حريّة التازي صادق لمرايانا: المغرب له وعيٌ كامل بأهمية الماء، والظرفية تذكرنا أن المغرب بلد ندرة… 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

حريّة التازي صادق لمرايانا: المغرب له وعيٌ كامل بأهمية الماء، والظرفية تذكرنا أن المغرب بلد ندرة… 1/2

تحاور مرايانا في ظرفيّة الجفاف الذي تشهده المملكة المغربية، المحامية ورئيسة الإئتلاف المغربي من أجل الماء، حرية التازي صادق.
حرية التازي صادق من الخبراء المغاربة في قطاع الماء. لذلك، فهي تحدّثنا عن طبيعة الفرشة المائية في المغرب، وأهم التّصورات الرسمية وغير الرسميّة لمحاربة ندرة المياه التي يعيشها البلد بشكل دائم.

  • يفصلنا أسبوعان تقريباً عن اليوم العالميّ للماء (22 مارس)، ويدفعنا ذلك للتساؤل حول استراتيجية المغرب في تعزيز الأمن المائي وتكريس الحكامة البَيئية… ما تقييمك، كرئيسة للائتلاف المغربي للماء، لسياسة المملكة المغربيّة في قطاع الماء؟

في الحقِيقة المغرب دائماً، عبر التاريخ، بيّن أنه بلدٌ لديه وعيٌ كاملٌ ودائمٌ بأهميّة الماء. لنلاحظ مثلاً كيفَ تمّ توزيع الماء بشَكل نمُوذجيّ، إن صحّ التّعبير، منذ وقت مبكّر. هناك وثائقٌ يمكن العودَة إليها في هذا الصّدد.

تنظيم قطاع الماء بالمغرب، عبر قوانين مكتوبة، جاء معَ الاستِعمار. لكن، بعدَ استِقلال المغرب، أصبَح الوعيُ بأهميّة الماء يتَزايد ويتعاظم على أعلى مستوى. حينَها، أطلَق الرّاحل الحسن الثاني سياسة السّدود. كانت لهذه السّياسة، ولازالت، أهميّتها، لأنها أهّلت العَرض، بينما تدبير قطاع الماء كان يتمّ في المركز، وكلّ القرارات الخاصّة به تصدر من العاصمة الإداريّة.

أود أن أشير أنّ كميّات الماء في الأحواض المائية تتبَاين من جهَة إلى أخرى. هذا بالإضافة إلى أنّنا، إلى اليوم، في المَغرب، لازلنا نعتمدُ بشكل أساسيّ على مياه الأمطار، ولا نتوفر على نهر كالنّيل، مثلاً، لكي نتزوّد منه بالماء ونقَاوم النّدرة.

دعني أقول بأنّ سياسة السّدود نوقِشت. لذلكَ، فلا أحد ينكرُ أدوارَها في مواجهة التصحّر إبّان الثّمانينات والتّسعينات من القرن الماضي. لكننا تأخّرنا في عمليّة الحماية الكيفيّة للمياه. بمقارنة المغرب مع تونس، كبلد قريب جغرافيًّا، نجد أن تونس بدأت التّطهير والحماية الكيفيّة للماء منذ سبعينيّات القرن المنصرم؛ بينما التطهير في المغرب، بدأ مع حكُومة التّناوب التي كان يسيرها الراحل عبد الرحمان اليوسفي، حيث تمّ وضع برنامج مموّل ومعَقلن لأجل بلوَرة ذلك.

لقد اتضح جيداً أنّ الإرادة السياسيّة للدولة المغربية في حماية الأمن المائي تتقوى؛ خاصّة حين تمّ إطلاق مشاريع مهمّة ومخطّطات تصبّ في اتجاه خلق حلُول عمليّة ومبتكرة، لتجاوُز ما يمكنُ أن تتسبّب فيه التغيرات المناخية، التي تميّز المِنطقة التي يوجد فيها المغرب…

لنذكُر أنّه من المشاريع المهمة، عمليّة تحليّة مياه البَحر، مادام البلدُ يتوفّر على ساحل يمتد عبر 3500 كيلومتر، ولنا في آخر وحدة تم تشييدها بأكادير مثال. ناهيك عن تثمين المياه المستعملة والعادمة من خلال معالجتها في المحطات، وإعادة استعمالها في مجموعة من الأنشطة منها الريّ…

تبقى هذه المشاريع، بالمُقارنة مع سبَق، قفزة نوعيّة مهمّة انخرط فيها المَغرب لدعم ما تقدّمه سياسة السّدود من خدمات. بات المغرب الآن يشهدُ تنوّعا في الحلول!

  • أشرتِ إلى عمليّة تحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه العادمة. هنا، نستحضر أنّك نوهتِ دائماً بانخراطِ المغرب في هذه المخطّطات. لكنّك حذرتِ، بالمُقابل، من ضرُورة تسريع وتيرة الاشتغال حتى لا نصل إلى أزمة يكون فيها العرض أقل من الطلب. أمام هذا النّقص المسجل اليوم، هل يقف المغرب على أعتاب أزمة ماء؟ 

تماماً، إنها حاليًّا أزمة، ترجع إلى تأثيرات التغيّرات المناخية وإلى ضعف وتأخّر التّساقطات المطريّة. لكن هذا ينبَغي أن يذكّرنا بحقيقة ثابتة، وهي أن المَغرب بلد نُدرة، وبعضُ الأحواض لا تشهدُ فائضاً في الماء. أقصدُ أنّ النّدرة، بشَكل ما، هي صفة دائمة ومتكرّرة ببلدنا. كما نجدُ أنّ ثلاثة أحواض بالمغرب تستولي على ثلثي كمية ماء البلد!

المفرُوض أن نبحثَ عن التّوازن بين العَرض والطّلب على الماء بصفة دائمة. لهذا الغرض، نحتاج بالفعل إلى تسريع وتيرة الاشتغال على المخطّطات الموضوعة، ووضع المنهجية اللائقة والحكامة الملائمة.

أريد أن أثير الانتباه إلى أهمية اقتصاد الماء وما من شأنه أن يلعبه لتجاوز الوضعية. الاقتصاد هو حلّ أقلّ تكلفة من الحلول الأخرى. لكن هذا يحتاج بالضّرورة إلى المواكبة والتّواصل والتّنسيق بين مختَلف الفاعلين ومشاركة جميع المواطنين أيضاً.

ما نعيشُه من صعوبة ينبّئنا بأن هناك تفريطٌ. لنأخذ الصّناعة مثلاً، فهناك وحدات صناعية تتخلّص من كميات من الماء في البيئة بدون معَالجة أوّلية، ما يؤدّي إلى التّلوث البيئي والتبذير في الماء. حتى ماء التّساقطات المطريّة هو عرضة للضّياع لأنه لا يتمّ استغلاله، مع العلم أنه ماء نظيف وهناك وسائل ممكنة لتجميعه.

في تقديري، فإنه للخرُوج من هذه الأزمة، علينا أن نظافر الجهود وأن نحافظ على الماء ونحرصَ على عدم تبذيره، بالإضافة إلى إنجاز أشغال إعادة تأهيل شبكات التوزيع، وصيانة الشبكة والقيام بأشغال التقطيع والتنظيم والبحث عن التسربات وإصلاحها، إلخ.

  •  لكنّك سبقَ وقلتِ بأن المغرب يتوفر دائما على سنتين كاحتياطي لمخزون المياه تحسّبا لأي موجة من الجفاف أو ندرة التّساقطات. فما معنى أن يصرّح وزير الفلاحة والصيد البحري والتّنمية القروية والمياه والغايات، محمد الصّديقي، بأن المغرب يعيشُ أكبر نِسبة عجز مائي منذُ 1981، وأن حقينة السّدود غير كافيّة لتغطية الحاجات (33 في المائة من مخزون السدود)؟ 

سأستسمِحك في القول إنني لن أعلّق على تصريحَات الوزير. لكن، سأجيبُ من زاوية أخرى تسَاعدنا على الفَهم. نحنُ نعيشُ اليوم ضمن ثنائية الندرة والطلب، غير أنّ ما يجب أن نركّز عليه، بنفَس علمي محض، هو أن نعمل باستباقية، ونربط الطلب بالعرض باستحضار التحولات الديمغرافية وتغيّرات القطاعات الاقتصادية والتّغيّرات المناخيّة.

مثلاً، أن ندرس تطور عدد المواطنين خلال العشر سنوات الأخيرة، وكم عدد الوحدات الصناعية والضّيعات الفلاحية خلال العشر سنوات الأخيرة، وتطور أعداد السياح الذين زاروا المغرب، وعدد الفنادق والمآوي، خلال العشر سنوات الأخيرة…

كما سينبغي أن نعرفَ ما ستكون عليه هذه الأرقام في غضون العشر سنوات المقبلة، والعشرية التي تليها، أي في حدود مدة متفق عليها للدراسة. سيساعدنا هذا لمعرفة إن كانت الكمية المتوفرة من الماء قد تخلق عجزاً إذا كان حجم الطلب يتضاعفُ مع الوقت من طرف مختلف المُستهلكين: الاستعمال المنزلي، الفلاحة، الصناعة والسياحة، إلخ.

الخلاصة، لابد أن نسرّع الوتيرة، وبالأساس كان هناك نوع من التراخي في العشر سنوات الأخيرة، والوزير السابق، مع كل الاحترام له، كان لا يؤمن بالمشاركة في صنع القرار، رغم أنّ قطاع الماء يتطلّبُ التشاور والمشاركة والشراكة. حين يتعلّق الأمر بالماء فالكل معني ولا أحد يتوفر على المعلومة المتعلّقة بالموضوع، بل هناك تخصصات ينبغي أن تتكامل، وهذا لم يحصل.

أما بخصوص السنتين التي ذكرت في سؤالك، فالمقصود بها هو الماء الصالح للشرب حصرا، ومصدره هو كلام المسؤولين. هو ليس كلامي ولا شيئا توصلت له بأبحاثي. لكن مخزون السدود يعيشُ ندرة في هذه الظرفية، مع أننا نراهن على الأسابيع المقبلة لعلها تحمل أمطاراً. هذه التغيرات المناخية غيرت مجرى الفصُول، وينبغي أن تلتَقط ذلك الجِهات المختصّة لتدارس هذه التغيرات في أفق تطويقها والتّعامل معها حتى لا نسقط في العجز.

أنا مطمئنة من ناحيّة أخرى بالنسبة للجنوب، سيما أنّ محطة تحلية مياه البحر بأكادير جاءت كخُطوة مهمّة. ومن حسن حظّنا أنها تشتغلُ الآن، وإلا كان الوضعُ حرجاً في تلك الجهة التي تعاني من ندرة في الماء. كما أنّ وجود إرادة سياسية على أعلى مستوى في البلد، يحيلنا على إمكانيّة التّفكير في التّسريع من وسائل الاشتِغال.

… في الجزء الثاني من هذا الحوار، تفصل لنا حرية التازي صادق ضعف التنسيق بين السياسات العمومية المتعلقة بالشأن المائي، وضرورة الإسراع للخروج من العجز الذي يعيشه المغرب حاليًّا.

 

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *