عبد السلام بنونة… أب الحركة الوطنية الذي جمع بين المعرفة والاقتصاد لمواجهة الاستعمار 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

عبد السلام بنونة… أب الحركة الوطنية الذي جمع بين المعرفة والاقتصاد لمواجهة الاستعمار 2/2

قامت فكرة أب الحركة الوطنية، عبد السلام بنونة، حول مواجهة الاستعمار  على المعرفة في شقها الأول، لكن أيضا على بناء اقتصاد وطني قوي، كما سنتابع في هذا الجزء، الثاني والأخير، من هذا البورتريه.

كان عبد السلام بنونة، كما تابعنا في الجزء الأول من هذا البورتريه، أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية في المنطقة الخليفية، بل واعتبره البعض أباها. فكرته الأساسية حول مواجهة الاستعمار  قامت على المعرفة في شقها الأول، لكن أيضا على بناء اقتصاد وطني قوي، وهو ما سنتابعه في هذا الجزء، الثاني والأخير. فلماذا اعتبر عبد السلام بنونة المشاريع الاقتصادية مدخلا مهما لمواجهة الاستعمار؟ ما أبرز المشاريع الاقتصادية التي أسسها؟ وهل كانت هذه المشاريع بغاية الانتفاع الشخصي؟.

المشاريع الاقتصادية كمدخل لمقاومة الاستعمار

بالموازاة مع المعرفة، يشير أستاذ التاريخ المعاصر، مصطفى المرون، إلى أن بنونة كان يرى أن عملية التحرر الوطني يجب أن تمر عبر بناء اقتصاد وطني مستقل عن منظومة الاقتصاد الكولنيالي المدمر لكل أسس نهضة اقتصادية للبلدان المستعمرة، وهو؛ أي الجانب الاقتصادي، ما لم ينتبه له أحد من قبله.

اقرأ أيضا: مليكة الفاسي… المرأة الوحيدة الموقعة على عريضة المطالبة بالاستقلال 2/1

تكوين عبد السلام بنونة الثقافي، وإلمامه بلغات عديدة، بجانب تقلده مناصب بارزة بالمنطقة الخليفية، إذ أنه كان أمين الأملاك المخزنية سنة 1915، ثم محتسب مدينة تطوان منذ 1916، ووزيرا للمالية سنة 1922، كل هذه الأمور ساعدته على الاطلاع على الاختراعات التي طورت الصناعة في أوروبا، ثم عمل على جلبها وتدريس علومها بالمغرب.

سلطات الحماية الإسبانية كانت تشك كثيرا في المبادرات المتتالية لعبد السلام بنونة، إذ تساءلت عن الدافع الأساسي وراء رغبته في إنشاء مشاريع عدة في نفس الوقت وفي ميادين مختلفة.

هكذا وفق مصطفى المرون، فتح عبد السلام بنونة، ابتداء من سنة 1906 تجارة مع شريك آخر اسمه أحمد بن عبد الله. ثم سنة 1917، ساهم في شركة اسبانية لصنع الفخار، وسنة 1923، ساهم في شركة ألمانية لاستيراد البضائع.

في غضون ذلك، أشار عليه طلعت حرب باشا (اقتصادي ومفكر مصري) بعد مراسلات عدة بإنشاء بنك؛ لكن عبد السلام بنونة أجل المشروع، إذ رأى أن العقلية الرجعية السائدة في تلك الفترة سترى في مشروعه عملا مخالفا للدين الإسلامي.

بنونة قام أيضا بعد ذلك بإنشاء مجموعة من المشاريع، بعضها نجح وبعضها فشل، كشركة التعاون الصناعية التي هدف من خلالها إلى إنشاء الطاقة الكهربائية وتوزيعها مثلا. وكذا المطبعة المهدية التي أسسها كشركة مساهمة، الهدف منها طبع الكتب المدرسية وإنزالها إلى السوق الوطني بثمن أقل من الكتب المقررة الآتية من مصر.

اقرأ أيضا: إستيفانيكو، سعيد بن حدو، مصطفى الأزموري… ثلاثة وجوه لمغربي واحد، كان أول إفريقي تطأ قدماه أمريكا!

بجانب مشاريع كثيرة أخرى لا يسع المقام لذكرها، أسس أيضا معملا أسماه معمل بنونة للثياب الوطنية، وقد حقق نجاحا كبيرا في المشرق بفضل أفراد البعثات العلمية، وأيضا بمنطقة الحماية الفرنسية حيث كانت المنتوجات الفرنسية مقاطعة من طرف المغاربة، كرد فعل على الظهير البربري.

مشاريع بغاية انتفاع شخصي؟

يقول مصطفى المرون إننا أمام كل هذه المشاريع، قد تتبادر إلى ذهننا مجموعة من الأسئلة، أبرزها إن كان عبد السلام بنونة رجل أعمال يبحث عن ربح مادي خاص، أم رجلا ذا بعد وطني. لكن فيما تتجلى الوطنية في هذه المشاريع؟

ذات الباحث يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بناء على شهادات، من بينها شهادة عبد الكريم غلاب الذي يقول “كل هذه المنشآت كانت تستهدف، إلى جانب التنمية الصناعية والفكرية، محاولة منافسة الصناعة الأجنبية”.

قام بنونة بإنشاء مجموعة من المشاريع، بعضها نجح وبعضها فشل، كالمطبعة المهدية مثلا، التي أسسها كشركة مساهمة، الهدف منها طبع الكتب المدرسية وإنزالها إلى السوق الوطني بثمن أقل من الكتب المقررة الآتية من مصر.

بعض الكتابات التاريخية تؤكد أن سلطات الحماية الإسبانية كانت تشك كثيرا في المبادرات المتتالية لعبد السلام بنونة، إذ تساءلت عن الدافع الأساسي وراء رغبته في إنشاء مشاريع عدة في نفس الوقت وفي ميادين مختلفة.

اقرأ أيضا: محمد الزرقطوني: رجل تجرع السم… ليحيا وطن! 2/1

وإذا كنا أسلفنا الذكر في الجزء الأول من هذا البورتريه، بأن شكيب أرسلان كان له دور في توجيه عبد السلام بنونة، فإننا نجد ذلك جليا في رسالته له سنة 1932، التي يقول فيها:

“لقد سررت بقولكم إنكم أنشأتم بتطوان معملا لتحسين الثياب الوطنية. لم يبق لنا يا أخي في الوقت الحاضر إلا هذا السلاح: العمل في إصلاح أمورنا الاقتصادية حتى نضارع بها المستعمرين. وهذا سيكون له نتيجتان عظيمتان، إحداهما تخلصنا من الفقر الذي نحن فيه، والثانية هي أن المستعمر عندما يرى بضائعه كاسدة يزهد في الاستعمار”.

وقد استمر عبد السلام بنونة في محاولات إنشاء مشاريع جديدة إلى حدود 9 يناير سنة 1935، حيث سيتوفى في مدينة رندة الإسبانية عن سن يناهز 47 عاما، ليوارى جثمانه الثرى بضريح سيدي محمد بلفقيه في حومة الجنوي بتطوان.

لقراءة الجزء الأول: عبد السلام بنونة… أب الحركة الوطنية 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *