هزيمة البيجيدي في استحقاقات 2021… هل لأيديولوجيا الإسلام السياسي حظّ من السّقوط؟
هل الذراع الدّعوي لحزب العدالة والتنمية سيحاول الركوب على هذه الخَيبة، لتجييش بعض المتعاطفين للتّشويش وخلق البلبلة، أم سيقتنع بأنّ الأيديولوجيا التي يحملها باتت تقضي نحبها وانهارت صورتها المعيارية بسبب تقلّبات زعماء الجناح السّياسي، الذي يمثله البيجيدي؟
ملخصّ الحكاية أنّ الشّعب الذي وثق في حزب العدالة والتنمية في 2011 و2016، قرّر معاقبتهم أسوأ عقاب ممكن… “قتلهم سياسياً” وأطفأ مصباحهم، بعد أن اشتغلت بهم الإدارة والنظام.
بعد حصوله على 125 مقعدا في البرلمان سنة 2016، مُني البيجيدي بهزيمة نكرَاء، جعلته يحصدُ 13 مقعداً في 2021. ولولا ذلك القاسم الانتخابي الذي اعتبره الإسلامويون مؤامرة ضدهم لتحجيم اكتساحهم للبرلمان، لكانت النتيجة أشد كارثية… حتى الــ13 مقعدا، لم يكونوا ليحصلوا عليها بالكامل.
كان لهذه الهزيمة ما بعدَها، إذ قدّمت الأمانة العامّة استقَالتها، وبدأت الأسئلة تتقاطر: هل هي مؤشر على اندحار أيديولوجيا الإسلام السّياسي؟ كيف يعقل أن يُسقِطَ شعبٌ، غالبيته مُحافظة كما قال البيجيدي دائما، حزباً بمرجعية دينية؟ … كيف يمكن أن ينتشي شعبٌ مسلمٌ بسقوط حزب إسلامي؟
البيجيدي أضعفَ الوظِيفة العُمومية واعتَدى على مصَالح الطّبقة المتوسّطة، ونبش في تقَاعد الموظّف وفرض “تعاقُد” الأستاذ وحرّر الأسعَار وألقى بالمواطن بين مخالب قانون السّوق.
لعلّ الرسالة الأهم التي ينبغي أن تُلتقطَ هي هزيمة الإسلام السياسي عن طريق صناديق الاقتراع، وأن الأولوية، حتى بالنسبة لشعب مسلم، هي الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية وليس الخطاب الديني.
هذا السّقوط عضّد خصوصية التجربة المغربية في محيط دولي غير مستقر، فيه دول دفعت تكلفة باهظة جداً لإزاحة الإسلاميين من الحكم أو من التواجد في السّلطة.
في الأسبَاب…
يقول الكاتب والمتتبع للشأن السّياسي، عبد الرّحيم التّوراني، إنّ نتيجة السّقوط تلك التي عصفت بالبيحيدي من السلطة كانت منتظرة، وإن لم تكن بهذا الحجم الكبير من السقوط المدوي لإخوان العدالة والتنمية. هي قطعاً هزيمة مؤلمة لسعد الدين العثماني رئيس الحكومة وأمين عام “البيجدي”، صحبة عدد من القياديين البارزين في هذا الحزب الإسلامي.
قفز بنكيران، ومن معه، من لغة الأخلاق، التي كانت مُطيتهم قبل 2011، إلى لغة القانون لتبرير الامتيازات، وانخرطوا في حلف الريع والتعويضات.
التوراني يؤمن أن كل شيء كان معدا لإنزال “البيجيدي” من صهوة الحكومة، وقد تأخر هذا خمس سنوات؛ إذ كان منتظرا في الانتخابات السابقة سنة 2016، إلا أنه، في اللحظات الأخيرة، تمت إعادة النظر في التخلي عن الإسلاميين.
لكن “البلوكاج”، في نظر المتحدّث، حضر بقوة وأخذ وقتاً طويلاً أكثر مما ينبغي لفكه، حتى تمت الموافقة على الإتيان بشخص بديل عن بنكيران، رئيس حكومة ممحي الشخصية وقليل الكلام على عكس سلفه بنكيران.
العثماني لم يكن سوى شخصاً مستعدا “لتنفيذ كل ما يطلب منه، وأبرز مثال إقدامه على التّوقيع على وثيقة إعادة العلاقات مع إسرائيل، من دُون أن يكون قد اطلع عليها من قبل أو أخذ بها علما. وقد بدا ذلك واضحاً من ارتباكه ومحاولته سرقة نظرة إلى الوثيقة الموقعة التي أمسك بها بين يديه ليبرزها للكاميرات وهو يقف بين صهر ترامب، جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات”.
لقد “نسي” العثماني أنّه كان يقول ويكتب “إنّ التّطبيع خيانة”، وأنّه كان يهتِف أمام البرلمان في المظاهرات المسانِدة لفلسطين، وهو فوق الأكتاف بـ“الموت لإسرائيل”.
الإسلاميون من “البيجيدي” فقدوا ثقة الشعب والجماهير، وزادت أفعالهم وتناقضاتهم وتقلباتهم من ارتفاع نسبة العزوف والمقاطعة للانتخابات. يكفي أن نذكر ما راكموه من غنى فاحش، وأن نذكر الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه بنكيران (تسعون ألف درهم شهريا) إضافة إلى الامتيازات الأخرى، يقول المتتبع للشأن السياسي المغربي.
يزداد الأمر “قرفاً” حين نربط معاش عبد الإله بنكيران بقوله في البرلمان: “غرغري أو لا تغرغري” حين كان في المعارضة؛ بمعنى أنه يرتضي حياةَ الزهد سبيلاً، وهو ما أثبت الواقع عكسه… إذ قفز “الإخوان” من لغة الأخلاق، التي كانت مُطيته قبل 2011، إلى لغة القانون لتبرير الامتيازات، وانخرط في حلف الريع والتعويضات.
يجد محلّلون أنّ البيجيدي أضعفَ الوظِيفة العُمومية واعتَدى على مصَالح الطّبقة المتوسّطة، ونبش في تقَاعد الموظّف وفرض “تعاقُد” الأستاذ وحرّر الأسعَار وألقى بالمواطن بين مخالب قانون السّوق.
فيما يجملُ التّوراني حديثَه مع مرايانا، أنّ المهم هو انتهاءُ صلاحِية حزب “المصباح” بما له وما عليه، وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على تنظيم الحزب الإخواني وابتعاد أنصاره عنه بعد مغادرته لكراسي السّلطة.
إلاّ أنّ المفارقة التي يدفع بها الباحث في القانون الدّستوري والعلوم السياسية، عبد الحكيم كريم، في حديثه مع مرايانا، أن الحزب الوحيد الذي عارض القاسم الانتخابي، هو المستفيد الأساسي منه اليوم، فالظّاهر أن الآلية أنقذت حزب العدَالة والتّنمية من الخُروج من المؤسّسات بشكل نهائي.
عنصر المفاجأة هنا، وفق عبد الحكِيم كريم، هو هذا السّقوط المدوي للحزب، فلا أحد كان يتوقّع هذا السيناريو الأشبه بالقتل الانتخابي لحزب محسوب على التيار الإسلامي.
فهل هي بداية أفول آليات اشتغال الخطاب الإسلاموي أو الإخواني بوجه خاص؟
الإسلام السّياسي… ما بعد الخيبة!
يرى سعيد نشيد، الباحث في الفلسفة، أنّ المؤشرات تقول إن الأيديولوجيا الإسلامية في تراجَع، في كلّ مكانٍ في العالم، وخصوصاً في المغرب، لأن الثقافة المغربية الدينية القديمة كانت سمحة ومنفتحة، لكنّ استئساد الفقه القادم من الشّرق، واحتكاره للتأويل، ساهم في انتِشار أفكار الإسلام السّياسي حتى وصلوا إلى الحكومات بعد ثورَات ما سمي بالرّبيع العَربي.
نشيد، في تواصُله مع مرايانا، يعتقدُ أنّ لكلّ بلد طريقة أنهى بها تجربة الإسلاميين في المنطقة على غرار تونس ومصر. لكنّ المغرب أزالهم بشكل حضاريّ وبدون صدام أو ضجيج، عن طريق صناديق الاقتراع، التي سبق وزايدوا بها على الجميع… على المجتمع والنخبة المثقفة والطبقة السياسية والدّولة نفسها.
الإسلاميون من “البيجيدي” فقدوا ثقة الشعب والجماهير، وزادت أفعالهم وتناقضاتهم وتقلباتهم من ارتفاع نسبة العزوف والمقاطعة للانتخابات. يكفي أن نذكر ما راكموه من غنى فاحش، وأن نذكر الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه بنكيران (تسعون ألف درهم شهريا) إضافة إلى الامتيازات الأخرى…
من إنصاف التاريخ، يضيف المتحدث، أنّ صناديق الاقتراع، التي اعتبروها دليلاً دامغاً على الشّرعية والمشرُوعية، انقلبت عليهم. وكما حملتهُم إلى السياسة للترويج لخطاباتهم ذات المرجعية الإسلامية أزالتهم منها بكلّ بسَاطة.
مآل “هذه الأيديولوجيا، أوضَحه سقُوط البيجيدي، بأنّها تعيشُ إفلاساً حقيقيًّا، وأنّها لم تعُد قادرة على الحَشد والتّعبئة، لكون العالم يسير في فلك اضمحلال الأيديولوجيات”، يضيف ناشيد.
الإسلاميون المغاربة تراجعت عملتهم الرّمزية، بعد أن كشَفت عشرة سنوات من التّسيير أنهم، كما يقول المغاربة، يأكلُون مع الذئب ويبكون مع الرّاعي، وانهارت أوهام الزّهد ومحاربة الفسَاد، فتولّدت لدَيهم خيبة ونوع من التّصدّع في النّهاية.
نشيد يُحذّر من موجة كاسِحة من العدمية، بعد هذه الخَيبة التي تجرّعوا مرارتها سياسيًّا ومجتمعيًّا وحتى أيديُولوجيًّا. “ستراهم الآن عاجزين عن إقناع المُواطنين بأفكارهم، وهو دليل قطعي على اندحار هذه المرجعية وعودتها إلى مستوى منعدم التأثير، لأن الخطاب السياسي خطاب للمصالح والتدافع العقلي أولاًّ وأخيراً”.
فهل الذراع الدّعوي لحزب العدالة والتنمية سيحاول الركوب على هذه الخَيبة، لتجييش بعض المتعاطفين للتّشويش وخلق البلبلة، أم سيقتنع بأنّ الأيديولوجيا التي يحملها باتت تقضي نحبها وانهارت صورتها المعيارية بسبب تقلّبات زعماء الجناح السّياسي، الذي يمثله البيجيدي؟
في الأخير، يصعبُ الجزم حقيقةً هل هو اندحار سياسي أم اندحار أيديُولوجي. لكنّه، بكلّ واقعية، أسوأ انحدار طرأ في تاريخ الانتخابات التشريعية المغربية؛ إذ ليسَ سهلاً، البتّة، أن تقفز من المركز الأول إلى المركز الثّامن… دفعةً واحدة!
مقالات قد تثير اهتمامك:
- بعد تصدّره استحقاقات 2021… ماذا يعني فوز حزب أخنوش؟
- ما بعد 2020… نهايةُ الإسلاميين سياسياً بالمغرب قد تكون وشيكة والعالم بكامله بلا معالم! (5/6)
- سعيد بنگراد: إدريس الأزمي تنكّر لله ذاته ومنطق الريع شبيه بـ”كل ما من شأنه”
- هشام روزاق يكتب: الديبخشي: حين يجوع الثعبان… يأكل نفسه !
- ملفّ الأسَاتذة المُتعاقدِين… حلمُ “الإدمَاج” الذي أنهكه “القمع”!
- هشام روزاق يكتب. ذكرى 20 فبراير وبنكيران: زمن “التقاعــس” الاستثنائي
- من كندا، عبد الرحمان السعودي يكتب: من هو عبد الإله ابن كيران؟
- الأزمي والديبشخي: انتحاري فجر نفسه “بيليكي”
- هشام روزاق يكتب: “القدس” في “العيون” المغربية… هوامش على دفتر “الفقصة”