الأعراق البشرية: هل يستدعي اختلافُ لونِ البشرةِ العنصريةَ حقّا؟ (الجزء الثالث)
خلال الـ10 آلاف عام الأخيرة، تحسنت حياة الإنسان، وصار بإمكانه حماية نفسه من الأشعة فوق البنفسجية بوسائل حضارية: ثياب، مساكن تقي من أشعة الشمس…
غير أن تصبغ الجلد يظل شاهدا على واحد من أفضل نماذج التطور فيما يتعلق بتأثير الانتخاب الطبيعي على جسم الإنسان.
لقد كان لون البشرة في غاية الاستجابة للتطور… هذه الحقيقة مبهرة، والعلم بها، يشكل أهمية قصوى للمجتمعات البشرية الحديثة، لردم العنصرية القائمة على اللون.
تابعنا في الجزء الثاني من هذا الملف، كيف اخْتُرع التمييز بين البيض وغير البيض.
في هذا الجزء الثالث، نواصل عرضنا لكتاب “الأعراق البشرية… هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟[1]“، حيث نكتشف إذا ما كانت هنالك صلة بين لون البشرة والعرق.
عمى الألوان
أن يكون دستور بلاد ما أعمى الألوان، فذلك يعني أنه لا يعرف ولا يجيز وجود فئات بين المواطنين.
غير أن مبدأ عمى الألوان هذا، كما يظهر، يختزل العرقَ في لون الجلد أو البشرة…
عمى الألوان مبدأ يمكن إيجازه في عبارة: “الكل واحد تحت بشرته”.
هذه العبارة شاعت خلال حقبة الحقوق المدنية، ولم تكن مطلبا اجتماعيا، إنما مطلبا أخلاقيا… أي الكف عن معاملة الأشخاص على نحو أفضل أو أسوأ بناء على عرقهم، ومعاملة الجميع بدلا من ذلك كما لو كانوا جميعا واحدا تحت بشرتهم.
جميع البشر اليوم نشؤوا من نسل أجداد ذوي بشرة داكنة، طوروا تصبغا دائما بالميلانين في جلودهم لوقايتهم من أشعة الشمس، الغنية بالأشعة فوق البنفسجية، التي تميز إفريقيا الاستوائية.
المشكل في هذا المبدأ، أنه لا يُدرِج ضمن العنصرية أي إشارة إلى ثقافة المجموعة.
العنصرية الثقافية عبارة عن هيكل يقوم على حجج ذات أسس ثقافية، من قبيل “المكسيكيون لا يركزون كثيرا على التعليم” أو “السود لديهم الكثير من الأطفال”…
هكذا، وفي ضوء عمى الألوان، يعتبر عنصرية فقط، الإشارات الصريحة إلى لون البشرة، أو استخدام الألقاب والنعوت العنصرية التي تنطوي على ازدراء صريح.
بهذا المعنى، عمى الألوان على الأقل، يؤكد أن العرق غير متورط… ما دام تركيزه ينصب على الفشل الثقافي أو السلوك السيئ.
علامة العرق: لون البشرة؟
يأتي جلد الإنسان في مجموعة ألوان (ليس من بينها الأخضر أو الأزرق طبعا)… ولون البشرة، علميا، لا صلة له بالعرق، يؤكد المؤلَّف.
لكن، في الغالب، يعد لون البشرة بمثابة العلامة العرقية الأساسية. التمييز على أساس لون البشرة لا يزال مستمرا إلى اليوم في العالم.
الحقيقة أن جميع ألوان البشرة، داكنة كانت أو فاتحة، لا تعزى إلى المفهوم الجامد للعرق، بل إلى تكيف الإنسان المتواصل مع الحياة تحت الشمس كما سنرى بعد قليل.
ثم إن الأفراد ذوي البشرة الداكنة؛ من جنوب الهند وسريلانكا مثلا، ومن إفريقيا الوسطى ومن جزر المحيط الهادئ يتباينون على نحو كبير في سمات أخرى، بل وقد تطوروا على نحو منفصل.
على الرغم من التشابه الكبير في ألوان بشرتهم إذن، فإننا بلغة شعبية، سوف نصنفهم بوصفهم من أعراق مختلفة.
بناء عليه، لا علاقة بين لون البشرة وما يعرف بالعرق.
مسألة تكيف وتطور!
بحلول منتصف القرن الـ20م، قرر بعض العلماء أن لون البشرة اقترن بشكل كبير بالأشعة فوق البنفسجية.
هذه الأشعة، بحسب المؤلَّف، مسؤولة عن أكثر من 87 بالمائة من التباين في لون البشرة لدى البشر.
لكن كيف يمكن إثبات أن صبغة بشرة الإنسان، هي تكيف تطوري فعلي مع الأشعة فوق البنفسجية؟
في البداية، التكيف في لغة التطور، سمة تتيح لكائن التناسل بنجاح أكبر تحت ظروف بيئية معينة أكثر من كائنات لا تحظى بهذه السمة.
أما الأشعة فوق البنفسجية، فهي شكل نشط للغاية وغير مرئي من الإشعاع الشمسي، يستطيع إلحاق الكثير من الضرر بالكائنات الحية.
عموما، الحياة على الأرض في مأمن من هذه الأشعة الضارة بفضل الغلاف الجوي، غير أن قدرا منها ما زال يخلف آثارا بيولوجية قوية.
حين نرى كيف تعرّف الأعراق باستخدام لون البشرة، نعرف أين يكمن المشكل في الحال. وحينها فقط… تزول قيمة لون البشرة كعلامة فريدة على الهوية، ويصير العرق الذي يعرّف على هذا النحو بلا معنى.
جميع البشر اليوم نشؤوا من نسل أجداد ذوي بشرة داكنة، طوروا تصبغا دائما بالميلانين في جلودهم لوقايتهم من أشعة الشمس، الغنية بالأشعة فوق البنفسجية، التي تميز إفريقيا الاستوائية.
ثم حين هاجر بعض من أسلاف الإنسان الحديث من أشد المناطق المشمسة في إفريقيا إلى جنوب إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وجدوا مستويات أقل من هذه الأشعة.
بالتأكيد يعني هذا مواجهة ضرر محتمل أقل، لكن… الأشعة فوق البنفسجية ليست بالشيء السيئ في مجملها.
إنها تقوم بتصنيع “فيتامين د” في الجلد.
وطالما أن البشرة الداكنة تحتوي على كثير من الميلانين، الواقي من الشمس، فإن عملية إنتاج فيتامين د في الجلد، تباطأت. ظروف فرضت تحديا جديدا على أسلافنا.
كيف أمكن لأجدادنا إذن، ممن عاشوا في ظروف انخفضت فيها الأشعة فوق البنفسجية، من “إنتاج فيتامين د”؟ الإجابة: بالبشرة الفاتحة.
لقد مر الأفراد ذوو البشرة الفاتحة بطفرات جينية معينة أدت إلى خفض إنتاج الميلانين، ومن ثم انخفاض الواقي الطبيعي من الشمس في جلودهم.
استمتع بكونك إنسانا ذا لون متفرد!
خلال الـ10 آلاف عام الأخيرة، تحسنت حياة الإنسان، وصار بإمكانه حماية نفسه من الأشعة فوق البنفسجية بوسائل حضارية: ثياب، مساكن تقي من أشعة الشمس…
غير أن تصبغ الجلد يظل شاهدا على واحد من أفضل نماذج التطور فيما يتعلق بتأثير الانتخاب الطبيعي على جسم الإنسان.
لقد كان لون البشرة في غاية الاستجابة للتطور… هذه الحقيقة مبهرة، والعلم بها، يشكل أهمية قصوى للمجتمعات البشرية الحديثة، لردم العنصرية القائمة على اللون.
حين نرى إذن كيف تعرّف الأعراق باستخدام لون البشرة، نعرف أين يكمن المشكل في الحال.
وحينها فقط… تزول قيمة لون البشرة كعلامة فريدة على الهوية، ويصير العرق الذي يعرّف على هذا النحو بلا معنى.
[1] تأليف: آلان إتش جودمان، يولاندا تي موزس وجوزيف إل جونز. ترجمة: شيماء طه الريدي وهبة عبد المولى أحمد.
لقراءة الجزء الأول: الأعراق البشرية… حتمية بيولوجية أم اختراع حديث؟
لقراءة الجزء الثاني: الأعراق البشرية… هكذا ظهر التمييز العرقي بين البيض والسود!
لقراءة الجزء الرابع: الأعراق البشرية: التباين البيولوجي بين البشر… مسألة عرق أم تطور؟
مواضيع قد تهمك:
- المغاربة السود، أين هم؟ في حديث مع مبارك بوحشيشي حول الفن والعرق وأهمية التفكيك الإيديولوجي 1/3
- مبارك بوحشيشي: هكذا تم “تبييض” المغرب وتجريده من إفريقيته 2/3
- مبارك بوحشيشي: المغرب أسود… ولن ينجح في تجسيد البياض اليوناني 3\3
- مقتل فلويد والنضال ضد العنصرية: محاكمة التاريخ والبديهيات!
- الطلبة المغاربة في فرنسا.. هاجس عدم العودة للوطن وتزايد العنصرية (2/2)