البوليساريو… من حركة تحررية إلى انفصالية: رحلة التيه - Marayana - مرايانا
×
×

البوليساريو… من حركة تحررية إلى انفصالية: رحلة التيه

من عبد الرحيم بوعبيد وعمر بن جلون، إلى علي يعتة وعلال الفاسي، ومن أحمد بالافريج إلى الحسن الثاني…حاول الوالي مصطفى السيد ورفاقه، الحصول على دعم مباشر من أجل تحرير الصحراء المغربية…
كان السياق العام حينها، مرتبطا بأوضاع داخلية غير مستقرة، وبأولوية استرجاع سبتة ومليلية…
سياق عام، سيقود الوالي ورفاقه، إلى رحلة تيه، ستكتب أولى عناوين الطريق نحو الانفصال.

اجتمع الوالي مصطفى السيد ورفاقه في الرباط وأسسوا جمعية الساقية الحمراء ووادي الذهب. كان شباب الجمعية في بداية العشرينات من أعمارهم، مسلحين بأحلام التحرير والمد الثوري الذي غزا العالم في سياق الحرب الباردة.

في نفس الوقت، كان المغرب يعيش مخاضات كبرى، فالصراع بين القصر والمعارضة على أشده، ومحاكمة مراكش لم تندمل جراحها بعد، ووقع المحاولات الانقلابية العسكرية لازال غضا، وإذاعة “صوت الجماهير” ثبت من ليبيا، ويتناهى منها صوت أوشلح والتوازني يبشران بجحافل النصر القادمة لتدك الحكم في المغرب، وثوار الجناح المسلح للاتحاد الوطني للقوات الشعبية يرابضون على الحدود.

كان هذا هو المناخ العام في المغرب غداة تأسيس الجمعية التي ضمت الوالي مصطفى السيد ورفاقه (شقيقه البشير مصطفى السيد، والبشير الدخيل، والمحفوظ علي بيبا، ومحفوظ البوهالي والسيداتي محمد الشيخ، ومحمد مربيه ربو…). في هذا السياق بدأ هؤلاء رحلتهم، بحثا عن الدعم والاحتضان السياسي من أجل إطلاق العمل المسلح في الصحراء.

البداية من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية

استغل الوالي مصطفى السيد علاقاته بعدد من مقاومي جيش التحرير لربط الاتصال بقيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتم تحديد موعد مع الزعيمين عبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون، وأعضاء جمعية الساقية الحمراء ووادي الذهب.

دام النقاش بضع ساعات بين الزعيمين الاتحاديين والطلبة الصحراويين، عرض خلالها هؤلاء وجهة نظرهم، ورغبتهم في إطلاق الكفاح من أجل تحرير الصحراء، وهو ما ثمنه بوعبيد وبنجلون، واعتبراه خطوة مهمة…

لكن الوقت لم يكن مناسبا في تقدير الزعيمين الاتحاديين، فالمغرب آنذاك كان يرفع شعار المطالبة باستلرجاع سبتة ومليلية، والمناخ العام لا يساعد على فتح جبهة الصحراء… لذا، كانت النصيحة أن يؤجلوا الأمر إلى حين.

من لاسورس إلى علال الفاسي وعلي يعتة: حاربوا ونحن سنفاوض

أصاب رد الزعيمين الاتحاديين الوالي ومن معه بإحباط لحظي، وأحسوا أنهم عادوا بخفي حنين، فبدأ النقاش بين الطلبة من أجل البحث عن وجهة جديدة.

الوجهة الجديدة لم تكن سوى حزب الاستقلال…

تمكن الطلبة الصحراويون من عقد لقاء مع علال الفاسي والقيادي محمد الدويري. تقول بعض الروايات إن الفاسي والدويري عاملوهم باستعلاء، وواعتبروهم مجرد “مراهقين سياسيين”.

بعد أن عبر شباب الجمعية عن رغبتهم في الدعم من أجل الحصول على سلاح، نصحهم الفاسي والدويري بالتمهل، لأن السياق في تقديرهما… ليس مناسبا لهذه الخطوة.

بعض الروايات… تذهب إلى أن علال الفاسي، ولما رأى إصرارهم، قال لهم: “أنتم ناضلوا… لكن حينما تحين مرحلة التفاوض، سنكون نحن جاهزين لها”.

حرك رد الفاسي الجراح القديمة المرتبطة بمرحلة ما بعد الاستقلال وصراعاتها وأدوار حزب الاستقلال فيها. شعر الشباب بالغبن، وولوا وجوههم صوب علي يعتة

بعد استماعه إليهم، سيطلب منهم علي يعتة نفس الأمر: التمهل وانتظار الوقت المناسب لطرح الأمر.

حاولوا مقابلة أحرضان والخطيب لكنهما رفضا اللقاء بهم.

من القصر إلى الاعتقال

بدا أن السبل أغلقت أمام الشباب المتحمس، ولم يبق أمامهم إلا باب وحيد، وهو باب القصر. دارت مناقشات الشباب حول رفع ملتمس إلى الحسن الثاني والمطالبة بتحرير الصحراء.

… بعد أخذ ورد، اتفقوا على تقديم الملتمس للديوان الملكي، فاتجه الطلبة للقصر وانتظروا في الطريق المؤدية إليه، قابعين في انتظار مرور سيارة الحاج أحمد بلافريج، الذي كان يحمل لقب الممثل الشخصي للحسن الثاني.

بعد مدة من الانتظار في الطريق التي اعتاد المرور منها، مر من أمامهم… توجه إليه أعضاء الجمعية فتوقف عندهم، ودخل معهم في نقاش هادئ، وبعد أن شرحوا له ملتمسهم، وعدهم بنقله للملك الحسن الثاني، طالبا منهم معاودة الاتصال به بعد أيام.

بعد أيام، كان الطلبة في نفس المكان ينتظرون مرور موكب الحاج أحمد بلافريج، وما إن شاهدهم، حتى ترجل من سيارته وقدم صوبهم. أبلغهم في البداية أن الملك الحسن الثاني راض عليهم، وطلب منهم تأجيل فكرة تحرير الصحراء في انتظار تحرير باقي الأقاليم الشمالية (سبتة ومليلية) التي كان المغرب منخرطا بشكل قوي في المطالبة باسترجاعها.

كان الأمر بمثابة انكسار لمجموعة الطلبة الصحراويين، حيث فهموا أن لا أحد سيتبنى قضيتهم. كان الحماس والاندفاع يعيق رؤية الوضع أو فهمه في بلاد كانت مثخنة بالجراح.

عاد النقاش بين الطلبة الصحراويين وشدوا الرحال صوب مدينة طانطان، التي كانت تعرف تنظيم موسم تجاري يعرف بـ “أمكار”، لتطلق فيها مظاهرات تحت شعار: “الصحرا حرة حرة واسبانيا تطلع برا”. مظاهرات قادها الوالي مصطفى السيد ومن معه.

لم تكن تلك هي المرة الأولى… فقد سبق للمدينة أن عرفت مظاهرة قبلها سنة 1971، لكنها لم تكن بنفس الحدة، كما أن تعامل السلطة معها لم يكن بنفس الحدة.

واجهت السلطات المغربية مظاهرة سنة 1972 بالقمع، وبدأت حملة اعتقالات في صفوف منظميها طالت الوالي ومن معه، وقد نشرت جريدة “لوموند” في 5 مارس 1972 خبرا عن اعتقال تسعة طلبة واستنطاقهم بسبب مواقفهم بخصوص قضية الصحراء.

تعرض المعتقلون للتعذيب والاستنطاق، وفر بعضهم صوب الجزائر، بينما أطلق سراح البعض.

في هذه الفترة، عاد الاتصال بين القيادة الاتحادية والطلبة الصحراويين؛ ويبدو أن بوعبيد تفطن إلى أهمية تأطير هؤلاء الشباب، فأحالهم على محمد اليازغي الذي كان مكلفا بالتنسيق مع اتحاديي الخارج، في خطوة نحو ربط الاتصال بين الوالي مصطفى السيد ورفاقه، واتحاديي الخارج.

هنا ستبدأ رحلة تيه أخرى في مسار الجمعية الوليدة، قادتها لوضع أول خطواتها على درب الانفصال.

 

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *