تراجعت موارده المائية بـ 85 بالمائة… المغرب في حالة طوارئ مائية - Marayana - مرايانا
×
×

تراجعت موارده المائية بـ 85 بالمائة… المغرب في حالة طوارئ مائية

نزار بركة: زهاء 800 مليون متر مكعب جرى استهلاكها في غضون شهرين فحسب، تبعا لارتفاع درجة الحرارة وتزايد استهلاك مياه الشرب والسقي، إضافة إلى مخلّفات ظاهرة التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة بـ0,9 درجة عن المعدل.

لازال مشكل الماء يتجدد باستمرار، بفعل الجفاف الذي طبع هذا الموسم وشح الأمطار وندرة المياه. هو أسوأ موسم منذ سنة 1981، وفق ما أكدهّ المجلس الأعلى للحسابات، حين دقّ في تقريره السنوي، الصادر في منتصف مارس 2022، والمتعلق بسنتي 2019 و2020، ناقوس الخطر.

التقرير أشار أنّ المملكة المغربية باتت تتوفر على موارد مائية تقدر بنحو 22 مليار متر مكعب سنويًّا، مما يجعلها من بين أكثر 20 دولة، معرّضة لخطر الإجهاد المائي.

التقرير ذاته خلص، أيضا، إلى أن 88 في المائة من النسبة الإجمالية للمياه تستخدم في السقي، فيما تذهب 12 في المائة فقط لباقي القطاعات الإنتاجية والتزود بالماء.

لذلك، يشير التقرير، أنّ الوضع المائي في المغرب يتسم بتوزيع بنيوي غير متوازن بين الأحواض المائية من حيث الإمدادات السنوية بالمياه؛ معتبرا أن “المخطط الوطني لتهيئة الأحواض المائية لم يتمكن سوى من وقف 50 في المائة من عملية التوحل في الفترة الممتدة من 1996 إلى 2016”.

لهذا، يدعو المجلس إلى القيام بإنجاز المشاريع المتعلقة بالربط بين الأحواض المائية، والعمل على تزامن إنجاز المنشآت الهيدرو – فلاحية في سافلة السدود الجديدة مع بناء هذه الأخيرة، وكذا تدارك التأخر المسجل في إنجاز المنشآت الفلاحية في سافلة السدود القائمة. كما ألح على تحفيز اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية، ولاسيما تحلية المياه.

… بعدما كانت حصة الفرد من الماء في المغرب تبلغ أكثر من 2000 متر مكعب سنة 1960، فإنه في مطلع مارس 2022، سجل وزير التجهيز والماء نزار بركة، أن نصيب الفرد من الماء في المغرب لا يتجاوز 600 متر مكعب سنويا، بينما يقدر الحد الأدنى للسلامة المائية بـ1000 متر مكعب للفرد. وأشار إلى أن بعض المناطق في المغرب لا يتجاوز فيها نصيب الفرد من الماء 300 متر مكعب، كما يرتقب أن يفقد المغرب 30 في المائة من الواردات المائية في أفق 2050.

خطر متواصل؟ 

عاد نزار بركة، وزير التجهيز والماء، مجدداً، يوم الثلاثاء 12 يوليوز 2022، ليؤكد أنّ الخطر فيما يتعلق بالماء متواصل، وأنّ المملكة المغربية لازالت في خضم أزمة مائية حقيقية خلال هذا الموسم ككل، وهو ما خلّف مشاكل حقيقية في التزود بالماء بعدة مناطق بالمغرب، وأثار حفيظة المواطنين.

بركة أوضح أيضا، في ذات المداخلة ضمن جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، أن الجفاف الذي يعيشه المغرب هذه السنة، وما نتج عنه من انخفاض في مستوى المياه الجوفية، اضطر بعض الفلاحين إلى بيع أراضيهم، مؤكداً أنّ “هذا الوضع جاء نتيجة ندرة التساقطات المطرية وانخفاض الموارد المائية السطحية والجوفية والتبخر، ناهيك عن ارتفاع استهلاك الماء”.

من بين المعطيات الخطيرة التي كشف عنها الوزير، أنّ المغرب عرف تراجعا في الواردات المائية ناهزت نسبته 85 في المائة؛ إذ وصلت واردات السنة الحالية حوالي مليار و38 مليون متر مكعب فقط، مضيفًا أنّ “نسبة تغطية السدود لا تتجاوز 9,7 في المائة، في حين كانت 46 في المائة السنة الفائتة”.

أما فيما يتعلّق بالتّساقطات المطرية خلال السنة الجارية، فيقول نزار بركة إنها عرفت تراجعا كبيرا، حيث تراوحت بين 11 مليمترا و325 مليمترا، وهو ما يمثل عجزا بـ50 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، مشيراً إلى “تراجع كمية الثلوج المتساقطة سنويا”، وموردا أنها “كانت تغطي مساحة تناهز 45 ألف كيلومتر مربع لكنها انخفضت السنة الجارية إلى 5000 كيلومتر مربع، أي بتراجع يناهز 89 في المائة”.

في السابق، مثلاً، كان البلد يعرف حوالي 41 يوما من التساقطات الثلجية، بيد أن عدد الأيام تضاءل إلى 14 يوما خلال سنة 2022 الجارية، وهذا كان سببا رئيسا في التأثير على المخزون المائي بدوره.

حاليا، وفي الفترة الأخيرة، بات المغرب يتوفر على موارد مائية تقدر بحوالي 4 مليارات و780 مليون متر مكعب. في شهر أبريل الماضي، الذي عرف تساقطات مطرية، وصل الحجم إلى 5 مليارات و680 مليون متر مكعب. وهنا يشير بركة أن زهاء 800 مليون متر مكعب جرى استهلاكها في غضون شهرين فحسب، تبعا لارتفاع درجة الحرارة وتزايد استهلاك مياه الشرب والسقي، إضافة إلى مخلّفات ظاهرة التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة بـ0,9 درجة عن المعدل.

بوادر أزمة الماء 

محمد بنعبو، الخبير في شؤون المناخ والبيئة، يعتبر في حديث لمرايانا، أننا أصبحنا نعيش فترة طوارئ مائية حقيقية، بل البلد كلّه يواجه اليوم إجهاداً مائيًّا خطيراً للغاية، سواء من حيث المياه الجوفية والسطحيّة أيضا، وذلك تبعا لسنوات الجفاف المتوالية التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير.

بخصوص السدود مثلاً، فقد شكلت حقينتها حوالي 67% سنة 2018، وزهاء 57% سنة 2019، وحوالي 47% خلال سنة 2020، والآن نسجل حوالي 34.4 %، أي أقل من 5 مليارات متر مكعب، ككمية إجمالية لحقينة السّدود”.

هذا الوضع يزداد خطورة، وفق ما فصّله بنعبو لمرايانا، مع تسجيل زحف لظاهرة “التوحل” على معظم سدود المملكة، خصوصا السّدود الصغيرة. لذلك، أعلن وزير التجهيز والماء تعهده بالعمل على تجاوز ظاهرة التوحل هذه في السدود، في أفق تقليص نسبته بـ20 في المائة وضمان 1 مليار متر مكعب، وتحويل المياه التي تصب في البحر إلى المناطق الأكثر تضررا.

غير أنّ صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، مكنت المغرب من تنويع العرض المائي وانفتاحه على الموارد غير التّقليدية، سواء ما يتعلق بتحلية مياه البحر، أو معالجة المياه العادمة من أجل سقي الفضاءات الخضراء، وملاعب الكولف والملاعب الرياضية.

لكنّ هذا يبقى رهانا كبيراً، لأنّ التّنزيل جاء متأخرا، بالنظر إلى الاستنزاف الكبير الذي حدث للفرشة المائية بالمغرب، لاسيما أنّ بعض الآبار ومجموعة من الفرش المائية السّطحية والجوفية، جفّت عن آخرها في بعض مناطق المغرب.

وعمومًا، يبيّن الوضع أن الضغط على الموارد المائية، قبل هذه الظرفية، قد بلغ مداه بشكل غير مسبُوق. مثلاً، أعلن نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أنّ 91 في المائة منها غير مرخصة، وبالتالي لا معطيات بخصوص نسبة استغلال مواردها.

أما الأنهار، فقد أشار الوزير أنه على مستوى نهر أم الربيع، تتم سرقة حوالي 1 مليون متر مكعب في اليوم، أي 300 مليون متر مكعب في السنة، ناهيك عن ضياع نسبة تصل إلى 40 في المائة في القنوات المخصصة للمجال الفلاحي ومياه الشرب.

لذلك، يعتبر محمد بنعبو، أنّ “هذا الضغط أثّر بشكل كبير على المناطق الرطبة، كجبال الأطلس ومصبّات الأنهار، وهي أيضا ضحية للإجهاد المائي، والفوضى التي تطبع استغلاله. فالمناطق الرطبة تحظى بأدوار جدّ مهمّة في تهدئة التّغيرات المناخيّة، كما تشكّل صمّام أمان للحفاظ على المياه الجوفية. فمن تأثيرات هذا الاستنزاف أننا فقدنا ضاية عوا، وخلفها مجموعة من الضايات في الأطلس، ورأينا كيف أن نهر ملوية، صارت مياهه عاجزة عن الوصول إليه لأوّل مرة في تاريخه بسبب الجفاف الشّديد وكثرة الاستهلاك”.

هناك مستوى ثانِ من الفرشة المائيّة يفوق 200 متر تحت عمق سطح البحر، وهناك معطيات، حسب بنعبو، “تشير إلى وصول مستثمرين كبار إلى هذه المياه الجوفية، التي من الصعب تماما أن تتجدد. فالمياه السطحية يمكن تعبئتها عن طريق الأمطار والسدود كذلك، غير أن الفرشة المائية العميقة، تستغرق عقوداً لكي تعود إلى مواردها. وهذا من أخطر ما يمكن أن يقع، وسيكون كارثة لو استمر هذا الاستنزاف؛ وسيدمر نصيب الأجيال المقبلة من موارد مائية مهمّة جدا”.

المغرب يتجه بسرعة نحو الصدمة المائية، إذ من الممكن أن ينتقل قريبًا إلى العجز المائي أو النّدرة المطلقة للمياه. لكن بنعبو يتنبأ بأنّ السّيناريوهات المطرُوحة في أفق 2025 أو 2027، يمكن أن تخرج البلد من الأزمة، حيث ستضاعف الجهود وستنشأ مجموعة من السدود، وهناك مشاريع مختلفة للتعبئة مسطّرة.

هنا، يشدد الخبير في الشأن المناخيّ، أنه إذا كنا اليوم أمام ظروف قاهرة ومرعبة، فمن الممكن أن نعيش سنوات مقبلة رطبة، والتساقطات المطرية التي ستخلفها مهمة. حالة الطوارئ المائية هذه لابدّ أن تذكرنا بما نعيشه، وأنّ دورنا كمواطنين وكفاعلين مهم للحفاظ على الفرشة المائية ببلدنا؛ وحتى لو حققنا عرضا مائيا وفيرا في السنوات المقبلة وتغلبنا على الأزمة، يجب أن نتذكر دائما سيناريوهات الجفاف التي نواجهها الآن.

فهل على المغرب أن يعيد النظر في السياسة المائية ككل، وبالتالي السياسة الفلاحية المعدة للتصدير كالموز والبرتقال والطماطم والبطيخ الأحمر والأفوكادو، باعتبارها المواد الفلاحية الأكثر استهلاكا للمياه؟

وهل سيسابق المغرب الزمن لاتخاذ تدابير وإجراءات إضافية؛ للحد من الجفاف واحتواء التداعيات السلبية لتأخر التساقطات المطرية هذا الموسم، بما فيها إعادة النظر في مناطق إنتاج بعض المواد الفلاحية المستهلكة لكميات كبيرة من الماء؟

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *