“قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير! 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

“قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير! 1/2

يقول سعيد بنگراد في تقديم ترجمته لـ”قول في التسامح”: “قد نكون نحن، في عالمنا الإسلامي، أول وآخر من يلتقط هذه النبتة ويعتني بها، فقد تُعطي ثمارا تجعل حضارتنا قادرة على احتضان كل أبنائها باختلاف دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم”.
الكتابُ، حسب المترجم، لا يذكرنا بما يجري الآن عندنا، بل نقرؤه وكأنه معاصر لنا، فهو يصف بالحرف ما يجري في الفضاء الإسلامي.

عاد الإرهابُ إلى الواجهة خلال الأسابيع الأخيرة، لا سيما مع أحداث نيس الفرنسية، وأحداث فيينا في النّمسا، وتبيّن أنّ الحاجةَ إلى فكر فولتير تظلُ قائمة أمام استئساد الفكر الإرهابي والطائفي المتطرف.

يقول فولتير: “إننا نتوفر على ما يكفي من الدين لكي نكره ونضطهد، ولكننا لا نملك منه إلا القليل من أجل الحب وتقديم العون للآخرين”.

فولتير، الذي كرّس فكره للدفاع عن الحرية بما فيها حرية المعتقد، أطلق هذه المقولة، منذُ القرن الثامن عشر، في سياقات تاريخية وأوضاع متردية معينة، بيد أننا نحتاجه اليوم، لفهمِ الفكر العُصبوي والطائفي، الذي يعجّ به العالمُ الإسلامي، حيث يقتلُ الأبرياءُ وتُسفكُ الدّماء باسم الدين والله.

كتابٌ بينَ زمنَين…

صدر كتابُ “قول في التسامح” منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهو بمثابة مرافعة تاريخية بغية نبذ التقاتل باسم الدين، ودعوة صريحة إلى التسامح والتضامن وإقرار حرية الدين والمعتقد. فموضوعه، كما يقول عنه فولتير، “هو التسامح، وهو نداء موجه إلى إنسانية من يحكمون ونداء إلى الحذر. إنني ألقي ببذرة يمكن في يوم من الأيام أن تعطي نبتة”.

اقرأ أيضا: التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!

تاريخياً، دفعت حادثةُ مقتل جان كلاس، المواطن الفرنسي من أتباع المذهب البروتستنتي، فولتير إلى كتابة هذا الكتاب، بعد أن اتهم جان كلاس هذا، بمعية جميع أفراد عائلته، “ظلما، بقتل ابنه الذي كان يود، حسب القضاة والمتعصبين من سكان تولوز الكاثوليك، الارتداد عن المذهب البروتستنتي واعتناق الكاثوليكية. وحُكم على الأب بالموت وشُردت العائلة ونُفي الابن”.

بدا للجميع حينها، تأثير فكر فولتير في كل الأوساط، حتى أن المحكمة العليا في باريس أَقدمتْ على إعادة النظر، بأمر من الملك، في القضية وتداولت في حيثياتها، وأصدرت قرارا جديدا يبرئ العائلة ويعيد الاعتبار للأب الضحية، الذي مات بالتعذيب تحت العجلة.

“قول في التسامح”، كما يقول سعيد بنكراد في تقديم ترجمته إلى العربية، جاء “في مرحلة كانت أوروبا قد “شبعت” من الحروب الدينية، ووصلت إلى حد لم يعد معه ممكنا الاستمرار فيها خوفا من فناء الأمة ودمارها”.

الكِتاب… مِرآتنا اليوم

لربط التشابه بين الأحداث، رغم التباعد الزمني الفاصل بينهما، قدم سعيد بنگراد ترجمةً للكتاب إلى العربية سنة 2015، يقول في تقديمها: “قد نكون نحن، في عالمنا الإسلامي، أول وآخر من يلتقط هذه النبتة ويعتني بها، فقد تُعطي ثمارا تجعل حضارتنا قادرة على احتضان كل أبنائها باختلاف دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم”.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي: لنتعلم التسامح من الشيخ الغزالي!

فالكتابُ، حسب المترجم، لا يذكرنا بما يجري الآن عندنا، بل نقرؤه وكأنه معاصر لنا، فهو يصف بالحرف ما يجري في الفضاء الإسلامي. فيكفي أن نغير أسماء الفرق وأسماء الأعلام، لكي ينطبق كل ما يقوله على حالتنا. فالصراع القائم بين الكاثوليك والبروتستنت، والصراع بين الفرق الكاثوليكية ذاتها، هو صورة للصراع بين السنة والشيعة، وصراع الفرق السنية فيما بينها. فنحن نرى واقعنا من خلال هذا الكتاب، إنه يذكرنا، “أننا مثلهم في القرن الثامن عشر، لا يمكن أن نستمر في الوجود إلا بالتسامح، كما فهمه هو في المرحلة التي كتب فيها الكتاب، فالناس لم يكونوا قد تشبعوا بعد بمبادئ الثورة الفرنسية”.

لذلك… تبقى الحاجة إلى التسامح ضرورة، حسب بنگراد، لأن لا أحد من التيارين سيقضي على الآخر، أو يلغيه من الوجود، فإما الصراع والاقتتال والكراهيات إلى الأبد، و”إما نشر المحبة بين الناس وضمان حياة مشتركة تتسع لكل الآراء، بما فيها قدرتها على استيعاب ممكنات التميز والاختلاف في الطقوس وشكل العبادات”. فلا اختلاف بشأن المعبود لأنه أحدٌ لا شيء غيره، وتبقى له الأهلية وحده في التمييز بين الأصفياء إيماناً عن الضالين منهم. ف”التعصب يقتات من الجهل والصراخ، ويغذيه السلوك الأهوج للحشود المسعورة”.

اقرأ أيضا: هجوم نيوزلندا الإرهابي: حين تنتصر الكراهية…

ومنه، تبقى الدعوة إلى دين سمْح متسامح ثانوية، اعتباراً أن جميعَ الأديان سمْحة في واقع الأمر، فالتأويلات، يقول بنگراد، “هي التي توجهها إلى الشدة أو اللين (وإلا كيف يكون مالك سمْحا ويكون ابن تيمية متشددا وهما ينطلقان من النص ذاته؟)”، إن الدعوة الحقيقية ينبغي أن تلتفت، فقط، لمبدأ التسامح الذي تتساوى فيه كل المذاهب والأديان، و”هو تسامح في القانون، لا في النفوس وحدها”. فيكون الفضاء العمومي تلقائياً مِلْكاً لكل الناس، بينما فضاءات العبادة فمن حق المؤمنين وحدهم.

في الجزء الثاني من هذا الملف، نتوقف مع تفاصيل أكثر حول كتاب “قول في التسامح” كما يقدمه سعيد بنكراد، من خلال تشريح تيمة التسامح كقيمة، وعلاقتها بالتعددية والعيش المشترك.

لقراءة الجزء الثاني: على هامش مجازر نيس وفيينا… في حاجة الإرهاب إلى “قول في التسامح” 2/2 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *