ما قبل معركة أنوال: استئنافُ حلمٍ “ريفيٍّ” لتحرِير وطن! 1 - Marayana - مرايانا
×
×

ما قبل معركة أنوال: استئنافُ حلمٍ “ريفيٍّ” لتحرِير وطن! 1\3

ما إن توطّدت أقدام الاستعمار الفرنسي والاسباني بالمغرب، منذ توقيع عقد الحماية سنة 1912، حتى تفجّرت حركات المقاومة في مختلف ربوع الوطَن. في منطقة الريف، التي تعنينا في هذا السّياق، تزعّم محمّد بن عبد الكريم الخطابي، بعد وفاة والده، حركة المُقاومة في المنطقة، خصوصاً قيادة قبيلة بني ورياغل.

تحتَ قيادته، دخلت حركة المقاومة منعطفاً جديداً، حسم مع التشتّت القبلي المحلي، الذي طبع مقاومة الشريف محمد أمزيان، سيما غداة أن لقي الأخير حتفه في ماي 1912.[1]

بهذا المعنى، فإن المقاومة الجديدة تبنّت إطاراً أوسع تفتّقت غاياتهُ في توحيد الصّفوف، بدءاً بإقليم الريف، ليبلغ الشّمال المغربي تبعاً، ثمّ يشمل المغرب كاملاً انتهاءً.

محمد عبد الكريم الخطابي راهن على التعبئة الوطنية والدينية لتوحيد أهالي المنطقة. أيقن، كما يقول أحد الباحثين، بفكره الثاقب، أن طريق الانتصار هو بناء الجبهة الداخلية، أي إقامة وحدة شعبية وطنية تنصهرُ فوق تربتها الحدود القبلية، “وبذلك يسدّ المنافذ على العدو الاسباني الذي راهن واستفاد من التفكك الاجتماعي، الانقسامات القبلية، في فرض سيطرته على البلاد”. [2]

ما قبل أنوال: الحشد والتعبئة

قبل الخوض في معركة أنوال، بادر قائد الثورة/”الجهاد” بإقليم الريف إلى عمليات التعبئة الجماهيرية، التي بدأت في خريف 1920، أي سنة عشيّة المعركة.

تمكّن محمد بن عبد الكريم أن يجمع الثوار/”المجاهدين” من حوله خلال تلك المرحلة. تشير المراجع أنه لم يصل إلى قلوب هؤلاء الثوار عن طريق المال أو التجنيد الإجباري أو الإغراء بالغنائم. جمعهم وقادهم بالعقيدة الدينية، وبإثارة الحمية الوطنية من أجل تحقيق حرية البلاد وإنقاذها من التّسلط الأجنبي. [3]

بدأ بتعبئة الشعب من خلال اتصاله برجال القبائل وأعيانها “يبث فيهم روح الوطنية الحقيقية التي تتماشى مع دين الإسلام والشريعة المطهرة، ويستدل بالكتاب والسنة في جميع أحاديثه ومواعظه البعيدة المدى”. [4]

حينئذٍ، كان ضرورياً بالنّسبة إليه أن يُذكي الإحساس بخطر الآخر/المستعمر وينمّي الوعي الوطني. لذا، حاول خلق شعور بالمسؤولية الجمعية والإحساس بالمصلحة المشتركة، عبر نسف التشرذم القائم على المصالح الشخصية والنّزعات القبلية.

شغله الشاغل، كما ألف أن يقول، كان “هو المصالحة والتوفيق بين الناس المتعادية ليتحدوا ويتصالحوا وينسوا الأحقاد والعداوة التي كانت قد عمت وترعرعت بين الأفراد والجماعات، وحتى النساء والأطفال في جميع المداشر والقرى، وكانت تذهب ضحية هذه العداوة عدة أرواح منذ عشرات السنين”. [5]

التركيز في بادئ الأمر انصبّ على إصلاح الأحوال الداخلية من علاقات العشائر والقبائل مع بعضِها، وتنظيم القيادات العسكَرية القِتالية بين العشَائر، والتي دُعيَت، فيما بعد، بالدّفاع الشّعبي.

استعداداً للمعارك التي ستأتي فيما بعد، خطّط الخطابي لتقنيات جديدة ضد المستعمر الاسباني. تلك التقنيات، كما تحدّث عنها المؤرخ جرمان عياش وأصّل لها، تقُوم على أسلوب “حرب الكمائن” أو حرب العصابات، وهو الأسلوب الذي وجده ناجعاً في مواجهة جيش مزوّد بالأعتدة الحَديثة.

إلى جانب ذلك، ابتكر أسلوب “الدائرتين” في محاصرة المعسكرات الاسبانية، وقد كان لجهوده في هذا المجال العسكري أثره الكبير على الثورة الصينية والفيتنامية باعتراف قادتها. [6]

التعبئة السياسية ونظيرتها العسكرية التي اضطلع بها الخطابي، رافقتها جهود تنظيمية على مستوى المناطق. أنشأ مجالساً محلّية للقبائل الموالية له، لتنظيم حركة المقاومة وتمرين المجاهدين وتدريبهم على أساليب الحرب وطرق الوقاية والهجوم والدفاع. كلّها أمور كان يفتقدها السكان آنذاك، كما عكف على شراء السلاح والعتاد وادخاره للمعركة الفاصلة: معركة أنوال.

نجحت عملية التعبئة. والدليل أن المراجع تنقل توصله إلى اتفاقات مع رؤساء وأعيان القبائل الأخرى لضمان وحدة الكلمة والموقف في المواجهة المصيرية التي سيقوم بها.

توحيد الصفوف: نحو حسم المواقف

لأجل توحيد الصفوف، عملياً، سهر محمد بن عبد الكريم الخطابي على عقد مؤتمر أمزورن بقبيلة بني ورياغل في 12 فبراير 1921، وحضر المؤتمر معظم رؤساء القبائل المجاورة.[7]

ألقى الخطابي كلمته. ثمّ أكدوا جميعاً على رغبتهم في تحقِيق الحلم المنشود، فقالوا: “إننا مستعدّون للدفاع عن وطننا وشرفنا بكل ما نملكه من الغالي والرخيص والأرواح”.

وصل الاتفاق بين الأفراد والجماعات على تذويب الثأر العائد إلى الماضي، وسامح زعماء القبائل قاتلي آبائهم في قبيلة أخرى. كان سبيلهم في ذلك المثل الأعلى: الكفاح ضد الاسبان في أفق تحرير الوطن. [8]

بلغ بهم الحماس الوطني إلى درجة أن أهالي المنطقة أخذوا يبيعون ماشيتهم من أجل امتلاك السلاح للدفاع عن وطنهم، رغم ظروف الجفاف التي شهدتها بلاد الريف منذ سنتين، وقتذاك.

الأهم، أنه في ذلك المؤتمر، تم الإجماع على انتخاب محمد بن عبد الكريم الخطابي أميراً عليهم في مواجهة الاحتلال الاسباني وقيادة “الجهاد”/الثورة.

تشير بعض المصادر إلى أن الثائر الشريف أحمد الريسوني، في تلك الفترة، تمكن من انتزاع قيادة الجهاد/الثورة ضد النفوذ الأجنبي بشكل عام والاسباني بشكل خاص، من خلال الشرعية المتمثلة بالظهائر والمراسيم السلطانية التي اعترفت بأهليته للقيادة في إقليم جبالة. [9]

أمّا محمد بن عبد الكريم الخطابي، فقد “انتزع القيادة بتفويض من الشعب، نظراً لقدراته الفكرية والتنظيمية وحزمه وإصراره على مواجهة الاحتلال الاسباني”. [10]

ذات المصادر تذهبُ إلى أنّ سقوط المخزن العلوي أسير الحماية الفرنسية، حال دون “حصول الخطابي على ظهير سلطاني لقيادة المنطقة الريفية، نظراً لأهليته من جهة، ولكون العائلة الخطابية كانت دوماً إلى جانب المخزن العلوي”. [11]

أيضاً، اتفق الحاضرون للمؤتمر على تعيين مركز جديد للمقاومة بدلا من مركز “وذيع”، وأجمعوا على قبيلة تمسامان وبموضع يسمى “القامة”، كمركز دائم لإدارة شؤون البلاد و”الجهاد”. إلى ذلك المركز توجه قرابة 200 مجاهد/ثائر، وبدأ الخطابي يشرف على تسيير أمورهم ومباشرة الاتصالات السرية مع القبائل الخاضعة للإسبان، يدعوهم فيها إلى الثورة.

كما أنشأ الخطابي أربعة مراكز أخرى فرعية لمراقبة تحركات القوات الاسبانية في مناطق آزروجیدار، سوق الاثنين، سيدي شعيب وأكروماوس.

كلّ هذا التأصيل السابق، يخبرنا أنّ “حرب الرّيف الحقيقية بدأت عندما تحقق نوع من الوحدة”…

هذه الوحدة أذاقت الاستعمار الاسباني مرارة الهزيمة، وجعلت من معركة أنوال ضجيجاً لا يهدأ رغم مرُور قرن من الزمن على أحداثها.

فما هي تفاصيل المعركة؟

الجواب نطالعه في الجزء الثاني من هذا الملف.

هوامش:

[1] محمد علي داهش، صفحات من الجهاد والكفاح المغربي ضدّ الاستعمار: محمد بن عبد الكريم الخطابي، دار الشؤون الثقافية العربية، الطبعة الأولى، بغداد، 2002.

[2] المرجع نفسه.

[3] نفسه.

[4] نفسه.

[5] نفسه.

[6] نفسه.

[7] نفسه.

[8] نفسه.

[9] نفسه.

[10] نفسه.

[11] نفسه.

مقالات قد تثير اهتمامك: 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *