكسر توازنات العيش فوق الأرض وتحتها… يمزق الجدران والسقوف، يحدث شروخا في الروح… في يقينياتنا وفي الشك، ويوقف الزمن عند ساعة الخوف.

… وكما وعده الأزلي، ذاك ما فعله الزلزال بنا. على امتداد ثوان، بشساعة عمر، أسكننا الزلزال أرض الخوف، أدخلنا جغرافيات الرعب والهلع…. لكنه، ورغم كل أخبار الموت والفجيعة، لم يستطع لروح المغاربة سبيلا…

وعْد الزلزال أن يُخرب، أن يُدمر، أن يملأ الأرض بالفراغ والركام… وبالشروخ. لكنه، في بلدي، جاء مرادفا للامتلاء… جاء مخفورا بالانتماء.

بين لغات العجز والرعب، بين جغرافيات الفقر والهشاشة وسنوات من طوفان الريع ومنح ثروات كل المغاربة لبعض من المغاربة… بين مفردات المغرب غير النافع، وسلاسل الفقر المزمن المشيدة على سفوح الأطلس وقممه… بين بركان تغيير لم ينفجر بعد، ومياه مغرب راكدة تستعصي على التبخر…

بين كل حروف الكارثة وتفاصيلها، لم يستطع الزلزال للمغاربة سبيلا…

المغاربة في وجه الزلزال… لم يكونوا شعبا، لم يكونوا مواطنين، لم يكونوا بشرا، لم يكونوا مناضلين، لم يكونوا ملائكة ولم يكونوا شياطين…

كانوا، أجمل وأبهى من كل ذلك… كانوا مغاربة.

المغاربة… كانوا زلزالا، ليس في وجه الزلزال، وليس في وجه نزوة الجغرافيا فقط، كانوا زلزالا في وجه التاريخ… في وجه سنوات وعقود من العبث وتدمير انتماء المغربي للمغرب… للمغاربة.

في نهاية الحكاية… هذا الزلزال لم يدمر.

هذا الزلزال لم يخرب.

… هذا الزلزال لم يقتل. هذا الزلزال، أثبت أن المغاربة أحياء، وأنهم سادة حياة.

وحدهم الساسة الذين راهنوا، منذ زمن قديم، على مغربين، يقتات أحدهما على أوجاع وهشاشة الآخر، أصابهم الزلزال.

وحدهم… الذين راهنوا على مغرب بعضه أمازيغي وبعضه عروبي، أصابهم الزلزال.

وحدهم… الذين راهنوا على إسلام مشرقي يتعالى على عقيدة الجدات في المغرب، وعلى طيبة الناس والأرض، أصابهم الزلزال.

وحدهم… الذين راهنوا على الدولة لا على الأرض، لا على الشعب، أصابهم الزلزال.

… الزلزال، حين يمارس عنفه، رعبه… يسلب من البشر أشياء كثيرة. يسلب الحياة والمنازل وكثيرا من أثر حضارتنا على الأرض، لكن أهم ما يسلبه… حروفنا، كلماتنا، لغاتنا… جملنا الباحثة عن بعض معنى لكل هذا العجز والخوف، لكن…

حين يحضن الخوف والعجز، لغة الفرح… حين يخرج لك شعب من غياهب الفقر والحاجة، متضامنا، مبادرا للحياة. حين يهب المغاربة لحضن المغاربة… حينها فقط، تدرك أن…

زلزال المغرب… سلب مني كل حروف الامتنان لبلدي.

كل مرادفات الانحناء لشعبي.

زلزال المغرب… أخبرني فقط، أننا لا نستحق هذا الشعب. أننا، صحافيون وساسة، مثقفون ومناضلون، نخبة وأشباه نخبة… لا نستحق شعبا وقف في وجه الزلزال.

زلزال المغرب أخبرني… أن الدمار لم يحدث في الحوز، لم يحدث في القرى النائية وفي مغرب عاش، على الدوام، قصير يد وغني روح.

زلزال المغرب… دمر جهلنا بأهلنا، ببلدنا، بانتماء المغاربة للمغاربة… دمر راديكاليتنا الجاهلة، وتوافقاتنا المصلحية، واعتدالنا المبني… على لغة الحسابات.

… في كل جغرافيات الكارثة، يكتشف الناس بعد رجة الأرض، أن سكان جغرافيا الفجيعة، اسمهم شعب الزلزال.

في بلدي… نحن شعب الزِّغْــــزال. نحن شعب “غْـــزال” (غْزال يقولها المغاربة عادة، لتوصيف جمال يفوق معايير الجمال)، لم يدمر الزلزال فيه شيئا… بل فقط، أعاد انتماء المغاربة للمغاربة… أما حديث الدولة والوطن والحكومة… فذلك، انتماء لا يعني المغاربة في شيء، ولا يهز أرضا من تحتهم.

يسلب الزلزال من ضحاياه كل شيء… ويسلب قبل الأرواح والممتلكات والأرض، لغاتنا، لكن…

لغتي التي لن يسلبها مني الزلزال اليوم، هي…

أيها المغاربة… أعتذر منكم، وأنحني لكم… وآسف جدا لأن بعض حاملي نفس بطاقتي المهنية، يحملون أيضا، نفس بطاقتكم الوطنية.

… هذا الزلزال، اختبر كل معاني البشر فينا. اختبر دمع الفجيعة والهشاشة، اختبر فرح الانتماء لشعب، اختبر فخر تمغربيت، اختبر رهان المراهنين على التفرقة بين أعراق مغاربة، أثبتوا أن دمهم مغربي فقط.

هذا الزلزال… اختبر الأرض، والأرواح، الجروح والممتلكات… اختبر ضباع اللحظة الباحثين عن ربح من الفجيعة… اختبر ساسة العدم ومعنى الانتماء…

هذا الزلزال… اختبر كل شيء فينا، ثم قال لنا:

أنتم لا تستحقون هذا الشعب.

وأنا… لا أستحق هذا الشعب.

… وهذا بعض من كلام. 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *