مرايانا في قلب الحملة ضد حراس السيارات: لكن… من يتحمل المسؤولية؟ 1/2
كان حراس السيارات جالسون، باطمئنان، في مراكن السّيارات “يراقبون” العربات الغادية والرائحة، حتى صاروا، هم أنفسهم، محطّ مراقبة واستنكار ورفض مطلق.
حربٌ افتراضيّة جدية اندلعت ضدهم، هدفها تعرية “سلوكاتهم المشينة”.
في المدن الكبرى، أصبح الأمر ظاهرة قائمة بذاتها، كيف لا؟ وأنت أينما ولّيت “وجهك” فثمّة “وجه” حارس سيارات مفترض. في كلّ شارع تحاول الركن فيه هناك “عسّاس” بسترة صفراء أو برتقالية.
“عسّاس” أطلق أصحابُ السّيارات ضده، حملة #ماتحضيش_طونوبيلتي، ووصفوه بكلّ الأوصاف السيّئة: “بارد الكتاف” (الذي لا يريد العمل)، الشّحاذ، اللّص، آكل السّحت، عاشق الرّيع، المُخبر للسّلطة، الصعلوك، تاجر المخدرات، المجرم، إلخ.
مرايانا تدخل هذا العالم لنتعرف على مختلف جوانب هذه المشكلة.
تهديد وابتزاز وضرب؟
تبدأ مرايانا هذه الحكاية بمقابلة منعم تغلاوي، سائق سياحي من مراكش، ليعبّر عن استيائه العميق تجاه الظّاهرة التي تغزو المدينة الحمراء في كلّ مكان ولّيتَ فيه وجهك. يقول منعم: “أغلبُهم لا تعرف من أينَ أتى، وهل كان يُراقب العربة فعلاً. في معظم الأحيان، لا يظهر لك إلاّ أثناء اشتغال محرك السيارة وأنت تهمّ بالخروج من المكان، الذي يدعي حراسته. في بعض الأحيان، يقف قبالتك وهو يحمل سيجارة أو ما يشبهها. لا تحسّ أنّه يحمل لك أي نوع من الاحترام”.
في ذات الاتجاه، تفصحُ ليلى التّاقي عن الضغط الذي يتسبب لها فيه هؤلاء الحرّاس، وتقول في حديثها لمرايانا، إنّ “معظمهم لا يحسنون الحديث بلباقة. وهذا مشكل نواجهه بمراكش. إنّهم في حاجة إلى تكوين مستمر، فهم يتعاملون مع أجانب، بحكم الطابع السياحي لمراكش. لذلك، ينبغي ألاّ نسمح لأشخاص، بعضهم من ذوي السّوابق العدليّة، أن يتلاعبوا بأعصاب المواطنين على نحو يوميّ”.
يشتكي مراد البوركي لمرايانا، وهو صاحب سيارة من مكناس، قائلاً: “من أقصر القِصص وأكثرها “درامية” أن تنزل من السيارة لتشتري الماء، في هذا الجو الحار، ثم بمجرد الصّعود للسيارة يهمّ “العسّاس” بالوقوف قرب نافذتك. هذا كسل واضح ورغبة في الاستفزاز والابتزاز أيضًا. نحن نعرفُ أنّ هناك من يقُومون بواجبهم في الحراسة؛ لكن سلوكات الغالبية منهم تطمس الفئة “النقيض”، التي تشتغل بجهد وضمير، وتعرض حياتها للخطر في مواجهة اللصوص أو أي تهديد ممكن”.
بانتقال مرايانا نحو الرباط، نصادف ياسين الدغمي، الذي يصرح بأنّه “أحيانا، بمجرد ما تضع سيارتك في مكان ما، وتلمح ملامح الحارس، تحسّ بالرعب، تتأكد أنه سيكون مفروضًا عليك أن تدفع له فقط اتقاءً لما قد يصدُر عنه من سُوء أو فعل انتقاميّ… فماذا لو مثلاً وجدت سيّارتي مخدوشة أو زجاجها محطّم؟ كيف سأعرف هويته لأقدم شكاية، خصوصًا إذا كان حارسًا لا يحتكم للقانون، ويكتفي بارتداء سترة صفراء يبتزّ بها المواطنين”.
يضيفُ ياسين، بحرقة، أنّ هناك مشكلا آخر بالرباط: في الغالب… أنت تدفع ثمن التذكرة وتتركها أسفل الزجاج لفِرق المراقبة، لكنك مطالب أيضا بالدفع للحارس. هناك فوضى كبيرة في هذا المجال. ذات مرة، مثلًا، قبل سنتين تقريباً، تعرّض، أمام أعيننا، سائق للضّرب المبرح بسبب احتجاجه على خدوش حدثت في سيارته في شاطئ سلا، رغم أنه دفع سعراً مقابل الحماية. لكنّ الحارس تحجج بأنه لا علم له بما جرى!”.
تقدّم لنا سارة المريبي إشكالاً أعمق، بما أنها صاحبة سيارة بالرباط تتعامل يوميًّا مع “الكارديان”، حيث تعتبرُ سارة في تصريحها لمرايانا أنّ “سلوكات الحراس تكون عدوانية بناء على غلّ طبقيٍّ، فكثيراً ما قال لنا “العسّاس”: “أنت تملكين سيارة فاخرة من هذا النوع، وترفضين مدّ بقشيش من خمسة أو عشرة دراهم”.
تفصل سارة قائلة: “نحن ندفع ضريبة للدّولة، ومن حقنا استغلال الشارع العمومي لركن السيارات مجانا. لا يمكن أن ندفع الضريبة ثم ندفع مستحقات الركن، لأن ذلك يولّد مصاريف مضاعفة تهلك فئات معيّنة، لاسيما عندما يتكرر الأمر على نحو مزعج”.
وتضيف محدّثتنا أن الحارس “يتحدّث وكأن لديه عندك شيء لم تقدمه له، في حين أنّ ما نقدّمه له، في أحيان كثيرة، يأتي بناء على الرغبة في التعاون والتعاطف مع شريحة هشّة اجتماعيًّا واقتصاديًّا. ولا تكاد تحصى المرات التي يقف فيها، ويجد أنّ السائق امرأة، فينظر بشكل عدواني حتى يرعبها، فتضطر لأن تدفع له فقط بسبب الخوف الذي جعلها تشعرُ به. أليس هذا نوعًا من الإرهاب؟”.
ما رأي السوسيولوجيا؟
حين نعرضُ هذه الشّهادات على مختبر السوسيولوجيا، يشرح لنا محمد العلوي، وهو باحث في علم الاجتماع، أنّ الدولة تتحمّل نصيبا هامًّا من المسؤولية تجاه هذه الفوضى، لكونها لم تضع أجهزة إداريّة ولجان مراقبة تابعة للمجالس الجماعية، لتُراقب وتعاين بشكل شهريّ دوري مدى احترام الشركات التي تكتري الملك العمومي مؤقّتا لدفتر التحملات، وكذلك لكي تراقب الحراس الفرديين الذين يكترون الفضاء العام من الجماعة.
هذا الفراغ القانوني وهذا الضعف الإداري، وفق المتحدث، جعلا الحرب تدور مباشرة بين الحراس والمواطنين، رغم أنّ لكل منهم حقوقا وواجبات، لو كان الأمر يحتكم لتسعيرة معلومة محددة بالوقت، وتوضح ثمن الركن ليلاً ومثله نهاراً”.
محمد العلوي الباحث في السوسيولوجيا يرى أنّ “المُشكل الأعمق، حتى لا نبقى فيما هو سطحي، يكمن في كون “تعاقد” الحارس مع الشركات أو الأشخاص الذين يكترون الفضاء العام من الجماعة، يفرض عليه أن يُحصل مبالغا من المواطنين ليدفع الثمن الذي هو متفقُ عليه يوميًّا”.
وهذا الواقع، وفق العلوي، يضع الحارس تحت الضّغط، ويجعله يفكر، أساسًا، في ضمان ثمن الكراء، ثم ربحه الخاص. بهذا المعنى، يكون الحارس آخر حلقة من مسلسل المسؤولية، وليس هو المسؤول الأول. الخلل بنيوي للغاية ويحتاج تدخلاً حكوميًّا عاجلاً.
في الجزء الثاني، نقدم شهادات بعض حراس السيارات حتى تكتمل الصورة ويتمظهر المشكل من مختلف جوانبه…حتى القانونية منها.
لقراءة الجزء الثاني: الحملة ضد حراس السيارات: رواية الحراس ورأي القانون! 2/2
مقالات قد تثير اهتمامك:
- دراسة ميدانية تكشف السلوكات الأكثر إزعاجا للمغاربة!
- عن العنف والتحرش الجنسي في المدرسة وضعف الكفايات… مجلس عزيمان يدقّ ناقوس الخطر!
- التربية الجنسية في المغرب… هل تشفي المجتمع من ازدواجيته؟ 1\2
- ”عيبنا واحد”…الجملة التي تصنع المعجزات في المغرب
- التنمر… “الإجرامُ” في ثوبٍ أبيض!
- ديمقراطيتنا تعاني شللا نصفيا!
- الويب المغربي… هل أصبح مستنقعا للمحتوى غير الهادف؟
- خطاب التخوين بالمغرب… الإرهابُ والشّوفينية بكلّ بسَاطة! 1\2
thanks