الحجاب: ورطة الإخوان المسلمين (صور وفيديوهات) 2/2
خرج العديد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين عن “مألوف” الجماعة، ولم يفرضوا الحجاب على زوجاتهم وبناتهم.
على ما يبدو، فإن السّمت الذي بدت به الجماعة للمرة الأولى، ودعوتها إلى فرض الحجاب على النساء، بقدر ما سعى إلى إلزام المجتمع به، ارتد في المقابل مُلزماً كوادرها به، اتقاء نظرة المجتمع نفسه، فأمسى هٰؤلاء في ورطة بين نارين؛ نار الإلتزام بما ينطوي عليه من إلزام، ونار المجتمع الذي لا يغفر زلات المُلتزم بالمعنى (الديني) لما يمثله في مخياله الجمعي.
تابعنا في الجزء الأول كيف استعملت جماعة الإخوان المسلمين، ورقة الحجاب من أجل التمدد وإثبات الوجود في الساحة السياسية، للوصول إلى الحكم عن طريق تحجيب النساء بفرض رؤية إسلامية خاصة.
ونتابع في هذا الجزء الثاني، كيف استمر استغلال موضوع الحجاب في علاقة مع تغير أنظمة الحكم.
ما لبثت أن عادت موجة “الحجاب” إلى الواجهة بقرارٍ من الدولة، كما اختفت في المرحلة السابقة بقرارٍ من الدولة أيضاً، خاصة، بعد فتح السادات الباب على مصراعيه أمام الجماعات الإسلامية، بفضل الإمكانيات التي توفرت في عهده بشكل مباشر، خاصة للإخوان المسلمين أو تلك التي سعى الإخوان، بشكل غير مباشر، لاستغلالها.
في هذا الوقت، بدأت تدب في شرايين الجماعة دماء جديدة باستقطاب جيل السبعينات من الشباب، خاصة شباب الجامعات كعصام العريان، القيادي الإخواني، الذي يتحدث في لقاء مصور عن الحجاب وكيف انتشر في مصر، ويذكر فيه أنه التحق بكلية الطب عام 1971، ولم تكن هناك سوى زميلة واحدة محجبة بالكلية -على حد تعبيره، ثم، وفي ظرف خمس أو ست سنوات من العمل الدعوي، انتشر الحجاب بين نصف أو ثلث فتيات الكلية دون إكراه. (شاهد الفيديو أسفله).
تغذّت جماعة الإخوان المسلمين بعد نجاح عمر التلمساني، المرشد الثالث للجماعة، إلى حد كبير من الأفكار الجديدة لهذه العناصر الشابة، ومكنها ذلك من إقامة جسور من التواصل والثقة مع جيل الشباب. كما تشرب جزء من الإخوان بالأفكار السلفية التي طفت على السطح، تقبّلت ذلك الجماعة على مضض، مضطرة في ذات الوقت لقبول أفكار معينة كـ”فكرة الحجاب” مقابل تمويلات تمكِّنها من الحفاظ على البقاء حيّة.
بعد بعث جماعة الإخوان المسلمين من جديد على يد عمر التلمساني، على ضوء المُناخ المواتي الذي وفره النظام الساداتي، بفتح مساحات جديدة على حساب التيار اليساري، تمكّن الإخوان عن طريق التحالف -غير المُعلن- مع النظام من نشر الحجاب في الأوساط الطلابية، ومن تم داخل المجتمع.
لكن الغريب في الأمر “أن الحجاب لم يكن مفروضاً داخل جماعة الإخوان المسلمين أصلا، وأسرة المؤسس حسن البنا لم ترتده”، إذ أن زيّ نساء الجماعة كان مختلفاً بحسب المناطق؛ أي أن زيّ نساء الإخوان في ذلك الوقت لم يكن على صعيد واحد من ارتداء الحجاب أو الجلابيب الطويلة التي انتشرت فيما بعد داخل المجتمع المصري.
لم يكن حسن البنا الوحيد في القائمة، فقد اصطفّ إلى جانبه مجموعة من كوادر جماعة الإخوان المسلمين؛ على رأسهم حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، إذ لم تكن بناته يرتدين الحجاب الأمر الذي آخذه عليه جمال عبد الناصر بعد أن طالبه بفرض الحجاب؛ حيث ناقش الهضيبي عبد الناصر في فرض الحجاب على نساء مصر، فردّ الأخير: حجب بناتك أولا [1]. (شاهد الفيديو أسفله).
كذلك الحال بالنسبة للشيخ أحمد الباقوري، أحد كوادر الجماعة قبل أن يُجبر على تقديم استقالته للهضيبي بعد قبوله بمنصب وزير الأوقاف في عهد عبد الناصر. لم يجد الرجل غضاضة فى أن تظهر بناته بدون حجاب على العيان، وأمام كاميرات الصحافة، كما له صورة من سهرة رمضانية بحضور فنانين وفنانات جالساً مع زوجته وبناته، كما يقول الخبر، وهنّ غير محجبات.
لم يخرج منير الدلة، ارستوقراطي جماعة الإخوان المسلمين، عن دائرة المذكورين أعلاه، إذ كانت زوجته آمال عشماوي، شقيقة قطب الإخوان حسن العشماوي، غير محجبة، كما تظهر كذلك في صورة زفافهما بتنورة الزواج دون حجاب.
مع هٰؤلاء ينضاف أحد كوادر جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ محمد الغزالي، الذي تزوجت ابنته من ابن الكاتب الليبرالي إحسان عبد القدوس، دونما تقيُّد بحجاب (شرعي) كما تداولته الجماعة.
ناهيك عن صاحب فكرة الإحياء الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، عمر التلمساني، والذي أحدث نقلة في تاريخها بدوره. الأخير برز كرجل على قدر عالي من التحضر، إذ ، على الرغم من انتشار الحجاب على نطاق واسع على يد الجماعة خلال توليه مسؤولية المرشد العام، لم يكن يفرض على زوجته أو ابنته ارتداء الحجاب.
ربّما خرجت هذه الكوادر المذكورة عن مألوف الجماعة، أو أنّها مثّلت الأصل الشّاذ، حيث إن الشذوذ هو الأصل والقاعدة، أحياناً. لكن، على ما يبدو، فإن السّمت الذي بدت به الجماعة للمرة الأولى، بقدر ما سعى إلى إلزام المجتمع به، ارتد في المقابل مُلزماً كوادرها به، اتقاء نظرة المجتمع نفسه، فأمسى هٰؤلاء في ورطة بين نارين؛ نار الإلتزام بما ينطوي عليه من إلزام، ونار المجتمع الذي لا يغفر زلات المُلتزم بالمعنى (الديني) لما يمثله في مخياله الجمعي.
تظل جماعة الإخوان المسلمين كغيرها من جماعات الإسلام السياسي مُلزَمة بما ألزَمت المجتمع به، بيد أن ظروف السياسة في مثل هذه الحالة غالباً ما تُنتج ازدواجية في الخطاب لدى هذه التيارات التي تسعى جاهدة، طيلة سنواتٍ خلت وإلى الآن، في كسب أرض جديدة كل يوم. وتظل قضية الحجاب محورية في خطاب تيارات الإسلام السياسي؛ إذ كلّما زادت رقعة الحجاب زادت قوة الإسلاميين.
[1] عن التلفزيون المصري، في 12 يوليو سنة 1960م
لقراءة الجزء الأول: الحجاب: ورقة الإخوان المسلمين (صور) 1/2
مواضيع قد تهمك:
- الإخوان المسلمون… التأسيس وحلم الخلافة 1/3
- الإخوان المسلمون: السّلفيّة من الفكرة إلى الدّعوة فالجهادذ
- الطريق إلى الإرهاب: خطّة الإخوان لاختراق الدّولة والسّيطرة عليها
- علي اليوسفي: النساء، الحجاب، الاختيار والحرية…
- علي اليوسفي: الحجاب والإسلام – 1\3
- من اليمن، حسين الوادعي يكتب: في النقاب والحجاب واليسار الفرنسي