التنمر… “الإجرامُ” في ثوبٍ أبيض! - Marayana - مرايانا
×
×

التنمر… “الإجرامُ” في ثوبٍ أبيض!

العادةُ أنّ وسائل الإعلام لم تكن لتلتفت إلى وقائع مثل هذه فيما مضى… نادرا ما كانت تهتم بالوقائع التي تبدو، في السّطح، مُتجاوزةً مثل التحرش والتنمر وغيره.

كان الموسم الدراسي، عام 2019، على مشارف نهايته عندما أقدم طفل، من أصول مغربية، على الانتحار في هولندا…

ضاقت الحياة بـ”مروان بنقداد” عن 15 عاما، ولم تعرف أسرته، إلا بعد فوات الأوان، أنه كان يُعاني على نحو لا يُطاق.

التّحريات التي أوردتها الصحافة المحلية يومها، كشفت أنه كان يتعرض للتّنمّر والتخويف من قبل زملائه في المدرسة…

بعض زملائه هؤلاء، استمروا يُضايقونه لمدة طويلة دون أن يجدوا من يَكُفّهم، حتى أُصيب بالاكتئاب… ولمّا عجز عن المقاومة، وضع حدا لحياته!

أكثر من مجرّد مُضايقة!

العادةُ أنّ وسائل الإعلام لم تكن لتلتفت إلى وقائع مثل هذه فيما مضى… نادرا ما كانت تهتم بالوقائع التي تبدو، في السّطح، مُتجاوزةً مثل التحرش والتنمر وغيره.

لكنّها في السنوات الأخيرة أخذت تُكرّس اهتماما واسعا بها حين أصبحت تؤدي إلى انتحار الناس… وَهُم أطفالٌ حتى!

الطّفل المتنمر دائما ما يستخدم قوّته… قد تكون جسدية، وقد تتخذ صيغة أخرى إذا كان يعرف معلومات حساسة أو محرجة عن الطفل المتنمّر عليه…

تكشف منظمة الصحة العالمية أن الانتحار ثاني سبب للوفاة بعد حوادث السير عند من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما… معلومةٌ مقلقة!

… والانتحار لا يُقرّرُه المرء هكذا دون مُقدّمات… المعدّلُ، وفق المنظمة، أنه يُحاول ما لا يقل عن عشرين مرة تبوء بالفشل قبل أن يستجمع قوى إزهاق روحه.

اقرأ أيضا: وسط غياب دراسات مفسرة… ظاهرة الانتحار في المغرب تتفاقم في صمت! 2/1

الأبحاث الأكاديمية توصّلت إلى أن معظم حالات الانتحار في صفوف الأطفال المراهقين تحدثُ لكونهم عانَوا نوعا ما من الاضطرابات النفسية والعقلية.

اضطرابات من قبيل الاكتئاب، الذي يعد السبب رقم واحد في الانتحار لدى هذه الفئة، ثمّ نجد بعده القلق والعنف واستعمال المخدرات…

التنمر، بالمجمل، سلوك عدواني يهدف إلى إلحاق الضرر بشخص آخر على نحو متعمد سواء نفسيا أو جسديا.

لكن ثمة أسباب منشأٌ لا تكشف عن نفسها بسهولة، مثل التغيير غير الملحوظ في المحيط، الظروف في المدرسة، المشاكل مع الأصدقاء، وأيضا أزمات تحديد الهوية الجنسية

منظمة الصحة العالمية تؤكد، في هذا الصدد، أن من يتعرّضون للتنمر عُرضة لأخطار صحيّة متنوعة مثل الاكتئاب… وحالةُ مروان مثال وحسب!

كُلّنا قد يتعرض للتنمر…

تقول منظمة اليونيسف، في تعريفها للتنمر، إنه شكل من أشكال العنف الذي يمارسه طفلٌ أو مجموعة أطفال ضد طفل آخر، أو مُجرّد إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة.

على أنّ من يُمارس التنمر، ومن يقع عليه، قد يكونون من البالغين… تشهد أماكن العمل وقائع عديدة في هذا الصدد.

ثمة أسبابٌ شائعة أكثر من غيرها ليُصبح الطفل مُتنمّراً وفق اليونيسف… قبل كل شيء، أغلب هؤلاء كانوا ضحايا يوما ما!

التنمر، بالمجمل، سلوك عدواني يهدف إلى إلحاق الضرر بشخص آخر على نحو متعمد سواء نفسيا أو جسديا.

يُمكن أن يحدث حيثما يوجد تفاعل بين البشر…على الشبكة العنكبوتية مثلا!

اقرأ أيضا: كوثر بوبكار من أبرز الباحثين في ميدان النانوتيكنولوجيا في العالم، تكتب: وسائل التواصل الاجتماعي… مقبرة العقل النقدي؟

أما وصفه، تقول منظمة الصحة العالمية، فكما يلي:

“أن تتعرّضَ على نحو مُتكرّر للعدوان البدني أو الانفعالي، ويشمل ذلك المضايقة، الاستهزاء، التهكّم، التهديد، التحرش، الإهانة، السخرية، الاستبعاد الاجتماعي والإشاعات”.

تكشف أرقام يوردها موقع “فوربس” أن 60 بالمائة من الموظفين الأمريكيين تعرّضوا للتنمر عام 2017.

… وبحثٌ آخر أجرته هيئة بريطانية كشف أن النساء في أماكن العمل يتعرضن لممارسات التنمر أكثر من زملائهن الرجال.

حتّى يكون التنمر تنمّراً!

تضبط اليونسيف سلوك التنمّر بثلاثة معايير: أن يكون متعمداً، متكرراً، وينطوي على اختلال في القوة.

ما من طفلٍ لم يتعرض لإغاظة أو مضايقة من قبل أخ أو صديق… تقول المنظمة إن سلوكا مثل هذا ليس بِضَارٍّ إن اتّسم بالدعابة والود المتبادل.

حتى من يُشاهد وحسب، يتأثر. يُسبّب لديه ذلك شعورا شديدا بالذنب، مع إحساس بالعجز، وشعورٍ بالقلق، فقد يكون… الضحية التالية!

لكنّه… يغدو تنمراً متى بات الكلام فيه جارحاً، مقصوداً ومتكرراً؛ يتعدى الخط الفاصل حيث يوجد قبلَه المزاح والمضايقات البسيطة…

اقرأ أيضا: نصف المغاربة يعانون من أمراض نفسية… الصحة النفسية بالمغرب: خدمات طبية “كارثية” ونظرة تحقيرية للمرض النفسي

والطّفل المتنمر دائما ما يستخدم قوّته… قد تكون جسدية، وقد تتخذ صيغة أخرى إذا كان يعرف معلومات حساسة أو محرجة عن الطفل المتنمّر عليه…

قد يضرب أو يسرق أو يُتلف أغراض ضحيّته…قد يشتم ويحتقر، يسخر، يُهدّد، ويطلق لقباً ما… قد يتجاهل، يُهمل، يستبعد، وينشر الشائعات عن ضحيته… غيرُ هذا من الصور يُعدّ ولا يُحصى!

لا يولد المرء مُتنمّراً!

في الغالب ما يُحدّد الأطفالُ المتنمّرون ضحاياهم من المختلفين عنهم؛ في الشكل مثلا، أو الخلفية الثقافية، أو الحالة الاجتماعية، أو من يعانون من مشاكل صحية أو إعاقات…

المتفوّقون أيضا عُرضةُ لأن يكونوا ضحايا، المنطوون، المُسالمون، وأيضا الوافدون الجدد إلى المدرسة أو الحي…

الانتحار ثاني سبب للوفاة بعد حوادث السير عند من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما… معلومةٌ مقلقة!

ثمة أسبابٌ شائعة أكثر من غيرها ليُصبح الطفل مُتنمّراً وفق اليونيسف… قبل كل شيء، أغلب هؤلاء كانوا ضحايا يوما ما!

… يشعرون بالإهمال في المنزل، بضُعفٍ يبرزونه على الأضعف منهم، يبحثون عن جذب الانتباه… ثمّ إنهم لا يدركون الأثر السيئ الذي يُخلّفونه على ضحاياهم.

اقرأ أيضا: العنف المدرسي بالمغرب: واقع اجتماعي”صعب” وغياب حلول “ناجعة”…

من هذه الآثار التي تَصِل في مراحل مُتقدّمة إلى الانتحار، كما تابعنا، فقدانُ التركيز والثقة في النفس، تراجع الأداء في المدرسة، الخجل الاجتماعي، الخوف من المواجهة… وغير ذلك كثير.

حتى من يُشاهد وحسب، يتأثر بالمناسبة. تقول المنظمة إن ذلك يُسبّب لديه شعورا شديدا بالذنب، مع إحساس بالعجز، وشعورٍ بالقلق، فقد يكون… الضحية التالية!

قبل أن يُصبح مُتنمّراً… أو ضحيّةَ تنمّر 

هناك علاماتٌ ينبغي على الوالدين التفطّن لها، سواء كان ابنهما مُتنمراً أو متنمراً عليه…

حين يُبرز الطفل سلوكا عدوانيا، ولا يُظهر أي تعاطف… يرغب دوما في أن يكون مُسيطراً، فهذه سمات طفل قد يتنمر في المدرسة.

أمّا الأهمّ، فألّا نُعلّم الطفل، مهما كان، أن يَردّ الأذى… بالأذى!

بينما لو كان فاقداً شهية الأكل، متقلّب المزاج، يعاني مشكلات في النوم، عليه ندوبٌ أو كدمات غيرُ مبررة، دائما ما تختفي أدواته… صار لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، فهذه سمات طفل قد يكون ضحية تنمّر.

اقرأ أيضا: أطفال مغرب اليوم… لكل زمن بيئته ولكل بيئة سلوكاتها! 2/1

لا ينبغي للوالدين، وفق الخبراء، أن يتجاهلوا أي علامة من هذا القبيل… ما يعدّونه مسألة عادية في حياة الأطفال من مضايقات قد لا يكون كذلك تماما!

ثمةَ نصائح كثيرة من أجل التصدي للتنمر، يُمكن إجمال بعض منها في مساعدة الأطفال على فهم ماهيته، الحفاظ على تواصل مفتوح معهم لمعرفة ما يدور في خلدهم، تشجيعهم على المشاركة في أنشطة للانخراط في المجتمع (تطوع، رياضة، موسيقى…)…

أمّا الأهمّ، فألّا نُعلّم الطفل، مهما كان، أن يَردّ الأذى… بالأذى!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *