جهاد الحب في الهند… محاربةُ “الرجعية الدينية” عبر “الرجعية القانونية” وتنمية الكراهية؟
حتّى الحبّ، باعتباره قيمة كونيةً، تأبى التيارات المتطرّفة في بعض الأديان عبر العالم، إلا أن تخرجه من نقائه، لتعكره بذلك الطابع الأيديولوجي الذي يقزّمُ موضوعة الحبّ وينسف محتواها الإنسيّ.
في الهند، مثلاً، ظهر ما يسمّى بـ”جهاد الحب”، الذي يستخدمه بعض الهندوس الذين يتهمون رجالَ المُسلمين بالتغرير بالنساء الهندوسيات من أجل الزواج منهم، ومن ثم تحويلهن إلى الإسلام.
الخطير، وفقَ الكثير من الخبراء، يكمنُ في إلباس هذه المسألة رداءَ القانون في الهند، حيثُ صدر قانون في ولاية أوتار براديش، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلد، في نونبر 2020، تُجرم بموجبه السّلطات التحول القسري من دين إلى دين عن طريق الزواج، وتعاقب عليه بالسجن لما يصل إلى 10 سنوات.
الولايات التي يقودها حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي “الحزب القومي الهندوسي”، تطلقُ على الزيجات بين الأديان “جهاد الحب”، وترى بأن هذه الزيجات، موجات ناعمة من مؤامرة المسلمين، لاستدراج النساء الهندوسيات إلى الزواج من أجل تغيير دياناتهن.
الهندُ العلمانية
هذه اللغط الذي يدورُ في الهند منذ سنةٍ، برز بشكل واضح في البلد، ذي النظام العلماني، والذي يعتبرُ الهندوس غالبية سكانه، خلال شهر نونبر 2020، عندما اضطرت ماركة مجوهرات إلى سحب إعلان لها، بعد مواجهة رد فعل غاضب على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الإعلان كان يظهر زوجين: مسلماً وهندوسية.
هناكَ تحديداً بدت تخوّفاتٌ من تحقيق الدولة لوصاية قانونية على الزواج بين الأديان، على اعتبار أنّ الهند بلد علماني.
ذهبَ البعضُ إلى اعتبار هذا التشريع يتنافى مع روح القانون الكونية، التي تقتضي الجانبين المادي والمعنوي للجريمة، فـ”جهاد الحبّ”، وفق هؤلاء، يتم الحكم به انطلاقاً من النوايا، أكثر من فعل تغيير دِيانة الهندوسيات في حدّ ذاته!
حسب الكثير من الباحِثين، تعتبرُ مسألة تنظيم الأديان في الهند من الصعوبة بمكان، رغم أن النظام علمانيٌّ بالهند. سنّ قوانين تمنعُ الزواج بين الأديان، هو بمثابة إقحام للدين في الشأن العام بشكل أو بآخر.
صحيفة The Times البريطانية، وجدت أنّ هذا القانون يثيرُ مزيداً من الشكوك حول الحرية الدينية في الهند العلمانية!
الكراهيةُ في ثوبِ القانون!
الصحيفة البريطانية قالت، في تقرير نشرته منذ يوم الإثنين7 دجنبر 2020، إنّ ما يُعرف بـ”جهاد الحب” هو نظرية مؤامرة، اكتسبت لباس القانون الرسمي، ولاقت رواجاً وسط الدوائر القومية الهندية التي تزعم وجود خطة بين الرجال المسلمين للزواج من نساءٍ هندوس وتحويلهنّ إلى الإسلام.
الكثيرُ من الحقوقيين حول العالم، حاولوا ربطَ هذا القانون بالكراهية، المُتوارية خلف غطاء القانون،ِ تجاهَ الأقليّات المُسلمة في الهند.
جهاد الحب، إذن، هو متّصل بجماعات متطرّفة في الهند، ترفض أن تتزوج الهندوسيات بمسلمين، أو ربما غير مسلمين، على منحى إطلاقي وشامل؛ مع أنه يمكن أن تكون ثمّة استثناءات، ليست نابعة عن فكر “جهاديّ” ناعم، وإنما عن رغبة وحبّ بين طرفين.
أحمد صابر، أحد دعاة تجديد وعقلنة التّراث الديني، قال في حديثٍ مع “مرايانا”، إن الهندوسيات عند الزواج من مسلم، يمكن أن يغادرن قيم الجماعة الهندوسية، ويخرجن من السياق الاجتماعي والثقافي، نحو بنية اجتماعية وثقافية أخرى، قد تكون إسلامية أو غيرها، وهذا قد يشكلُ إحراجاً، ربما، للهندوس.
هناك جانب وجداني، يضيف صابر، قد يجعلُ الهندوسيات يتماهينَ مع دين الأزواج، وهو ما يخلق تحفّظاً لدى التيارات الهندوسية المتطرفة في الهند، ولكنه يبقى في نهاية المطاف حرية فردية.
من الأهمية أن تتم الإشارة إلى هذا القانون كان معمولاً به في النطاق الإسلامي في زمنٍ مضى، حيثُ كان مرفوضاً على المسلمة أن تتزوّج بغير المسلم، وذلك لحصر انتشار الإسلام داخل الجماعة وتوسيعها.
الحبّ.. أكبرُ من الثّقافات؟
الحبّ قيمة ليست كغيرها، والمتطرّفون، في كل الأديان، يفتقدون لمفهوم الحبّ بمعناهُ الكوني والواسع. المعنى الشامل للحبّ يمكنُ للثقافات أن تدخُل ضِمنه وتحققَ التّعايش والسّلم… القتلُ باسم الدّين كراهية للآخر، والكراهيةُ هي ذلكَ العدوّ اللّدود للحبّ في كلّ مكان!
أحمد صابر، الناشط بمُؤسّسةِ مؤمِنُون بلا حدود، يقولُ لـ”مرايانا”، إن الحبّ متجاوزٌ للثقافة والدّين والعرق، فالحبّ فوق كل الاعتبارات!
من المتعارف أنّ الحبّ يباغت ويداهم الوجدان، وقد يقعُ مسلمون في حبّ هندوسيات أو نساءٍ من ديانةٍ أُخرى، والعكسُ أيضاً، ويحدث الوصل والربط والألفةُ والرّحمة، حتى رغم الاختلافات الثقافية.
أمام هذا المعطى، فالهندوسيات فضّلن الحبّ على الثقافة والعقيدة، واخترن الزواج؛ ولا يجوزُ، بمنطق الإنسانية والحرية، أن يتمّ منعه، لأنه يتعلقُ بكينونة الإنسان ورغباته، وفق صابر.
“الإسلاموية” وإيديولوجيا الحبّ!
لا يمكن الحديث عن جهاد الحب، وضرر إطلاقيته على بعض الزيجات المنفلتة من الأيديولوجيات، دون الحديث عن التيارات الإسلاموية في الهند، التي تعتبر الزواج من الهندوسيات وباقي الديانات، ضرورة وجهادا للتّوسع فكرياً وتنظيمياً.
لم تخف الكثيرُ من التيارات الإسلامية والجهادية الرغبة في تبديل ديانات النساء نحو الإسلام، كشكل من الحشد، وهو ما تخوّفت منه تيارات أخرى هندوسية متطرفة ومعادية للإسلام.
فمفهوم جهاد الحب، الذي تروج له منظمات الإسلام السياسي، يرى الباحث بليغ حمدي إسماعيل أنّهُ يثير جدلا متصاعدا، خاصة في الدول التي يتواجد فيها المسلمون مع ديانات أخرى.
حفلت مواقع العديد من الأحزاب الإسلامية على الإنترنت، بمئات من الفتاوى، تشجع على الزواج من غير المسلمات… باعتباره أجرا وثوابا، مقابل تخلي غير المسلمات عن دينهن.
يجدُ الباحث أن فتاوى “جهاد النكاح” لقت صدى في السنوات الماضية، على الرغم من أن ثمة إجماع من طرف تيارات إسلاموية أخرى على أنها بدعة المراد منها استقطاب جهاديين وتحفيزهم على السفر للقتال في بؤر التوتر. لكن، ورغم ذلك، تجد فتاوى ودعاوى “جهاد الحب” رواجا في الفضاء الافتراضي.
تسمية “الجهاد” هنا، تبقى مرتبطة بالتراث الإسلامي في المخيال الغربي بشكل عام. لذلك، تبقى الحاجة إلى إسقاط المسلمين للأفكار النمطية حولهم، والحسم الواضح مع مفهوم “الجهاد”، سواء بشكله الناعم عن طريق “الحب” والزواج، أو بشكله المتوحشِ عبر القتل والتكفير والإرهاب.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- من تونس، فريهان طايع تكتب: شبح داعش في كل مكان يطارد ضحاياه
- من أسلمة المعرفة إلى أسلمة الحياة: بناتُ الأفكار الإسلامية “الكارِثية” 3/3
- محمد شحرور… المفكر الإسلامي الذي نظر للقرآن بعيون القرن الحادي والعشرين! 1/3
- محمد شحرور… من تحديث النص الديني إلى إنصاف المرأة ومواجهة التيارات السلفية والإخوانية! 2/3
- محمد شحرور… عندما نادى المفكر الإسلامي بتجفيف منابع الإرهاب داخل النص الديني! 3/3
- “نصوص متوحشة”… عن خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/1
- حينما رفس القوم ابن تيمية لتجسيده “جلوس” الله 2/2
- “قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير! 1/2
- اغتيال فرج فودة: حين يحاكم القاتل… قتيله!
- الأمن الروحي… مفهوم “مستحدث” لمواجهة التطرف أم حجر على حرية التعبير؟ 2/1
- ذكرى الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي: من هنا كانت البداية!