البوليساريو… من حركة تحررية إلى انفصالية: أولى الخطوات على درب الجزائر
بعد لقائه بعبد الرحيم بوعبيد، سيتوجه الوالي مصطفى السيد إلى باريس محملا برسالة من محمد الخصاصي لمقابلة بعض أعضاء الجناح الثوري للاتحاد، ومن ثم… ستكون الوجهة صوب وهران بالجزائر.
بدأت الأطراف تجد عناصر مشتركة، أو نقاطا للتعاون؛ فالتنظيم السري يوفر الدعم اللوجيستيكي والمالي للصحراويين بقيادة الوالي مصطفى من أجل طرد الاستعمار الإسباني، ثم يصبح الجنوب بؤرة ثورية لإسقاط النظام.
إلى هذه اللحظة، لم يكن لدى أي طرف نزوع انفصالي، فقد كان الهم وطنيا خالصا.
وجد عدد من الشباب أنفسهم بعد أحداث طانطان في مواجهة متابعات الأجهزة الأمنية المغربية، بينما نال آخرون حقهم من الاستنطاقات المصحوبة بالتعذيب، وهو ما ورث حقدا في نفوس البعض منهم.
بعد ذلك… سيتم إطلاق سراح عدد من المعتقلين.
صوب الجزائر… على درب التنظيم السري
ضاقت الدائرة إذن على الطلبة الصحراويين، فقرر البعض أن يغادر صوب الجزائر، التي كانت خلال تلك المرحلة، تستقبل معارضي الحسن الثاني، سواء من حملة السلاح أو القلم. فر بعضهم عن طريق الحدود الشرقية، بإرشاد ممن خبروا الطرق من قدماء جيش التحرير، أو المنتمين للجناح المسلح للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
في ذات الوقت، كان الوالي مصطفى السيد قد بدأ الاتصال باتحاديي الخارج.
بحسب رواية أحمد الطالبي (المنشورة في جريدة الطريق العدد 334 أكتوبر 2020)، أحال عبد الرحيم بوعبيد الوالي مصطفى على محمد الخصاصي، الذي كان أحد المكلفين بالتنسيق مع اتحاديي الخارج.
من ثم، سيسافر الوالي وبصحبته رسالة من الخصاصي إلى باريس لمقابلة بعض أعضاء الجناح الثوري للاتحاد، ومن ثم… ستكون الوجهة صوب وهران بالجزائر.
في وهران… سيقيم الوالي في بيت الحسين الخضار، الذي كان مخصصا لاستقبال اللاجئين والمنفيين وضيوف التنظيم. هناك سيلتقي الوالي بأبرز شخصيتين في التنظيم، هما محمود بنونة والنمري (إبراهيم التيزنيتي).
كان هذا الأخير قائدا ضمن جيش التحرير المغربي في الجنوب، وكان متمكنا من الجغرافية البشرية والاقتصادية والطبيعية للصحراء. أما بنونة، فقد كان مسؤولا عن التكوين النظري والعسكري لأفراد التنظيم؛ ثم في مرحلة لاحقة سيلتقي الوالي مصطفى بالفقيه البصري.
دار الحديث بين الوالي والقيادات في هذه اللقاءات حول الوضع في المغرب، وإمكانية دعم التنظيم لحرب تحررية في الصحراء؛ كما قدم لهم المذكرة التي سبقت الإشارة اليها، والتي ترصد الوضع في الصحراء، وتعترف بمغربيتها.
الجنوب … البؤرة الثورية … الحلم
صادف الحديث هوى في نفوس القيادات، فالفقيه البصري، الذي كان أحد أبرز قيادات جيش التحرير، ومن الذين عارضوا بشدة تفكيك هذا الجيش، كان مصرا على استكمال تحرير الجنوب المغربي، وكانت هذه من بين أبرز نقاط الخلاف مع النظام في المغرب. في ذات الوقت، كانت فكرة البؤرة الثورية أخذت تختمر عند باقي القيادات في خضم الاستعدادات لأحداث مولاي بوعزة.
بدأت الأطراف تجد عناصر مشتركة، أو نقاطا للتعاون؛ فالتنظيم السري يوفر الدعم اللوجيستيكي والمالي للصحراويين بقيادة الوالي مصطفى السيد من أجل طرد الاستعمار الإسباني، ثم يصبح الجنوب بؤرة ثورية لإسقاط النظام.
إلى هذه اللحظة، لم يكن لدى أي طرف نزوع انفصالي، فقد كان الهم وطنيا خالصا.
حسب ما يرويه بودرقة في مذكراته الصادرة مؤخرا، فقد طلبت قيادة التنظيم عقد لقاء مع الرئاسة الجزائرية، وذلك من أجل شرح المشروع التحرري ضد الاستعمار الإسباني انطلاقا من تندوف، وغض الطرف عن وجود المقاومين الصحراويين فوق الأراضي الجزائرية، والسماح لهم بالتدرب، باعتبار ارتباطهم بالتنظيم السري، وكونهم لا يستهدفون الجزائر، بل بنادقهم موجهة ضد الوجود الإسباني.
لم يتلق التنظيم أي رد من القيادة الجزائرية. طال الانتظار، وكان صمت نظام بومدين هو سيد الموقف. في نفس الوقت، توالت اللقاءات المغربية الجزائرية الموريتانية الرسمية، وبدأ طرح موضوع الصحراء، وتدويله، وهي قصة سنعود لها في مقالات لاحقة.
من وهران إلى طرابلس
أمام فتور القيادة الجزائرية، لم يبق ثمة من حل سوى اللجوء إلى الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي سبق له أن صرح علنا خلال زيارته لنواذيبو الموريتانية سنة 1972، باستعداده لدعم جهود تحرير الصحراء من قبضة الإسبان، على غرار دعمه لعدد من الحركات في إفريقيا.
كان جزء من التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية يقيم في ليبيا، حيث كانت تبث إذاعة صوت الجماهير، كما كانت علاقته بالحسن الثاني جد متوترة؛ في حين جمعته علاقات متميزة بالفقيه البصري، الذي كان يجوب الأقطار العربية والأوروبية يجمع الدعم والتأييد المالي والمعنوي للجناح المسلح.
انتقل الوالي من وهران الجزائرية إلى طرابلس الليبية، وهناك استقبله إبراهيم أوشلح مسؤول التنظيم في ليبيا، حيث نقله للإقامة في أحد فنادق العاصمة الليبية. بعد عدة أيام، وبوساطة من رئيس المخابرات الليبية آنذاك، عبد المنعم الهوني، تمكن الوالي من الحصول على بضع أسلحة للتداريب وإطلاق العمليات، دون أن يتمكن من مقابلة العقيد معمر القذافي. وقد تسلم الوالي مصطفى السيد هذه الأسلحة باعتباره عضوا في الجناح المسلح للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أي عن طريق التنظيم الحزبي.
انتهت رحلة ليبيا الأولى، وعاد الوالي أدراجه صوب الجزائر، في ذات الوقت الذي اندلعت فيه أحداث مولاي بوعزة…
فكيف ستراهن قيادة التنظيم على خيار تندوف؟ وما قصة الرجال الزرق؟ وما هي التحركات الرسمية التي دارت آنذاك؟ صفحات سنفتحها في مقالات قادمة.
اقرأ أيضا:
. التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة بالمغرب (1/12)
. التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: الخيانة (7/12)
. أسماء بن العربي تكتب: الصحراء والبوليساريو والجزائر: يلّا بينا نوضح مغالطات عبد الله الشريف
. هشام روزاق يكتب: “القدس” في “العيون” المغربية… هوامش على دفتر “الفقصة”