جبريل أو غابرييل… ملاكُ الوحي لدى المسلمين 3/3
…كان جبريل، وفق ما ترويه كتب الحديث، يأتي إلى الرسول على هيئة صحابي له كان يدعى دحية الكلبي.
أما أهمّ ما يُميّز حكاية جبريل في الإسلام، أنّه كان الملاكَ الذي كلّفه الله بإنزال رسالته على الرسول محمد. ويعتقد المسلمون أنه الملاك الذي كان ينزل بالوحي إلى الأنبياء جميعا.
غير أنّ كتب السيرة تُرجع أول لقاء بين محمد وجبريل إلى يومٍ كان فيه الرسول في الرابعة من عمره.
نستقصي في هذا الملف حكاية جبريل في الديانات الإبراهيمية.
بعد جزء أول تابعنا فيه حكاية العدَاء الذين يكنه اليهود لهذا الملاك، وجزء ثانٍ تعقّبنا فيه أهميته في الديانة المسيحية، في هذا الجزء الثالث والأخير نرسم صورة لهذا الملاك في المُتخيّل الإسلامي.
يَذكُر معظم المسلمين جبريل فيقولون: “عليه السلام“. إن كان هذا يفصح عن شيء ما، فإنما عن منزلته العظيمة وقدره الرفيع في هذه الديانة.
على غير اليهودية والمسيحية، فإن جبريل يعني عبد الله، بحسب التفسير الإسلامي. يُستنَد في ذلك إلى البخاري، الذي ترك في إحدى مروياته: “وقال عكرمة: جبر وميك وسراف: عبد، وإيل: الله“.
أوجدَ اللهُ جبريلَ من نور، المادة التي يعتقد المسلمون أن الملائكة خُلقوا بها. وقد رآه الرسول محمد كما خُلِق مرّتين وقال إن له ستمائة جناح. أو كذلك ينسبُ إليه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود.
أمّا المرّتان، فيشير إليهما القرآن وفقا لابن كثير في موضعين: “ولقد رآه بالأفق المبين”[1] و“ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى[2]”.
يُحدّث الترمذي في وصف جبريل عن ابن مسعود: “ما كذب الفؤاد ما رأى. قال رأى رسول الله جبريل في حُلّة من رَفرفٍ قد ملأ ما بين السماء والأرض“.
ثم عن ابن عباس، يروي الطبراني أن ورقة بن نوفل سأل الرسول: “يا محمد، كيف يأتيك الذي يأتيك؟… فقال: “يأتيني من السماء، جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر“.
ابن عباس روى عن الرسول أيضا أن جبريل أفضل الملائكة.
وفي منزلته دائما، نقرأ لدى البخاري أن الرسول قال: “إنّ الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه… وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فابغضه…“.
جبريل يَرِد في القرآن أيضا بأسماء أخرى. الرّوح القُدُس مثلا: “قل نزّله روح القدس من ربّك بالحق ليثبّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين[3]“.
كذلك الرّوح الأمين: “وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين[4]“.
يقول شاعر الرسول حسان بن ثابت في بيت من أشعاره:
“وجبريل رسول الله فينا – وروح القدس ليس به خفاء”
أمّا أبرز أوصاف جبريل، فقدرته على التشكل. يَروي أبو داود عن عائشة بنت أبي بكر، زوجة الرسول، أنها سألته: كيف يأتيك الوحي؟ قال:
“يأتيني المَلَك أحيانا في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال وهو أشده علي، ويتمثل لي أحيانا رجلا يكلمني فأعي ما يقول“.
… وكان جبريل، وفق ما ترويه كتب الحديث، يأتي إلى الرسول على هيئة صحابي له كان يدعى دحية الكلبي.
ذلك كان دأبه منذ أوجِدَ… نقرأ في سورة مريم أيضا: “فأرسلنا إليها روحَنا فتمثّل لها بشرا سويّا… قال إنما أنا رسولُ ربّكِ لأهَبَ لك غلاما زكيا“.
أهمّ ما يُميّز حكاية جبريل في الإسلام، أنّه كان الملاكَ الذي كلّفه الله بإنزال رسالته على الرسول محمد. ويعتقد المسلمون أنه الملاك الذي كان ينزل بالوحي إلى الأنبياء جميعا.
غير أنّ كتب السيرة تُرجع أول لقاء بين محمد وجبريل إلى يومٍ كان فيه الرسول في الرابعة من عمره. يومها، يُروى عن أنس بن مالك، شقّ جبريل عن قلبه واستخرج منه علقة قائلا: “هذا حظ الشيطان منك”.
ثمّ صار لاحقا وزيرا له… يُروى عن أبي سعيد الخدري أن الرسول قال: “وزيراي من السماء: جبريل وميكائيل. ومن أهل الأرض: أبو بكر وعمر“.
ما عهد به الله إلى جبريل، وفق القرآن، كان مُتعدّدا. كدعم رُسُلِه وحمايتهم مثلا: “وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس[5]“.
في آية أخرى: “فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير[6]“.
ثمّ وقد رافق الرسول، تروي كُتب السيرة، في رحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى والمعراج إلى السماء.
نقرأ لدى البخاري أيضا أن جبريل هو من عَلّم الرسول الصلواتِ الخمس، إذ قال: “نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه… يحسب بأصابعه خمس صلوات“.
… يمكن في هذا الباب أن نسرد كثيرا من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، الشخصية الرئيسية فيها هي جبريل، تُحيطه بالدين والعلم وتُشير عليه.
حتّى إن الرسول كان يشتاق إليه إذا غاب عنه ويفرح كثيرا بلقائه… وقد حدث أن سأله ذات يوم: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فأجابه “وما نتنزل إلا بأمر ربّك”[7].
لكل هذا، يكون جبريل ذا منزلة رفيعة في المتخيل الإسلامي… وتلك كانت حكايته في هذه الديانة.
[1] سورة التكوير، الآية 23.
[2] سورة النجم، الآيتان 13 و14.
[3] سورة النحل، الآية 102.
[4] سورة الشعراء، الآيات 192-194.
[5] سورة البقرة، من الآية 87.
[6] سورة التحريم، الآية 4.
[7] البخاري عن ابن عباس.
لقراءة الجزء الأول: جبريل أو غابرييل… الملاكُ الذي لولاه لأسلمت اليهود؟ 1/3
لقراءة الجزء الثاني: جبريل أو غابرييل… ملاكُ البشائر العظمى في المسيحية 2/3
مقالات قد تهمك:
- علي اليوسفي: مخاض ولادة دولة الرسول – الجزء 1: صحيفة المدينة
- فكرة “الشيطان” في الإسلام
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا نجح الإصلاح الديني اليهودي والمسيحي وفشل الإسلامي؟
- الحنيفية: عن دين إبراهيم في “الجاهلية”! 3/1
- دين إبراهيم في “الجاهلية”: من هم الحنفاء؟ هل كانوا أفرادا أم فرقة؟ وما كانت كتبهم الدينية؟ 3/2
- دين إبراهيم في “الجاهلية”: هل الحنيفية مجرد تجميعة منقحة لعقائد الديانات التي كانت تجاورها؟ 3/3
- قداسة الكعبة على ضوء التاريخ الإسلامي: حين قدس العرب 8 كعبات! 1/3