فرسان الهيكل… من جماعة تبنت الفقر أساسا لوجودها إلى إحدى أغنى الجماعات في العالم! 2/3
حتى عام 1127م، لم يكن فرسان الهيكل يلقون سوى الاعتراف… ثم بعد ذلك، تحولوا من جماعة تدعي الفقر أساسا لوجودها، إلى جماعة ثروتها هائلة جدا.
السرية التي كانت تحف النظام في بداياته، شكلت لاحقا عنصر جذب لفرسان جدد؛ خصوصا الشباب من النبلاء، الذين توافدوا بكثرة لكي ينضموا إلى الجماعة. كان لزاما على كل واحد منهم، حتى يُقبل انضمامه، أن يتنازل للجماعة على كل أملاكه. جراء هذا الشرط، حصل النظام بمرور السنين على أموال وسلع وأراض وعقارات ضخمة، بل وقرى بأكملها؛ إضافة لما كان يمنح له كهبات من قبل الملوك والنبلاء…
بعدما تابعنا في الجزء الأول سياقات وظروف ميلاد فرسان الهيكل، وكذا بعض ما تميزوا به في بداياتهم، مثل ادعائهم الفقر المدقع أساسا لوجودهم.
في هذا الجزء الثاني، نتابع تطور الجماعة إلى ما صارت عليه من ثراء باتت تقرض من خلاله المال للملوك والدول.
حتى عام 1127م، لم يكن فرسان الهيكل يلقون سوى الاعتراف… ثم بعد ذلك، تحولوا من جماعة تدعي الفقر أساسا لوجودها، إلى جماعة ثروتها هائلة جدا.
الذي حدث… أن السرية التي كانت تحف النظام في بداياته، شكلت لاحقا عنصر جذب لفرسان جدد؛ خصوصا الشباب من النبلاء، الذين توافدوا بكثرة لكي ينضموا إلى الجماعة. كان لزاما على كل واحد منهم، حتى يُقبل انضمامه، أن يتنازل للجماعة على كل أملاكه، يذكر كتاب مايكل بيجنت وريتشارد لي، “فرسان الهيكل والمحفل الماسوني“.
الدخل السنوي لفرسان الهيكل في أوروبا وحدها، كان يعادل ما قدره 90 مليون دولار. وضعهم كرجال المال الرئيسيين في أوروبا والشرق الأوسط، قلاعهم المتناثرة، شديدة التحصين، مكنتهم من أن يصبحوا في وضع مثالي لحراسة ونقل الأموال. تلك القوة المالية، جعلت فرسان الهيكل يرتقون إلى مستوى يقرضون فيه المال للملوك حتى، مثلما فعلوا مع ملك فرنسا فيليب الرابع.
جراء هذا الشرط، حصل النظام بمرور السنين على أموال وسلع وأراض وعقارات ضخمة، بل وقرى بأكملها؛ هذا ناهيك عما كان يمنح له كهبات من قبل الملوك والنبلاء. هكذا، بحلول القرن 13م، يورد الكتاب، كانت أملاكهم تبلغ نحو تسعة آلاف قلعة وقصر في أوروبا وحدها.
عام 1139م، أصدر البابا إنوسنت الثاني مرسوما بابويا، ينص على أن فرسان الهيكل لا يدينون بالولاء لأي سلطة دنيوية أو كنسية، عدا البابا نفسه.
يقول الباحث المصري راجي عنايت في كتابه “جماعات وعقائد عجيبة“، إن الكنيسة أعطتهم الحق في تكوين كنائسهم الخاصة وكهنوتهم الخاص، مع إعفائهم من الضرائب المدنية.
هذا ما جعلهم، يذكر بيجنت ولي، مستقلين كليا عن الملوك والأمراء والأساقفة، وعن أي تدخل من السلطتين السياسية والدينية… حتى باتوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم. بمعنى ما، أصبحوا إمبراطورية مستقلة ذاتيا!
هذه الاستقلالية لم تكن لتمر دون مقاومة. كما رأينا في الجزء الأول، عارض بعض رجال الدين السلطة التي مُتّع بها فرسان الهيكل، غير أن البابوية دائما ما وقفت في صفهم.
في الحقيقة، كانت البابوية تسعى من خلالهم إلى تقوية الوجود المسيحي في “الأرض المقدسة“… هكذا، فإن كل من سولت له نفسه مهاجمة فرسان الهيكل آنذاك، كان جزاؤه الطرد من الكنيسة.
بيد أن فرسان الهيكل أثبتوا خلال الحملة الصليبية الثانية بين 1145م و1149م، أنهم جديرون بالثقة التي وضعت فيهم.
حين رافقوا الملك الفرنسي لويس السابع في حملته، “شرّفوه في القتال”، حتى وُصفوا بكونهم القوة القتالية الأكثر انضباطا في العالم آنذاك.
… حتى إن الملك نفسه قال إن الفضل يعود فقط إلى فرسان الهيكل في الحفاظ على الهدوء والإدارة في الحرب الصليبية الثانية، وفي الحيلولة دون تحولها إلى كارثة حتمية.
يورد عنايت اقتباسا لوزير لويس السابع، يقول فيه إن فرسان الهيكل لم يحدث أن فروا من القتال، كما كانوا يبدون الطاعة الكاملة لمعلمهم الكبير.
أما كتاب ستيفن هوارث، “فرسان الهيكل… القصة الكاملة“، فيورد عن أحد المؤرخين آنذاك، واسمه جاك دي فيري، كيف كان فرسان الهيكل مستعدين ومسلحين في أي وقت من النهار والليل قد يطلبون فيه، سواء للقتال أو لمصاحبة المسافرين، بل وحين يطاردون عدوا ما، لا يسألون كم عددهم، ولكن فقط أين هم.
الواقع أن فرسان الهيكل شكلوا، حينذاك، وحدة القتل الأكثر فتكا في جيوش الصليبيين. بحسب بعض المصادر، فقد كانوا أول جيش محترف منذ عهد الرومان.
مع بدايات القرن 14م، كان المسيحيون قد فقدوا سيطرتهم على فلسطين، فانتقل المركز الرئيسي لفرسان الهيكل إلى قبرص، بيد أن النظام ظل على نفس قوته السابقة في أوروبا. حدث في أثناء ذلك أن فيليب الرابع كان يمر بأزمة مالية، فلم يجد حلا أفضل، لمواجهة مسؤولية رد ما استدان من فرسان الهيكل، سوى التفكير في القضاء على نفوذهم.
كان سلوكهم في المعارك صارما جدا، حتى إنه إذا أُسر أحدهم، بحسب ما يورده كتاب “فرسان الهيكل والمحفل الماسوني“، لا يسمح له بطلب الرحمة أو الفدية. وبذلك، فقد كانوا مرغمين على القتال حتى الموت… لا يستطيعون في ذلك التراجع حتى!
… لا يمكن أن يكونوا غير ذلك، لو عرفنا أنه إذا مات أحدهم في معركة ما، كان، بحسب اعتقادهم، يحصل على الخلاص الأبدي ويحوز مغفرة عن جميع خطاياه.
بالمناسبة، بنهاية الحرب الصليبية الثانية، تبنى فرسان الهيكل شعار الصليب الأحمر الذي بات يزين منذ ذاك عباءاتهم البيضاء.
في نهاية المطاف، نتيجة لوضعهم كمجتمع مستقل ذاتيا داخل العالم المسيحي، تمتع فرسان الهيكل بثروات مادية طائلة. يذكر راجي عنايت أن دخلهم السنوي في أوروبا وحدها، كان يعادل ما قدره 90 مليون دولار.
استمد فرسان الهيكل قوتهم، من وضعهم كرجال المال الرئيسيين في أوروبا والشرق الأوسط. قلاعهم المتناثرة، شديدة التحصين، مكنتهم من أن يصبحوا في وضع مثالي لحراسة ونقل الأموال.
… حتى لو تطلب ذلك عقد صفقات مع المسلمين في أوقات الهدنة، مثل علاقتهم التي يشير إليها كتاب “فرسان الهيكل والمحفل الماسوني” بجماعة الحشاشين.
تلك القوة المالية، جعلت فرسان الهيكل يرتقون إلى مستوى يقرضون فيه المال للملوك حتى، مثلما فعلوا مع ملك فرنسا فيليب الرابع.
لكن كبار المعلمين، الذين تعاقبوا فيما بعد على قيادة النظام، لم يكونوا على نفس الدرجة من التضحية والإيثار التي كانت للمؤسس هيوغز دو بايين.
مع بدايات القرن 14م، كان المسيحيون قد فقدوا سيطرتهم على فلسطين، فانتقل المركز الرئيسي لفرسان الهيكل إلى قبرص، بيد أن النظام ظل على نفس قوته السابقة في أوروبا.
حدث في أثناء ذلك أن فيليب الرابع كان يمر بأزمة مالية، فلم يجد حلا أفضل، لمواجهة مسؤولية رد ما استدان من فرسان الهيكل، يورد كتاب “جماعات وعقائد عجيبة”، سوى التفكير في القضاء على نفوذهم.
هكذا، نفذ خطة تقضي بدمج الجماعة مع جماعة أخرى تدعى “فرسان الإسبتارية” (Knights Hospitaller) في نظام واحد يحمل اسم “فرسان أورشليم“، بحيث يكون المعلم الكبير للنظام الجديد من البيت المالك الفرنسي.
الخطة في الأخير رفضت من الجماعتين معا… لكن فيليب الرابع كان قد مضى بعيدا في فكرته بالقضاء على فرسان الهيكل.
لقراءة الجزء الأول: فرسان الهيكل: في البدء كانوا 9 فرسان فقط… اتفقوا على حماية كل حجاج “بيت المقدس”! 1/3
لقراءة الجزء الثالث: فرسان الهيكل… النهاية “المأساوية”: اتُّهِموا بعبادة الشيطان والانحراف الجنسي فأُحرق كثير منهم أحياء! 3/3
مقالات قد تهمك:
- “الفتوحات” العربية في روايات المغلوبين: نحو إعادة تقييم التاريخ العربي-الإسلامي 7/1
- جرجي زيدان: المسيحي الذي جعل التاريخ الإسلامي… حكاية حب
- نحو إعادة تشكيل الوعي التاريخي: الوعي التاريخي الإسلامي الشقي والمزيف 1/4
- حربُ الثلاثين عاما… حينَ حوّلت الطائفيّةُ أوروبا إلى قارة جرداء! 1/3
- شارلمان والد أوروبا وقاهر المسلمين… صورة أسطورية كتبت على ضوء الإيديولوجيا
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا نجح الإصلاح الديني اليهودي والمسيحي وفشل الإسلامي؟
- الزمن الشبحي: قصة 3 قرون اختفت من التاريخ
- المسيح الأسود: هل كان المسيح إفريقيا؟
- الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… كما رسمته المصادر الإسلامية السنية 1/5
- داعش المسيحية
- إيريك رودولف: إرهابي… باسم الرب