خطاب التخوين بالمغرب: “الإرهابُ” و”الشّوفينية”… بكلّ بسَاطة! 1 - Marayana - مرايانا
×
×

خطاب التخوين بالمغرب: “الإرهابُ” و”الشّوفينية”… بكلّ بسَاطة! 1\2

التّخوين يشكل خطراً على وحدة المجتمع؛ بل هو خطر كبير على تنوعه الثقافي والاجتماعي… لأنّ الوطنية مثلاً، وإن كانت أمراً محموداً، يمكن أن تتحول إلى فاشِية قاتلة، إذ لا أحد في إمكانه مصادرتها لصالحه ومنع بقية المجتمع منها، لمجرد أن موقفه السياسي موافق لموقف النظام السياسي القائم

قد تكون أهم الملاحظات التي يسجلها متتبعو مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، أنّ شَعرة مُعاوية بين الإلحاد والإيمان غدت، اليوم، خيطا رقيقا يفصل بين المغربي/الوطني و”الخائن”…

بعد استئناف العلاقات مع إسرائيل، صارت الحِكايةُ أكثر وضوحا !

منذُ استئناف هذه العلاقات واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، ثمّة رغبة، انخرطَ فيها شقّ من الإعلام، لكبحِ جُموح كلّ الرّؤى المُخَالفة.

لم يجد مُحتكِرو مفهُوم الوَطنية، عبرَ شَبكاتِ البثّ المفتوح، سوى الإرهابِ النّفسي والقتل الرمزي، عن طريق خلقِ خطابٍ للتّخوين وإلباسهِ لكلّ من يقُول “لا”! تماما كما جنح معارضو العلاقات المغربية الإسرائيلية، إلى تخوين وتكفير المختلفين معهم…

خطابٌ يرى الكثيرون أنه لا يقِلّ خطورة عن تُهم الهرطقة والزندقة والإلحاد والكفر وغيرها من التهم، التي كانت تغتالُ معنوياً كلّ مخالف للتوجهات داخل الدّول “الإسلامية” أمس واليَوم!

التخوينُ كبديل للتّكفير!

في تصريح لـ”مرايانا”، لا ينكرُ أستاذ الفلسفة المُتقاعد، عبد الواحد رشيدي، أنّ التخوين معناه نزع صفة الوطنية عن المخالف، مما يمهد لاعتباره عدوا للدولة وللوطن، مع كل ما يستلزم هذا من رد فعل عدواني خطير.

الصعود المتنامي لقوى اليمين القومي في أوروبا وأمريكا ساهم بدوره في استنبات سلاح التخوين في وجه الآراء المخالفة.

وإذا كان التخوين هو نزع صفة الوطنية عن المخالف، يردفُ رشيدي، فإن التكفير يعني نزع صفة الإيمان عنه… أي اعتباره خارج نطاق الأمة. نفس الاستراتيجيا ونفس النتائج. والكل مبني على ثقافة رفض الاختلاف.

الاختلاف كان دائما موجودا وسيظل كذلك، إنما القبول به هو المعضلة التي لم نتخطَّها بعد، بسبب ثقافتنا اللاديموقراطية. الملاحظُ في تاريخنا، حسب رشيدي، أنه كلما كان المجتمع قوياً واثقاً من نفسه، كُلما كان هناك تسامح مع الاختلاف العقائدي رغم أنه الأكثر حساسية.

أمّا الحقوقي خالد البكاري، فيعتبر التخوين هو الوجه الثاني من عملة، وجهها الأول هو التكفير؛ لأن كلا هاذين المسلكين يعتمدان احتكار المشترك الرمزي (الدين / الوطن)، ولا يؤمنان بالاختلاف، ويسعيان للإقصاء، ويقتاتان من الخوف.

لذلك، فإنّ المَبادئ الكُبرى التي أسست لفكر حقوق الإنسان لم تقيد حرية الرأي، وأقرت بشرعية كل الخطابات وحقها في التعبير، إلا ما كان دعوة للكراهية أو العنف أو التمييز، باعتبار أن هذا الثلاثي هو النقيض للاختلاف. استثناء التمييز والكراهية والعنف من مجال المقبولية، راجع لكونها تهدد الحرية ذاتها.

المفروض هو ترسيخُ القيم الديموقراطية والدفاع عَنها، رغم ما يتطلبه هذا من عناء ووقت طويل، إنما الإصرار ضروري، لأن تاريخَنا الاستبدادي طويلٌ مديد

خطابات التخوين والتكفير تخاطب النزعات الغرائزية التي تمثل الجانب التدميري في الإنسان، لا الجانب التّواصُلي. كما تُحاول هذه الخطابات، وفق البكاري، إخفاء نواياها الإقصائية في ادعاء طهرانية تحجب المصالح المتخفية، والتي تكون غالباً مادية!

خطابات التكفير والتخوين تقوم على نفي الآخر: إما نحن أو هم. لذلك، فهي خطابات متشنجة، يقولُ الحقوقي.

اللافت، إذن، هو وُجود تقاطعات كثيرة بين الشموليات والتخوينية والتكفيرية ومعاداة الآخر. تقاطعات تكون بعض عناوينها الكبرى رفض التنسيب، كراهية الأقليات الدينية والعرقية والجندرية و… الذكورية الأبوية، التقليدانية، التعصب وغيرها…

التخوين.. شقيقُ الفاشيّة!

ينطلقُ البكاري في حديثه لـ”مرايانا” من مسلّمة أنّه لا يمكن لأي مؤمن بحرية التعبير، إلا أن يكون ضد أي شكل من أشكال التخوين، لأن هذا الفعل يقيم أسوارا في حقلٍ ماهيته هي الحرية، لاسيما أنّ التّخوين يهدف إلى أخطر أنواع القتل، وهو القتل الرمزي.

خطابات التكفير والتخوين تقوم على نفي الآخر: إما نحن أو هم. لذلك، فهي خطابات متشنجة.

من المعلوم، يستطردُ المتحدّثُ، أنّ استراتيجية التخوين في تدبير الاختلافات، تهرب من أداء ضريبة الحجاج والجدل الخلاق، نحو نصب مشانق رمزية، وخطورة التخوين أنه يسيد ثقافة الخوف والنفاق، ويفتح طريقا سياراً للرقابة الذاتية، مما يساهم في تشييد سلطة الرأي الواحد!

يمكنُ القول، أيضاً، حسب البكاري، إنّ التخوين ترتفع أسهمه، إما مع صعود الحركات الفاشية، أو تحت رعاية الأنظمة الشمولية. وإنما الهتلرية والستالينية والمكارثية لنماذج دالة… كما أن التخوين يفتح المجال لعودة السلطوية بقوة في منطقتنا، مترافقة مع انتصار الثورات المضادة، حيثُ يمكن اعتبار مصر منذ صعود السيسي مختبرا لدراسة ظاهرة التخوين.

لا يبرّئُ البكاري الصعود المتنامي لقوى اليمين القومي في أوروبا وأمريكا من دوره في استنبات سلاح التخوين في وجه الآراء المخالفة.

استثناء التمييز والكراهية والعنف من مجال المقبولية، راجع لكونها تهدد الحرية ذاتها

البكاري لم يُخفِ تخوّفه من تمدد الخطاب التخويني ببلادنا، لضرره على الوحدة الوطنية، وهي أسمى من الوحدة الترابية، وعلى الحريات والحقوق، وعلى مستقبل الحداثة بما هي صنو للمدنية والاختلاف.

من ذات المنطلق، يعتبرُ عبد الواحد رشيدي أن التّخوين  يشكل، بالفعل، خطراً على وحدة المجتمع؛ بل هو خطر كبير على تنوعه الثقافي والاجتماعي… لأنّ الوطنية مثلاً، يرى المُتحدث، وإن كانت أمراً محموداً، يمكن أن تتحول إلى فاشِية قاتلة، إذ لا أحد في إمكانه مصادرتها لصالحه ومنع بقية المجتمع منها، لمجرد أن موقفه السياسي موافق لموقف النظام السياسي القائم.

يبدو هُنا أنّه لا حل لكل هذا، إلا بالاعتقاد الراسخ بأن الاختلاف طبيعة إنسانية لا سبيل للقضاء عليه أبدا…

المفروض، يقولُ أستاذُ الفلسفة المُتقاعد، هو ترسيخُ القيم الديموقراطية والدفاع عَنها، رغم ما يتطلبه هذا من عناء ووقت طويل، إنما الإصرار ضروري، لأن تاريخَنا الاستبدادي طويلٌ مديد.

فهل لسياسات الدولة والأسرة والمجتمع دور في خنقِ مفهوم الاختلاف؟

هذا ما سنراهُ في الجزء الثاني من هذا الملف!

 

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *