خطاب التخوين بالمغرب… أفرادٌ على وزن قُضَاة وسياساتُ الدولة موضع جدل! 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

خطاب التخوين بالمغرب… أفرادٌ على وزن قُضَاة وسياساتُ الدولة موضع جدل! 2/2

يأخذُ التخوين أحياناً منطق الدفاع عن مصالح الدّولة وسياساتها الخارجية عند الأفراد، بما أنّها سياسات وطنية… حتى لو لم تكن هذه السياسات نابعة من اختيارات المواطن، ولكنّه يواكبها طواعيةً، باعتبارهِ “مُواطناً صالحاً”!

لم يعد التخوين بذلك الثّقل والخطورة، بل أصبح اليوم كلعبةٍ ورق، يترامى بها الأفراد على مواقع التّواصل الاجتماعي، في تجسيد لسلطوية الجمهور القائمة على الإقصاء.

في مجتمع تقليدي مثل مجتمعنا، حيث الثّقافة التقليدية طاغية، وحيث الاختلاف مذمّة، وحيثُ الكثيرون لم ينشؤوا على احترام الاختلاف في الرأي، لا في الأسرة ولا في المدرسة ولا الشارع، كما يقولُ عبد الواحد رشيدي  في تصريحه لـ”مرايانا”، فإن أي فكرة مخالفة، تكون مرفُوضة مسبقاً، مما يعني ألا حرية في التعبير إلا بما يوافِق الجموع.

أفرادٌ على وزنِ قُضاة!

يرى أستاذ العُلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال/ الرباط عبد الحميد بنخطّاب، في تصريحٍ لـ”مرايانا”، أنّ القضاء هو وحدهُ المخوّل له البتّ في الخيانة، وليس الأفراد الذين يحاكمون كلّ من لاحظوا أنّه يعبّر عن موقف مخالف للجماعة، ويوزعون صكوك الوطنية والمواطنة.

التخوين، وفق المتحدّث، لا يخدمُ سياسَة الدّولة، ولا يعبّرُ عن وطنية صادقة ولا يحتَرم القانون ولا الأخلاق السّياسية، التي يُفترض أن تسهم في تغذية النقاش العام.

خطابُ التخوين يهدمُ إرهاصات دولة القانون والمؤسسات، ويجهضُ حتّى مفهُوم الدولة المدنية، بمَا هي حاضن للاختلاف، فخطاب التخوين يضع الأفراد أمام تيمة الإقصاء للآخر ورفضه، في حين تقوم الدولة المدنية على العيش المشترك بين كل الأطياف والألوان، يقول بنخطاب.

 من يسلكُ خطاب التخوين كطريق سهل، فهو يسعى، بشكل صريح أو ضمني، إلى خلق نوعٍ من “الإجماع” السّياسي الذي لا يخدم لا الدّيمقراطية ولا السّياسة في حد ذاتها، لأنّه يدخلها في قلعة واهنة من الأوهام التي قد تتدمّر بمباشرة انقلاب اللعبة السّياسية!

عندما يضع الأفراد أنفسهم محلّ القضاء، يرى أستاذ العلوم السياسية، يكون ذلك دليلا على سُفه وخُبث، إضافة إلى غياب نضج الوعي التعددي وحرية التعبير والحق في الاختلاف، وهذا يشكّل أزمة على مستوى السّلطوية أيضاً.

فسلطوية الجمهور بدورها تُشكّل خطراً على الدّولة والمؤسسات، لأنّه حين “يحَاكم” فرد غريمه بالخيانة، فهو يفتحُ باباً للانتقام منه، عبر سيلٍ من التعليقات وحملات التّشهير ودعوات الشّيطنة والتشكيك في النوايا والمقاصد، التي لصاحبها الحقّ في اعتناقها. لكن “الدّهماء” تحاول سلبهُ هذا الحق بسلك طريق التخوين، باعتبارها تبحثُ عن وهم… وهو “الإجماع”.

التخوينُ ووهمُ الإجمَاع!

لا شكّ أنّ النقاش العمومي أو السياسي على وجه الخصوص، لا ينبني على الإجماع بقدر ما ينبني على ضرورة استيفَاء شرط الإقناع.

لذلك، يذهبُ أستاذ العلوم السّياسية إلى أنّ من يسلكُ خطاب التخوين كطريق سهل، فهو يسعى، بشكل صريح أو ضمني، إلى خلق نوعٍ من “الإجماع” السّياسي الذي لا يخدم لا الدّيمقراطية ولا السّياسة في حد ذاتها، لأنّه يدخلها في قلعة واهنة من الأوهام التي قد تتدمّر بمباشرة انقلاب اللعبة السّياسية!

القضاء هو وحدهُ المخوّل له البتّ في الخيانة، وليس الأفراد الذين يحاكمون كلّ من لاحظوا أنّه يعبّر عن موقف مخالف للجماعة، ويوزعون صكوك الوطنية والمواطنة

ينحازُ بنخطاب إلى هذا الرأي، معتبراً أن وجود مؤسسات تجمع تلاوين سياسية مختلفة، هو بحثٌ عن رؤى متغايرة من مدارس مختلفة، يسارية ويمينية. السّياسة لا تتغيّى بالضّرورة إنتاج مواقف تعبّر عن إجماع، بقدر ما تبحثُ عن محاججة وإقناع.

لعل التربيةُ والتّنشئةُ وحدهما، من شأنهما أن يبعَثا نفساً جديداً في مفهوم الإجماع، باعتباره مسألة بعيدة المنال، والبحثُ عنه، اليوم، يكون كما البحث عن الوهم والسّراب، يختمُ أستاذ العلوم السياسية!

في هذا السّياق، يضربُ عبد الواحد رشيدي المثل بوضعية البريكسيت، إذ منذ أن تم الإعلان عن الاستفتاء بشأنه إلى الآن، حيث خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم نسمع من أحد لغة التخوين اتجاه مناصري البريكسيت، سواء في بريطانيا أو في الاتحاد الأوروبي، رغم أنّ الأمر لم يحصل فيه إجماع.

وقد كان النقاش، الحاد أحيانا كثيرة، منصبا على المصلحة والفائدة المرجوة.

يمكننا أن نتصوّر ما الذي يمكن أن يحدث، كما يذهبُ رشيدي، لو كان الأمر متعلقا بإحدى الدول العربية أو الإسلامية في علاقتها مع جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، رغم أنها علاقات سطحية أقل بكثير من وضعية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

أيّ دور للدّولة؟

لا ينفي خالد البكاري اعتقاده بأنّ الأمرَ مرتبِطٌ بكونِ الدّولة، عبر المدرسة والإعلام، وحتى القوانين، ولسنين طَويلة، تحَاول تنميط المواطنين في بروفايل تسميه: المواطن الصالح.

منذ أن تم الإعلان عن الاستفتاء بشأن اليريكست إلى الآن، حيث خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم نسمع من أحد لغة التخوين اتجاه مناصري البريكسيت، سواء في بريطانيا أو في الاتحاد الأوروبي، رغم أنّ الأمر لم يحصل فيه إجماع

وهو مواطن، يقول البكاري: “يفترضُ أن يكون مسلماً، مالكيّ المذهب، أشعريّ العقيدة، وأن يكون ملكياً بالضرورة، وأن يساير القرارات الكبرى للدولة في قضايا سياسية من طبيعتها أن تخضع للاختلاف”.

في قضية الصحراء مثلاً، يضيف المتحدث، “تم تخوينُ من قالوا باحترام حق الصحراويين في تقرير المصير، كما تم تخوين من رفضوا الاستفتاء في مرحلة ما، من منطلق أن الصحراء مغربية؛ مما يُفهم منه أن الموقف الذي يراد له أن يكون الموقف الوطني هو الموقف الذي تعبر عنه الدولة”.

لقد وصلت الأمور اليوم إلى حدود الاستثمار في “الشوفينية” المقيتة، والتي من تجلياتها مثلاً، هذه المعارك الافتراضية بين “المغاربة” و”الجزائريين”، حيث، إلى عهد قريب، كان هناك حرص على التفريق بين النظام الجزائري العسكري وبين الشعب الجزائري الذي، باعتبار انتمائه للفضاء المغاربي، هو جزء من عمقنا الثقافي واللغوي والحضاري، وفق الحقوقي.

في نهاية حديثه مع “مرايانا” يقول البكاري: “للأسف، هناك جزء من السلطة يستثمر في الشوفينية الوطنية”!

في النهاية… فإنّ الإلحاد وجد لنفسه مكاناً في المُجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية، كما تشهد على ذلك آراء الرواندي والمعري والرازي، يقول الرشيدي. لكن، في ظل تقهقر المجتمع وضعفه، صار الاختلاف تهمة يتملص منها كل ذي رأي حر خوفا من النتائج الوخيمة للمجتمع إلى اليوم…

في المُحصلة، يتّضح أنّ وسائل التّواصل الاجتماعي لم تفجّر سوى المكبوتات الرافضة للاختلاف التي يجترّها التراث إلى اليوم، ولو كان ذلك على حساب الوطنية والعيش المشترك والتّسامح وتمزيق المجتمع…

فهل ينبغي على الدّولة إدراج مفهوم الاختلاف في السّياسات التّربوية؟

يوما ما، ستجد الدولة نفسها في أمسّ الحاجة إلى ذلك… ربما!

اقرأ أيضا:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *