الأعراق البشرية… حتمية بيولوجية أم اختراع حديث؟ (الجزء الأول)هل نحن مختلفون حقا؟
القوانين الأولى التي وضعت لإقامة الحدود العرقية والتراتبية الهرمية بين البشر، لم تظهر حتى منتصف القرن الـ17م، حين كانت “النظرة العرقية” فكرة جديدة يطالعها العالم لأول مرة.
ظهرت تحديدا من أجل تبرير شكل جديد من العبودية يجردها من الصفات الإنسانية…
ثم، منذ أواخر القرن الـ18م، أخذت تظهر “حجج علمية” لدعم هذه المعتقدات الشائعة.
العرق حقيقي… هكذا يظن معظمنا وهم على حق.
بيد أن العرق ليس كذلك فعلا من حيث اعتقادنا بأنه متأصل وموجود منذ الأزل، وبأن له أساسا بيولوجيا!
بعبارة أخرى؛ التفكير العرقي اختراع بشري حديث كما سنرى بعد قليل.
صار العرق منذ قرون، كرة غزل يتشابك فيها التاريخ والثقافة والهوية وعلم الأحياء… وقد بتنا نعتقد به حتى أرخى بعواقب وخيمة على الإنسانية.
صحيح أنه لا يمكن سرد القصة الكاملة للكيفية التي شكل بها العرق الأحداث التاريخية، ويواصل بها تأثيره على الأفراد… إلا أنه، بالتركيز على مفهوم التنوع كما هو شائع حاليا، يمكن تبديد الجذور الأكثر رسوخا للعرق.
ذاك ما يحاول كتاب “الأعراق البشرية… هل نحن حقا على هذا القدر من الاختلاف؟[1]“، الذي نقرأه في هذا الملف، توضيحه للقراء، بحيث يفهمون أن العرق حقيقي، لا لأسباب بيولوجية، إنما هو كذلك فقط، للمعنى الذي نسبغه عليه.
نحن مختلفون… لكن!
يلاحظ الواحد منا كل يوم، اختلاف بعضنا البعض في المظهر البيولوجي…
لكن الاختلافات في لون البشرة، وغيرها مما نزعمه من علامات نستدل بها على العرق، ليست لها أهمية اجتماعية وسياسية متأصلة، أو أشد تأصلا مما تسبغه عليها ثقافتنا.
الأعراق البشرية موجودة لمجرد أننا اختلقناها، وبالأشكال التي خلدناها بها ليس إلا. العرق في الأساس، ليس سوى اختراعا ثقافيا عن الاختلافات البشرية.
بالتأكيد… هناك اختلافات لغوية وثقافية وبيولوجية ووراثية بين البشر، إلا أنها ليست عرقية؛ بمعنى أنها لا تقسم الأفراد بطبيعتهم إلى أعراق.
مما يقوم عليه علم الأنثربولوجيا، أن ما نراه على أنه حقيقي، إنما يعزى غالبا إلى ما تهيئ آراؤنا السائدة عقولَنا لرؤيته.
… بذات الطريقة التي نرى بها الشمس تدور حولنا، فيتهيأ لنا أنها تدور حول الأرض!
هكذا نعزو الاختلاف إلى العرق، لا لشيء سوى لأن الفكرةَ منتشرةٌ حولنا، وليست محل نظر أو نقاش.
فكرة العرق هذه، لا تزال تبعاتها تؤثر كل يوم على حياتنا، حتى إن العرق لم يعد بنية اجتماعية وحسب، بل عقدا اجتماعيا قويا، يؤكد المؤلَّف.
صرنا نعيش في مجتمعات مشبعة بفكرة العرق؛ غارقة فيه إلى الحد الذي صارت معه مرتعا للتفكير العنصري.
هذه الفكرة، بطريقة أو بأخرى، تؤثر في تجاربنا جميعا وفي كل منحى تقريبا من مناحي الحياة.
… تأثيرات قد تظهر على نحو مؤلم، وقد لا نلحظها مع أنها موجودة دائما.
اختراع بشري حديث
مر العالم بفترة لم يكن فيها العرق قد شوه مفاهيم التنوع البشري بعد. على ذلك اتفق معظم علماء الأنثربولوجيا، والمؤرخون، وغيرهم ممن يدرسون الأنظمة الثقافية والاجتماعية ومقارنتها.
هذه الفترة، بحسب هؤلاء، ليست ببعيدة للغاية، أما ما حدث بعدها، يورد المؤلَّف، فلم يكن نتاجا لتطور بيولوجي أو صنيع إلهي.
هؤلاء، توصلوا في أبحاثهم إلى أن العرق بنية اجتماعية/تاريخية/ثقافية؛ منظومة من الفكر والهويات والعلاقات المادية، التي انبثقت ببطء في سياق التوسع الاستعماري الذي سارت فيه أوروبا الغربية بداية القرن الـ15م.
أليس العرق بصفة بشرية مميزة وفطرية ومثبتة تجريبيا؟
لا! يوضح هؤلاء أن القوانين الأولى التي وضعت لإقامة الحدود العرقية والتراتبية الهرمية بين البشر، لم تظهر حتى منتصف القرن الـ17م، حين كانت “النظرة العرقية” فكرة جديدة يطالعها العالم لأول مرة.
ظهرت تحديدا من أجل تبرير شكل جديد من العبودية يجردها من الصفات الإنسانية… ثم، منذ أواخر القرن الـ18م، أخذت تظهر “حجج علمية” لدعم هذه المعتقدات الشائعة.
العرق بنية اجتماعية/تاريخية/ثقافية؛ منظومة من الفكر والهويات والعلاقات المادية، التي انبثقت ببطء في سياق التوسع الاستعماري الذي سارت فيه أوروبا الغربية بداية القرن الـ15م.
الأبحاث الراهنة، بحسب المؤلَّف، تشير إلى أن الأعراق البشرية موجودة لمجرد أننا اختلقناها، وبالأشكال التي خلدناها بها ليس إلا.
العرق في الأساس إذن، ليس سوى اختراعا ثقافيا عن الاختلافات البشرية.
وماذا عن الشعوب الأولى؟
إذا كان العرق اختراعا حديثا، فقد نتساءل عن الكيفية التي عالجت بها الشعوب الأولى الاختلاف البشري.
كيف فهم أسلافنا التنوع الثقافي والبيولوجي إذن؟ وإذا كان العرق حديثا في التجربة الإنسانية، فما الذي كان سابقا على التفكير العرقي؟
لا شك أن الشعوب السابقة كانت شعوبا تتسم بالاستعلاء العرقي، فكل منها كان يعتقد أنه أعلى شأنا من الناحية الثقافية عن غيره…
غير أن هذا المنطق؛ الاستعلائي العرقي، يختلف كثيرا عن المنطق العرقي الذي ظهر لاحقا، يوضح المؤلَّف.
كان الناس قبل نشأة العرق، أكثر ميلا إلى ربط الممارسات الثقافية على نحو غريزي؛ في الغالب، كانت الاختلافات الجسدية تعزى إلى الظروف البيئية المختلفة.
وحتى عندما يعتبرون الغير، مختلفا ثقافيا، من حيث اللغة أو الدين أو الغذاء أو الزينة أو غير ذلك من السلوكيات، فقد مالوا إلى اعتبار هذه النقائص أمورا قابلة للتقويم.
نقائص سلوكية، يمكن مع مرور الوقت محوها، من خلال التنشئة الثقافية… بالمقابل، لم يتسن اليوم محو الدونية العرقية، فهي “متأصلة” بحكم تعريفها.
هكذا، فإن مفاهيم التنوع السابقة على ظهور العرق، لم تمنع المرءَ من إدراك أو إقرار القدرة المشتركة للبشر على التعلم والإسهام في الثقافة والمجتمع…
بصرف النظر عن الصفات المرتبطة بالمظهر… التي استخدمت فيما بعد لتمييز الأعراق!
لقراءة الجزء الثاني: الأعراق البشرية… هكذا ظهر التمييز العرقي بين البيض والسود!
لقراءة الجزء الثالث: الأعراق البشرية: هل يستدعي اختلافُ لونِ البشرةِ العنصريةَ حقّا؟
لقراءة الجزء الرابع: الأعراق البشرية: التباين البيولوجي بين البشر… مسألة عرق أم تطور؟
[1] تأليف: آلان إتش جودمان، يولاندا تي موزس وجوزيف إل جونز. ترجمة: شيماء طه الريدي وهبة عبد المولى أحمد.
مواضيع قد تهمك:
- المغاربة السود، أين هم؟ في حديث مع مبارك بوحشيشي حول الفن والعرق وأهمية التفكيك الإيديولوجي 1/3
- مبارك بوحشيشي: هكذا تم “تبييض” المغرب وتجريده من إفريقيته 2/3
- مبارك بوحشيشي: المغرب أسود… ولن ينجح في تجسيد البياض اليوناني 3\3
- مقتل فلويد والنضال ضد العنصرية: محاكمة التاريخ والبديهيات!
- الطلبة المغاربة في فرنسا.. هاجس عدم العودة للوطن وتزايد العنصرية (2/2)