الأعراق البشرية… هكذا ظهر التمييز العرقي بين البيض والسود! (الجزء الثاني)
عادة ما يشير علماء الأنثربولوجيا اللغوية إلى أن العرق الأبيض فئة عرقية غير موسومة.
يعني ذلك أن هذه الفئة تمثل المعيار الطبيعي الذي يقاس الآخرون على أساسه، رغم أن أفرادها نادرا ما يعترفون صراحة أو رسميا بذلك.
يظن هؤلاء أن العرق الأبيض بمثابة نجم قطبي يوجه إلى التعامل مع الفئات الأخرى على أنها استثناءات.
عرفنا في الجزء الأول أن العرق ليس مسألة بيولوجية، كما هو شائع، إنما هو اختراع بشري حديث.
في هذا الجزء الثاني، نتابع قراءتنا في كتاب “الأعراق البشرية… هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟[1]“، حيث نتابع كيف ظهر التمييز العرقي بين البيض والسود.
يقر معظم الباحثين حاليا بأن العرق فكرة تتعلق بالاختلاف البشري، وهي في نظرهم، فكرة غير دقيقة على نحو مؤسف لفهم وتفسير طبيعة التنوع البشري.
الأعراق البشرية لم تنشأ في الطبيعة، إنما هي نتاج المعتقدات الشعبية التي انبثقت عن ممارسات ثقافية واجتماعية.
كما تابعنا في الجزء الأول، ظهرت فكرة العرق تحديدا من أجل تبرير بروز شكل جديد من العبودية، متجرد من الصفات الإنسانية.
يؤكد المؤلَّف أن القرارات التي اتخذها زعماء المستعمرات في أمريكا بين القرنين الـ17 والـ18م، هي التي أسفرت عن ترسيخ العبودية العرقية.
هؤلاء قاموا بتمرير مجموعة من القوانين التي من شأنها عزل الأفارقة وذريتهم، وتقييد حقوقهم وحركتهم، وفرض حالة من العبودية الدائمة عليهم.
التقسيم العرقي (البيض وغير البيض) أحدث وأقل عقلانية مما قد يظن المرء… الانتماء إلى العرق الأبيض انتماء ثقافي وسياسي بالأساس، ولا يمكن فهمه من خلال رده إلى أسباب بيولوجية خالصة أو أي خيالات وأكاذيب أخرى!
للمفارقة، الأساس الأول للعبودية العرقية لا يستحضر الاختلافات المتعلقة بالملامح الجسدية… إنما يُعرّف الأفارقة على أنهم ملحدون غير متحضرين.
كذلك، حين قام الإنجليز باحتلال أراضي الأمريكيين الأصليين، اعتبروهم همجيين، قبل أن تتغير هذه الصورة في أواخر القرن الـ18 إلى شكل “أكثر اعتدالا” فوصفوهم بالهمجيين النبلاء.
الذي يهمنا أنه لما انتهت العبودية، كان العرق قد ترسخ، بوصفه منزلة اجتماعية وأساس الهوية البشرية…
بعدها، ترسخ الاعتقاد بوجود جماعات منفصلة، ومميزة، ومقصورة على نفسها، خلقها الله غير متساوية، أو هكذا صارت بحكم الطبيعة.
في التدرج الهرمي الذي تحدثنا عنه في الجزء الأول، كان الأمريكيون الأفارقة يأتون في نهايته بوصفهم الأدنى منزلة، بينما يأتي بعض البيض الأوروبيين في المقدمة.
كان يُعتقد يومها أن لكل عرق صفات جسدية وسلوكية مختلفة. هكذا، تشكلت الصورة النمطية للأمريكيين الأفارقة…
هؤلاء، بحسب هذه الصورة، أناس يفتقرون إلى الذكاء، ويتسمون بالكسل والرغبة الجنسية الجامحة والاندفاع واللاعقلانية، مولعون بالموسيقى، عاطفيون ويؤمنون بالخرافات.
الأدهى من هذا، أنه ثمة اعتقاد يقول بأن هذه الاختلافات موروثة وغير قابلة للتغيير، ولا سبيل إلى تجاوزها…
بعد الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، كان كثير من الأمريكيين البيض قد تأقلموا مع الاعتقاد القائل بدونية الأعراق الأدنى منزلة (السود والهنود).
… حتى إنهم لم يستطيعوا تقبل أصحابها كمواطنين مساويين لهم، بل بذلوا جهودا ضخمة لإبقائهم منعزلين وأقل شأنا.
غير أنه، بانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، عام 2008، ومع كثير من التغييرات الاجتماعية، بدأ البعض يرى أن قوة أيديولوجية العرق قد أخذت تتراجع وتنحسر، وأنها في طريقها إلى الزوال تماما.
اختراع العرق الأبيض
عادة ما يشير علماء الأنثربولوجيا اللغوية إلى أن العرق الأبيض فئة عرقية غير موسومة.
يعني ذلك أن هذه الفئة تمثل المعيار الطبيعي الذي يقاس الآخرون على أساسه، رغم أن أفرادها نادرا ما يعترفون صراحة أو رسميا بذلك.
يظن هؤلاء أن العرق الأبيض بمثابة نجم قطبي يوجه إلى التعامل مع الفئات الأخرى على أنها استثناءات.
أول استخدام قانوني لكلمة أبيض، ظهر في قانون خاص بمستعمرة فرجينيا عام 1691، يحظر الزواج بين البيض والسود.
غير أن معناها يومذاك ليس كاليوم… كانت تقتصر بصفة أساسية على الأنجلو-أمريكيين البروتستانت في تلك الفترة.
أما المهاجرون الألمان والإيرلنديون وأبناؤهم، فلم يصنفوا ضمن البيض، ولم تنعم بمزايا المواطنة الكاملة سوى طبقة ملاك الأراضي.
مع ذلك، كان تطور العرق الأبيض مشروعا مستمرا…
الأساس الأول للعبودية العرقية لا يستحضر الاختلافات المتعلقة بالملامح الجسدية… إنما يُعرّف الأفارقة على أنهم ملحدون غير متحضرين. وحين قام الإنجليز باحتلال أراضي الأمريكيين الأصليين، اعتبروهم همجيين، قبل أن تتغير هذه الصورة في أواخر القرن الـ18 إلى شكل “أكثر اعتدالا”… فوصفوهم بالهمجيين النبلاء.
رغم تمييزهم في البداية كالسود، أفسحت في الأخير المواصفات العرقية لجماعات المهاجرين الجدد من أوروبا، الطريق أمام إدراج تمييزات إثنية جديدة ضمن هوية عرقية مشتركة لمجتمع البيض.
على أنه، رغم الاعتراف القانوني والسياسي بهم، وكذا نجاحهم الاقتصادي، لم يترجم ذلك فورا إلى اعتراف اجتماعي وثقافي.
هذا الاعتراف لم يأت بشكل متساو حتى. كانت وتيرته بالنسبة إلى بعض الجماعات أبطأ عن غيرها…
كثير من الأنجلو-أمريكيين مثلا وجدوا أنه من الأسهل عليهم الترحيب بالألمان والإسكندنافيين، على الترحيب بالأيرلنديين وتقبلهم.
لكن، بحلول منتصف القرن الـ20، كان جميع المهاجرين القادمين من جنوب وشرق أوروبا، وأبناؤهم، ينظرون إلى أنفسهم كشعوب بيضاء، كما واعترف بهم سياسيا وثقافيا…
على أن الثقافة الشعبية ظلت، بين الفينة والأخرى، تذكرهم بأنهم لا يرقون إلى الجماليات المثالية للأنجلو-أمريكيين!
في هذه الفترة، صار لفظ البيض مرادفا لجميع الأسلاف الأوروبية، فيما ظل كفئات موسومة، الأمريكيون من أصول إسبانية (لاتينية)، الآسيويون، والأمريكيون الأفارقة.
هكذا إذن، تغيرت تعريفات العرق الأبيض وحدوده على مدار التاريخ الأمريكي…
الهوية العرقية البيضاء، بالمناسبة، ليست محببة للنفس سوى لأن الانتماء إليها يعود بمنافع شتى.
الذي نخلص إليه، وفق المؤلَّف، أن التقسيم العرقي (البيض وغير البيض) أحدث وأقل عقلانية مما قد يظن المرء…
الانتماء إلى العرق الأبيض انتماء ثقافي وسياسي بالأساس، ولا يمكن فهمه من خلال رده إلى أسباب بيولوجية خالصة أو أي خيالات وأكاذيب أخرى!
* الصورة المرافقة للمقال من إبداع الفنان عماد السنوني.
[1] تأليف: آلان إتش جودمان، يولاندا تي موزس وجوزيف إل جونز. ترجمة: شيماء طه الريدي وهبة عبد المولى أحمد.
لقراءة الجزء الأول: الأعراق البشرية… حتمية بيولوجية أم اختراع حديث؟
لقراءة الجزء الثالث: الأعراق البشرية: هل يستدعي اختلافُ لونِ البشرةِ العنصريةَ حقّا؟
لقراءة الجزء الرابع: الأعراق البشرية: التباين البيولوجي بين البشر… مسألة عرق أم تطور؟
مواضيع قد تهمك:
- المغاربة السود، أين هم؟ في حديث مع مبارك بوحشيشي حول الفن والعرق وأهمية التفكيك الإيديولوجي 1/3
- مبارك بوحشيشي: هكذا تم “تبييض” المغرب وتجريده من إفريقيته 2/3
- مبارك بوحشيشي: المغرب أسود… ولن ينجح في تجسيد البياض اليوناني 3\3
- مقتل فلويد والنضال ضد العنصرية: محاكمة التاريخ والبديهيات!
- الطلبة المغاربة في فرنسا.. هاجس عدم العودة للوطن وتزايد العنصرية (2/2)