الإجهاض السّري في المغرب: علينا أولاً… “إجهاضُ” النفاق! 2/2
المجتمع الازدواجيّ يرفض الإجهاض، ويرفض الطفل أيضاً حين يولد، فما الحلّ إذن؟
رأينا في الجزء الأوّل أنّ الإجهاض السري يعتبر رحلة خطيرة وغير آمنة إطلاقاً بالنسبة للنساء، وعرجنا بالحديث عن إشكالية حق الجنين في الحياة أيضاً.
في هذا الجزء الثاني، نرصدُ بعض ملامح الازدواجيّة والنفاق التي تطبع الحديث عن الإجهاض، وكذلك سرد بعض القصص لنساء قمن بالإجهاض.
سؤال الإجهاض في النهاية، يظل رهين كلمة مفتاحية، مارست على الدوام لعبة المنع باسم التحريم. كلمة مفتاحية، عنوانها الدين، مقابل تغييبٍ تام ومتعمّد للمدخل الأسَاس في الحكاية: الطبّ.
فهل مشكل الإجهاض له موانعٌ دينية صِرفة؟
منع الإجهاض يعني النفاق؟
في تصريح حصريّ خصّ به مرايانا، يرى البروفيسور سعد أكومي، الأخصائي في أمراض النساء والتوليد، أنّ كلّ ما هو سري، هو خطير بالضرورة. والإجهاض السّري، بدوره، لا يخلو من مخاطر جمّة، صحّية وقانونية وأخلاقية واجتماعية ومادية.
حين تثارُ لأكومي مسألة الإيقاف الإراديّ للحمل، يطفو إلى ذهنه مُباشرة، ما يسميه بالنّفاق المجتمعي والمدني والقانوني. وذلك على اعتبار أنّ القانون لا يستثني الحالات التي قيل في مشروع القانون إنّه سيلتفت إليها ويتيح فيها الحقّ في الإجهاض؛ والتي حددتها اللجنة التي تم تعيينها إثر التدخل الملكي… وتلك هي الحالات التي تعرّضنا لها بتفصيل في الجزء الأول.
لكن، يقول أكومي، إنه بفعل تعثر مشروع القانون، الذي لم ير النور إلى اليوم، تصبح المرأة، حتى في هذه الحالات، بحُكم القانون، ملزمة بالحِفاظ على جنين أتى في وضعية غير مقبولة أخلاقياً ولا مجتمعياً ولا قانونياً، وهذا هو النّفاق الحقيقيّ.
أمام هذا النّفاق، يضيف الدكتور، وفي حالة يأسٍ نفسيّ، تلجأ النّساء إلى عيَادات و”محلاّت” و”دور” تُمارس الإجهاض السّري في الخَفاء.
أمام كلّ هذا الوضع، يغدو الإجهاض هُو ما يمكِن أن ينقذُ المرأة الضّحية من تكلُفة نفسية ومجتمعية قد تؤدي بها إلى الانتِحار. في كل الحالات، ستجد القانون يمنعها من التّخلص من عبئ حمل ناتج عن اغتصاب من غريب أو من قريب، يشرح البروفيسور.
التأويل الآخر للنص القانوني، أن محدودية القانون في الباب المتعلق بالإجهاض، وفق أكومي، تشجّع على تنامي ظاهرة الأمهات العازبات. بالتالي، ستكون للطفل كلفة مجتمعية حين يصبح لقيطاً ومتخلى عنه، وهو ما يجعل مستقبله، مرهونا بماضٍ لم يكن له يد فيه أو قرار.
المجتمع الازدواجيّ يرفض الإجهاض، ويرفض الطفل أيضاً حين يولد، فما الحلّ إذن؟
لا يُخفي المتحدّث إحساسهُ بخيبة كبيرة حين تأتي امرأة حامل، ضحية اغتصاب أو تحمل طفلا بتشوّهات خلقية، ولا يستطيع مساعدتها في إيقافها الإرادي للحمل. يقول في ذلك إنّ “أخلاقيات مهنة الطب تمنع علينا القيام بعمليات خارج نطاق القانون؛ ومع ذلك نتعاطف معهنّ ونحسّ بمأساتهنّ”، يقول الأخصائي في أمراض النساء والتّوليد.
يخلصُ سعد أكومي في حديثه مع مرايانا، إلى أنها حالات ينبغي أن يفي المشرع بوعده في إنصافها. وأمّا بخصوص تعميم الحقّ في الإيقاف الإرادي في الحمل، فالدكتور أكومي يلتزم التحفّظ، معتبراً أن هذا نقاش مجتمعي ينبغي أن يفتح بجدية، ويشارك فيه سوسيولوجيون وأخصائيون في الجنسانية وأخصائيون نفسيون وأطباء ورجال الدين، وهم من يقرروا ذلك من عدمه في النّهاية.
الإجهاض السريّ وفي ظروفه الحالية، وفق أطباء، قد يكون عاملاً متسبباً في عقم المرأة، لأنه قد ينتج عن عملية الإجهاض تعفن إثر غياب التّعقيم، وقد يظل فم الرّحم مفتُوحاً أو ملتصقاً.
… حكاياتٌ لمرايانا
لا يخفى أنّه من أصعب ما واجه إعداد هذا الملف، هو إيجاد فتيات رمت بهنّ الحياةُ إلى متاهات الإجهاض بشكل سرّي، ليَقصُصنَ تجاربهُنّ.
مرايانا تمكّنت من التّواصل مع هاجر، السّاكنة بالرّباط، والبالغة من العمر واحدا وعشرين سنة، والتي قامت بعملية إيقاف إرادي للحمل قبل ثلاث سنوات.
الغريبُ في حالة هاجر، وفق ما تحكيه لمرايانا، أنّها كانت تحسّ بدورتها الشهرية بشكل عاديّ، ولم تتوقف رغم أنها كانت حامل دون أن تدري. كانت تحسّ بآلام على مستوى البطن والرّحم بشكل مُستمر، ولم تعد تستَطيع المشي لفترة طويلة بسبب اشتداد الألم. بدأت أعراض الحُمى والقيء تبدو عليها. مع ذلك، لم تفكّر، لا هي ولا عائلتها، في أن للأمر علاقة بخطأ حدث أثناء الاتصال الجنسي، وأدى إلى حمل غير مرغوب فيه.
حينها، انصرف ظنّهم بالكامل إلى أنّ الألم راجع لالتهاب الزائدة الدودية، أي ما يعرف عند المغاربة بـ”المصرانة الزايدة”.
عندما “ذهبنا للطبيب، أخبرنا بأنني حبلى بطفل، وحدثت صدمة نفسية قوية بالنسبة لي ولوالدتي التي كانت معي. لم أكن مستعدّة لكي أكون أمّا وأنا في الثامنة عشر من عمري رغم أنّ “والد” الطفل وافق على الزواج بعد أن تحدّثت إليه والدتي، ولكني تشبثت بموقفي في الرفض وضرورة إيقاف الحمل”، تقول هاجر.
وقتها، “ذهبتُ إلى عيادة طبيب أخصائي في أمراض النساء والتوليد بالرباط، وشرح لي الطريقة التي ستكون بها العملية، ومنحني أياما للتفكير، رغم أني كنت في عجلة من أمري للتخلص من ذلك العبء النفسي الذي أصابني”.
في الحصة الأخرى، وبينما قلبي يكاد يتوقف رهبةً من مُداهمة الشّرطة للمصحّة، وخوفي من الموت نتِيجة فشل العملية، بدأ الطبيبُ عملية الإجهاض، حيثُ قام باستِئصال الجنين قطعة بقِطعة، والعملية كانت جد مؤلمة جسدياً.
وهي تحاول رسم صورة مخيفة عن الإجهاض السري، تقول هاجر إنه في آخر تفاصيل الحكاية، دفعت الثمن الإجمالي للعملية الذي يبلغ 6000 درهم، وقدّم لها الطّبيب وصفة طبّية بدُون توقيع، لكي لا ينتبه أحدٌ في الصّيدلية إلى طبيعة الأدوية. حينما اقتنت الأدوية، وجدت أنها عبارة عن مهدئات كان عليها تناولها في حال شعورها بأي ألم.
قصّة أخرى عنوانها فتاة في الخامسة والعشرين تسمى حسناء… تختلف هذه القصّة بلا شك عن تجربة هاجر، فعملية إجهاضها كانت أكثر خطورة وبدُون عناية طبّية، إذ لجأت إلى حبوب ARTOTEC الخاص بمرضى الروماتيزم. اقتنته من صفحات فيسبوكية، بحوالي 1500 درهم، بعد أن سحبته وزارة الصحة من الأسواق قبل سنوات ومنعت بيعه، لعلمها باستعماله في الإجهاض.
تقول حسناء إنها بحثت واطلعت على المضاعفات التي يسببها الدواء، لكنّ رغبتها في التّخلص من “المصيبة”، كما تصفها، كانت أكثر صلابةً من أي اعتِبار آخر.
تقول: “كنتُ في الشّهر الثاني، وتناولت الدواء، ولم يكن في جسدي وذهني شيء سوى الخوف. قرأت أن الحبوب قد تتسبب في نزيف حاد، وقد تقودني إلى غرفة المستعجلات أو الإنعاش؛ ومع ذلك بادرتُ، وكأنني أنتحر”.
حسناء تضيف متحسّرةً بأنّ هذا الثّمن “كان بوسعي أن أقُوم بدفعه في عملية قانُونية للإجهاض لو كَان القانُون يحميني في مثل هذِه الأزَمات. وجدتُ نفسي وحيدةً أواجه مصيراً مكلّفا ماديا ومعنويا”.
بأقصى درجات المكاشفة، لا تنكر حسناء تفكيرها في الانتحار بعد أن ضاقَت بها الدّنيا بما رحبت. لم تكن تعرف أطباء يمارسون الإجهاض السّري بمراكش. لذلك دلّتها إحدى صديقاتها على الحبوب، وكانت تلك حكايتها.
ضمن كثيرِ حكاياتٍ تستحقّ أن تروى، تجتمعُ حقيقة وحيدة، قد تبدو واقعية ومنطقية، وهي أن السّماح بالإجهاض وتقنينه، لا يدلّ صراحةً على أن أرقام الإجهاض سترتَفع، ذلك أنّ السّماح بالإجهاض سيُرافقه التّحسِيس بضرُورة الوقاية من الحمل غير المرغُوب فيه، وهنا يكمنُ دور التّربية الجِنسية.
مواضيع قد تثير اهتمامك:
- Marayana TV: سناء العاجي عن التوقيف الإرادي للحمل
- التربية الجنسية في المغرب… هل تشفي المجتمع من ازدواجيته؟ 1\2
- التربية الجنسية في المغرب… أي صعوبات يطرحها المضمون البيداغوجي في المناهج التّعليمية؟ 2\2
- الفيديوهات الجنسية المُسرّبة: عندما يصبح ممتلكها “بطلا” افتراضياً! 1/2
- جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1
- إلى جانب الفقر… “أستاذ بيدوفيل” يفجع أطفال أكثر المناطق تهميشاً بالجنُوب الشّرقي
- “تزويج القاصرات”… دراسة حديثة: الاستثناء المخول للقاضي في مدونة الأسرة أصبح قاعدة! 2/1
- بيدوفيليا الأنثى… الطابو في حدّهِ الأقصى!
- العنف الجنسي… الظاهرة الخفية!