هشام روزاق يكتب: مال عام وأحزاب “سايبة”… شركاء يتقاسمون الخراب - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: مال عام وأحزاب “سايبة”… شركاء يتقاسمون الخراب

… أمام ما يقارب 2 مليار سنتيم، التي منحتها الدولة لأحزاب قصد إنجاز “دراسات”، كانت المفاجأة الوحيدة الممكنة، ليست هي وقع الصدمة على المغاربة، ولا اكتشاف حجم الريع الذي تمنحه الدولة لقطع غيار لم تعد تصلح حتى كـ “بارشوك” أمام أبسط حادثة سير. المفاجأة والصدمة الوحيدة الممكنة هنا، هي ما يشعر به “المنتمون” لبعض الأحزاب اليوم، خصوصا أولئك الذين ظنوا أنهم “شركاء” مع “القايد” في تسيير الحزب، وهم ينظرون لحجم “المال العام السايب” الذي مر من تحت أنوفهم، وانتهى في جيب “القايد” ومقربيه.
ربما… الدولة، تريد فقط، أن تخبر الحزبيين الذين مر المال العام من تحت أنوفهم، أنه قد حان الوقت للانقلاب على قادتهم، وتجديد دم الريع داخل الأحزاب، والنضال من أجل توزيع عادل للمال العام السايب.

… حاولت، لكنني لم أفهم بعد، دفع بعضهم، في دفاعهم عن الأحزاب المغربية، بـ “مبرر عدم المساهمة في قتل الأحزاب أو إضعافها”، في علاقة بالتقرير الأخير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات.

القائلون بهذا الرأي اعتبروا أن الدولة، في بلدي، تحاول قتل الأحزاب المغربية من خلال كشفها، أمام المغاربة، لحجم الخسة والسفه الذي تعاملت به بعض الأحزاب مع المال العام.

الواضح… أن هذه المقاربة تنطلق، أصلا، من معطى خطأ. الدولة لا تحاول قتل الأحزاب. الأحزاب، ربما، هي التي لم تعرف بعد أنها ماتت؛ ولم تنتبه بعد إلى أن الجثة قد تحللت… وأن حتى الجيران/ الجماهير الذين كان يفترض فيهم الإبلاغ عن رائحة الموت التي تملأ السكن المشترك… رحلوا منذ زمن.

الإصرار على أن الدولة قتلت أو أضعفت الأحزاب، فيه الكثير من استسهال الهزيمة وتبرير الفشل. نعم… الدولة، عندنا، لم تُخف قط عقيدتها القتالية من أجل تسيُّد المشهد، ومن أجل الانفراد بالسلطة والحكم. وهي، لأجل ذلك، لم تخض قط “حرب فرسان” من أجل مصلحتها وبقائها، تماما كما أن بعض خصومها، لم يحملوا باقات الورد في مواجهتها. كانت الدولة منذ “سنوات الرصاص” واضحة صريحة، كاشفة عن فهمها لجوهر وشكل الحكم الذي تريده، وكانت في معركتها هذه، تستعمل كافة الأسلحة المتاحة لديها، سواء تعلق الأمر بالعنف والاختطاف والتعذيب، أو بالترغيب ومنح بعض الفتات لــ… عشاق الفتات.

في النهاية، علينا اليوم أن نسلم بأن عقيدة الدولة انتصرت، وأن الدولة تخلصت من “شركائها المزعجين”. لكن هذا التسليم لا يجب بحالٍ أن يحملنا على القول بأن الدولة، وحدها، قتلت الأحزاب. الدولة، هنا، كانت فقط صاحبة مصلحة، كانت آمرة بالقتل؛ أما عملية القتل، فقد كانت في النهاية بأيادي حزبية، وبثقافة حزبية أسست لجينات قتل فكرة السياسة داخل الحزب.

قتل فكرة السياسة داخل الأحزاب (ونتحدث طبعا، وفقط، عن أحزاب مثلت في مرحلة ما بعضا من تعبيرات المغرب والمغاربة)، ابتدأت منذ انقلب الحزب على المثقف فأبعده وخوّنه، وتوالت مع إبعاد بروفيل “المناضل”، واعتباره عنوان “سلفية سياسية” متجاوزة، وتعويضه بـ “السياسي”، الذي صار كل المطلوب فيه ومنه، أن يكون “رجل تنظيم حزبي”، أي… أن يكون له مميزات “الوالي” أو “القايد” داخل الحزب، وأن يضبط يوميات وحياة الحزب من خلال التحكم في فروعه وقطاعاته، وأن يتحكم في مؤتمراته وتشكيل أجهزته، وليس يهم قبل هذا أو بعده، أن يكون لهكذا قائد، فكرة أو مبدأ، ولا أن يكون له في أمر السياسة أو البلد رأي.

هذا البروفيل بالضبط… هو الذي وجدت فيه الدولة حليفها وشريكها المنتظر، فمكّنت له، ومدته بالعسس والمخبرين والوشاة و”الفيدورات”، ومدته بالنافذين والأعيان وسماسرة الانتخابات… حتى امتلأت الأحزاب قبل البرلمان بالمشتبه بهم والمتابعين وتجار المخدرات.

… اليوم، حين نطالع تفاصيل التقرير/ الفضيحة الذي نشره المجلس الأعلى للحسابات، ليس علينا أن نتفاجأ. المفروض أن نكون قد “طبّعنا” مع شكل وجوهر الدولة “المنتصِرة” الذي انتهينا إليه من سنوات الرصاص إلى 20 فبراير.

المفروض… أن نكون فهمنا، أن الدولة وجدت شركاءها المثاليين، وأنها استعملت الفتات لتجهيز المائدة، وأنها لم تكن في حاجة لدعوة عشاق الفتات للوليمة، فالنوارس (عوّة) لا تترك الموانئ إلا إذا كانت المزابل أشهى!

… أمام ما يقارب 2 مليار سنتيم، التي منحتها الدولة لأحزاب قصد إنجاز “دراسات”، كانت المفاجأة الوحيدة الممكنة، ليست هي وقع الصدمة على المغاربة، ولا اكتشاف حجم الريع الذي تمنحه الدولة لقطع غيار لم تعد تصلح حتى كـ “بارشوك” أمام أبسط حادثة سير. المفاجأة والصدمة الوحيدة الممكنة هنا، هي ما يشعر به “المنتمون” لبعض الأحزاب اليوم، خصوصا أولئك الذين ظنوا أنهم “شركاء” مع “القايد” في تسيير الحزب، وهم ينظرون لحجم “المال العام السايب” الذي مر من تحت أنوفهم، وانتهى في جيب “القايد” ومقربيه.

مال عام… انتهى في جيب عضو مكتب سياسي، و”ابن قايد سياسي”، وابنة مقرب من قايد، ومركز دراسات تابع للحزب، وقيادي في حزب قام بـ “طبع” دراسة…

في النهاية، أعتقد شخصيا، أن الدولة اليوم، من خلال نشر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ليس هدفها قتل أحزاب ميتة أصلا. ربما… تحاول الدولة اليوم فقط، أن تخبر باقي الشركاء، أن هناك تركة تستحق التقسيم… وتستحق “النضال” من أجل أن ينال كل وريث حقه فيها.

ربما… الدولة، تريد فقط، أن تخبر الحزبيين الذين مر المال العام من تحت أنوفهم، أنه قد حان الوقت للانقلاب على قادتهم، وتجديد دم الريع داخل الأحزاب، والنضال من أجل توزيع عادل للمال العام السايب.

ربما… الذي حدث في النهاية، أن الدولة اكتشفت أن البروفيلات القيادية الحالية قد استُهلِكت، واستهلَكت ما يكفي من مال عام، وأنها لم تعد قادرة على أداء خدمة أو تحقيق مصلحة، فقررت أن تستفز قيادات الصف الثاني داخل التنظيمات الحزبية، وأن تخبرها أن هناك كعكة حقيقية يتم اقتسامها في الخفاء، هي أشهى وألذ من كعك البرلمان والجماعات… ولا تحتاج سوى لمحرك البحث “غوغل” كي تُحول “الكوبي كولي” إلى دراسة، وتتحول الدراسة إلى رصيد بمئات الملايين في الأبناك.

… وكأني بالدولة اليوم، تعلن عن أبهى وأزهى لحظات شفافيتها ونزاهتها، وهي تعلن للمنتمين للأحزاب، عن حجم الثروة الممكن مراكمتها بشراكة معها، وتنتظر منهم فقط… أن يقلبوا الطاولة على القيادات التي تقف في وجه هذا الثراء، وتحوله لجيبها وجيوب مقربيها.

لأجل ذلك…

لا أجدني أميل إلى أن نشر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، كان ضربا للأحزاب أو الحزبية، أو حتى تنفيرا للمغاربة من الانخراط في الأحزاب. أجدني أكثر ميلا، إلى أن الدولة، تريد أن تجدد شركاءها.

… تريد أن تتكأ على شركاء جدد من داخل التركيبة الحزبية للشركاء الحاليين، من خلال دفعهم إلى التمرد عن حراس الريع الحاليين.

من بين أغرب وأكثر ردود الفعل، ليس إثارة للخجل، وإنما فقط، أكثرها صراحة ووضوحا، كلام إدريس لشكر عن فضيحة الدراسات التي تورط فيها رفقة ابنه ومقربه وابنة زميله في الحزب، حين قال: “الفساد يجب أن يحارَب على اختلاف أشكاله وفي جميع أماكن تواجده”.

إدريس لشكر هنا، “دار بحال داك الدري الصغيور اللي حصلو باه تا يخون ليه الفلوس من البزطام، وهو يقول ليه… مالك شفتيني غير أنا؟ مالك ما تدوي مع خويا لكبير را تاهو تا يضرب ليك البزطام”.

… في النهاية، نحن الآن أمام دولة تطلق مالها العام كريع “سايب” بدعوى الدعم للأحزاب ولقطاعات أخرى كثيرة، دون أية نتيجة محتملة أو منتظرة، اللهم إذا استثنينا نتيجة حالة الصمت المطبق الذي صار عنوان الشأن العام.

وصرنا أمام أحزاب… تستغل الريع، ليس بالمعنى الحزبي حتى، بل فقط، بمعنى منحه للمؤلفة قلوبهم حول القايد.

وصرنا… أمام قيادات حزبية، أصبحت مطالبة بالتمرد على استثنائها من الريع، ومنعه عنها.

أي ببساطة…

نحن أمام شركاء، لم يعد أمامهم شيء يتقاسمونه سوى… الخراب.

وهذا… بعض من كلام.

تعليقات

  1. احمد

    والمساهمة في تشجيع فسادها….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *