من تاريخ الخمر: العصر الأموي… الخليفة يريد إحداث مقصف على الكعبة ليشرب فيه الخمر مع ندمائه! (الجزء السادس) - Marayana - مرايانا
×
×

من تاريخ الخمر: العصر الأموي… الخليفة يريد إحداث مقصف على الكعبة ليشرب فيه الخمر مع ندمائه! (الجزء السادس)

دأب بعض دارسي التاريخ الإسلامي على القول إن انتشار “المجون” والخمر في المجتمعات الإسلامية بدأ مع العصر العباسي. بيد أن المراجع التاريخية تشير إلى أن بداية ذلك تعود في الحقيقة إلى العصر الأموي، كما سنتابع في هذا الجزء السادس.

بعدما تابعنا في الجزء الخامس حكاية اختلاف الآراء بين شرب الخمر وشرب النبيذ في صدر الإسلام، نواصل الملف في جزئه السادس، هذه المرة مع حكاية الخمر في العصر الأموي.

نشير دائما إلى أننا نعتمد في هذا الملف، على مؤلف الكاتب والروائي اليمني، علي المقري، “الخمر والنبيذ في الإسلام”.

انتشار “المجون” والخمر ابتدأ في المجتمعات الإسلامية مع العصر العباسي. هكذا دأب على القول بعض دارسي التاريخ الإسلامي. بيد أن المراجع التاريخية تشير إلى أن بداية ذلك، تعود في الحقيقة إلى العصر الأموي.

في هذا العصر، يقول المفكر المصري محمد سعيد العشماوي في كتابه “الخلافة الإسلامية”، انتشر “شرب الخمر والتشبيب بالنساء حتى في موسم الحج، واللهو واللعب، والغناء والرقص، والتخنث واللواط. وامتلأت مكة والمدينة -أرض الحرمين- بالمغنين والمغنيات”.

بلغ من أمر الخليفة الوليد بن يزيد مع “المجون”، ما لم يبلغه خليفة قبله. المراجع التاريخية والدراسات المعاصرة، وفق علي المقري، تؤكد أن الوليد، الذي كان شاعرا بالمناسبة، كان  شغوفا بشرب الخمر واللهو والمثلية الجنسية.

أيامذاك، اشتهرت مجالس الشرب والمنادمة لدى الخلفاء، بخاصة منهم، يزيد بن معاوية، ويزيد بن عبد الملك، وابنه الوليد بن يزيد.

كان بعض خلفاء بني أمية، تقليدا للفرس، يضعون ستارة بينهم وبين الندماء، بينما لم يكن الباقون، وفق العشماوي، يتحاشون الرقص والتجرد أو أن يحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين.

اقرأ أيضا: العكاكزة: قصة طائفة مغربية جعلت من الجنس الجماعي وزواج الكبيرة بالصغير طقوسا تعبدية 1\3

بل إن الخليفة يزيد بن معاوية، عرف عنه شرب الخمر، حتى قال فيه ابن كثير: “كان (يزيد) قد اشتُهر بالمعازف، وشُرب الخمر، والغناء والصيد، واتخاذ الغلمان والقيان، والكلاب والنطاح بين الكباش، والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخموراً، وقد لقبه الناس بـ”يزيد الخمور”.

كما جاء في “مروج الذهب ومعادن الجوهر” للمسعودي، أن يزيدا بن معاوية كان “صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب… وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنى بأبي قبيس يحضره مجلس منادمته، ويطرح له متكأ”.

مما قاله يزيد بن معاوية في وصف الخمر:

ومدامة حمراء في قارورة … زرقاء تحملها يد بيضاء

فالخمر شمس والحباب كواكب … والكف قطب والإناء سماء

نادَم يزيد، الأخطل، الشاعر المشهور بخمرياته، والمغني سائب خاثر، الذي رقص على غنائه ذات مرة حتى سقط، كما يورد الباحث المصري جمال سرحان في كتابه “المسامرة والمنادمة عند العرب حتى القرن الرابع الهجري”.

لم يعرف عن الخليفة عمر بن عبد العزيز شرب الخمر، لكنه كان يوجه بعدم ملاحقة الشاربين.

من جهته، بينما كان عبد الملك بن مروان يلقب قبل الخلافة بـ”حمامة المسجد”، لاجتهاده في العبادة، أخذ حين آلت إليه الخلافة يشرب الخمر.

دأب ابن مروان أيضا على منادمة الأخطل، الذي كان يدخل عليه ثملا، حتى إنه أنشد مرة:

إذا ما نديمي علّني ثم علّني … ثلاث زجاجات لهن دير

دخلت أجرّ الطرف زهوا كأنني … عليك أمير المؤمنين أمير

الأخطل، بالمناسبة، كان مسيحيا ورفض دخول الإسلام لأنه كان شغوفا بالخمر في وقت كان فيه بعض ولاة المسلمين يحدون شاربه، يذكر الرقيق القيرواني في “قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور”، كما أوردنا ذلك في الجزء الرابع من هذا الملف.

أما الخليفة عمر بن عبد العزيز، فلم يعرف عنه شرب الخمر، لكنه كان يوجه بعدم ملاحقة الشاربين.

اقرأ أيضا: سقوط غرناطة… آخر ممالك المسلمين في إسبانيا 3\10

جاء في طبقات ابن سعد أن عبد المجيد بن سهل (حفيد عبد الرحمن بن عوف) قال: “قدمت خناصرة (بلدة سورية) في خلافة عمر بن عبد العزيز وإذا قوم في بيت أهل خمر وسفه ظاهر، فذكرت ذلك لصاحب شرطة عمر، فقال: قد ذكرت لعمر بن عبد العزيز، فقال: من وارته البيوت فاتركه”.

كان بعض خلفاء بني أمية، تقليدا للفرس، يضعون ستارة بينهم وبين الندماء، بينما لم يكن الباقون يتحاشون الرقص والتجرد أو أن يحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين.

خلاف هؤلاء، بلغ من أمر الخليفة الوليد بن يزيد مع المجون، ما لم يبلغه خليفة قبله. المراجع التاريخية والدراسات المعاصرة، وفق علي المقري، تؤكد أن الوليد، الذي كان شاعرا بالمناسبة، كان  شغوفا بشرب الخمر واللهو والمثلية الجنسية.

العشماوي يذكر في هذا الصدد أن الوليد كان مولدا للمعاني والأفكار والتعبيرات حتى قيل إن أبا نواس نقل عنه أكثر أغراضه ومعانيه.

عندما توفي هشام بن عبد الملك، وبشر الوليد بالخلافة، أنشد يقول:

طاب يومي ولذ شرب السلافة… وأتانا نعي من بالرصافة

وأتانا البريد ينعى هشاما… وأتانا بخاتم الخلافة

فاصطحبنا من خمر عانة صرفا… ولهونا بقينة عرافة

ولع الوليد بالخمر جعله يستدعي خبرة رجل يدعى شراعة بن الزنبود، كان خبيرا في الخمور، ليتخذه نديما من جهة، وليستشيره في اختيار الندماء من جهة أخرى.

اقرأ أيضا: هكذا نشأت فكرة “الشيطان” لدى الإنسان الأول وتطورت حضارة بعد حضارة ودينا بعد دين 1\4

جاء في “المسامرة والمنادمة عند العرب حتى القرن الرابع الهجري” لجمال سرحان، أن الوليد، لعنايته بندمائه وحرصه على ألا يخرجوا سكارى من قصره، كان يقدم للذين يتغلب عليهم الشراب دار الضيوف في قصره ليناموا فيها، فيبقون هناك إلى أن يفيقوا من خمارهم.

أما أكبر ما أقدم عليه الوليد، فكان محاولته وضع مقصف على الكعبة ليشرب فيه الخمر مع ندمائه، يذكر العشماوي في كتابه “الخلافة الإسلامية”.

العشماوي يذكر أيضا قصة تقول إنه حدث ذات يوم أن استفتح الوليد بالمصحف فظهرت له آية “وخاب كل جبار عنيد”، فكان أن مزقه ضربا بالسهام، وهو يسبح في حوض من الخمر، يقول:

أتتوعد كل جبار عنيد … فها أنا ذا جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر … فقل يا رب مزقني الوليد

الوليد بن يزيد، بالمناسبة، قتل عام 126هـ، وهو في الـ 38 من العمر، بسبب إغراقه في المجون واللهو.

في الجزء السابع والأخير، نتابع حكاية انتشار الخمر ومظاهر ذلك في العصر العباسي.

لقراءة الجزء الأول: من تاريخ الخمر: في البدء كان شراب الخلود (الجزء الأول)

لقراءة الجزء الثاني: من تاريخ الخمر: ما حكاية تدرج الإسلام في النهي عن شرب الخمر؟ (الجزء الثاني)

لقراءة الجزء الثالث: من تاريخ الخمر: هل انتهى القرآن إلى تحريم الخمر حقا؟ (الجزء الثالث)

لقراءة الجزء الرابع: من تاريخ الخمر: هل شرع القرآن والسنة عقوبة لشارب الخمر؟ (الجزء الرابع)

لقراءة الجزء الخامس: من تاريخ الخمر: النبيذ غَيرُ الخمرِ… وفي الإسلام، البعض اعتبر شربه سُنّة! (الجزء الخامس)

لقراءة الجزء السابع والأخير: من تاريخ الخمر: المجون العباسي… لأول مرة، تخصيص موظفين برواتب في البلاط مكلفون بشؤون الشراب! (الجزء السابع والأخير)

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *