سياسة التعريب وكورونا… هل جاءت الجائحة للكشف عن عورة فشل سياسة التعريب في المغرب؟ 1 - Marayana - مرايانا
×
×

سياسة التعريب وكورونا… هل جاءت الجائحة للكشف عن عورة فشل سياسة التعريب في المغرب؟ 1\2

هل هناك دراسة علمية رصينة أثبتت أن التعريب فشل أم أنها مجرد أحكام قيمة ورُؤى انطِباعيّة لا مِصداقية لها على أرض الواقع؟ 

منذ عقدين وهم يقولون… لقد فشل مشروع التّعريب بالمغرب.

لكن، هل فعلاً جاءت جائحةُ كورونا لتثبت أن التعريب كان قراراً سياسياً وإدارياً خاطئًا؟ وهل حانَ الوقتُ للقيام بوقفة تأمّلية، لندرك أنّ التعريب، ربّما، تمّ إفشاله لغايات سِياسية صرفة، لتوطين النّخب المُفرنسة في دواليب الدّولة ومواقع المسؤولية السياسية والإدارية، كما يقول المدافعون عن اللغة العربية؟

هل حقّا ظلّ البساطُ لعقود من الزّمن تحتَ أقدام المتاجرين بمستقبل البلد، على حساب التّنوع الهوياتي وحضور المكون الأمازيغيّ في المغرب؟

أَصحيحٌ أنّ التّعريب غلّف معطى أيديولوجيًّا بحلّ بيداغوجيّ، لصرف النّظر عن الدوافع الحقيقية لوضع هذه السّياسة؟

… وهل الجائحة دقّت المسمار الأخير في نعش سياسة التعريب؟

هذه الأسئلة وأخرى، تجيبُ عنها مرايانا في هذا الملف، من منظور متخصصين وباحثين في التعريب فضلاً عن مُترجِمين.

التّعريب والجائحة

تذهبُ بعضُ الأطروحات، التي طفت إلى السّطح، وظلّت ساريةً بنوع من الصّمت في الحقل المعرفيّ، إلى أنّ الجائحة، وما واكبها من غزارة الأبحاث العلمية الكونية، التي تمّ وضعها تحت تصرّف البشرية، أثبتت فشل اللّغة العربية في اللّحاق بالعلوم، وظلّت متردّدةً تجاه البحوث الوافدة من الغرب… فما مدى صحّة هذه الأطروحة؟

فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، يعتقدُ أنّ التقييم الموضوعي لسياسة التّعريب، بغض النّظر عن ما فرضته الجائحة، ينبغي أن يطرح أوّلاً في سياق البحث عن الأسئلة الحقيقية: هل التّعريب فشل أم أُفشل؟ هل فعلا كان لدى الدولة سياسة لتعريب الإدارة والتعليم والحياة العامة أم كان الأمر عبارة عن محاولات تائهة دون رؤية حقيقية؟

في تصريحه لمرايانا، يقول بوعلي: “يكفي أن نذكر هنا بأن المؤسسة التشريعية قد جمدت قانونين أساسيين لتنزيل سياسة التعريب هما: مقترح قانون تعريب الإدارة والحياة العامة، الذي تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية منذ سنوات، وقانون اللغة العربية الذي تقدم به فريق البيجيدي، حيث يشير المقترحان إلى ضرورة الحفاظ على سلامة اللغة العربية في التواصل المهني والإداري. إضافة إلى تحديد مرجعية واحدة في ضبط الشبكة الاصطلاحية والمادة المفهومية“.

كان من المفروض، حسب المتحدث، أن يتسع مجال الظّهير الشريف الصادر في 26 يناير 1965، الذي وحدت بمقتضاه المحاكم، وباتت بفضله اللغة العربية وحدها لغة التداول والترافع والأحكام، ليشمل التعريب المناحي الأخرى للحياة العامة.

لكن… وبالرغم من تفنن رؤساء الحكومة المغربية المتوالين في إصدار المراسيم منذ 1972، وصولاً إلى سعد الدّين العثماني، والتي تقضي باعتماد اللغة العربية في التواصل والمراسلات والقرارات، لم تستطع هذه المراسيم إحداث التغيير المطلوب، يقول بوعلي.

يظهر جلياً أنّ الإشكال في مسألة التعريب ليس علمياً، وكان بوسع العربية أن تساير تراكمات الجائحة وتطوّرها. لكنّ بوعلي يرى أن المشكل سياسيّ أوّلاً وأخيراً. “فالمؤسسات والمختبرات المهتمة بالتعريب والترجمة تجتهد في نقل كل المعارف والعلوم وتعريب المصطلحات الحديثة حسب الحاجة العلمية والمعرفية”، وفق ما يوضحه رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.

كانت هناك محاولات لتفادي الفشل في أوج الجائحة، وأنجز مكتب تنسيق التعريب معجماً خاصّا بكورونا منذ بداية تفشّي الوباء. من ثمّة، لا شكّ أنّ جل المؤسسات تجتهد، عملياً، في مُسايرة العصر لغوياً. بيد أنّ الغريب هو كيف نريد للتعريب أن ينجح في أمة هي أصلاً خارج الزّمن العِلمي والمَعرفي؟ وما هي المؤسسات التي تحتاج أو تطلب المصطلحات المعرّبة؟ فالهيمنة الفرنكفونية على دواليب الإدارة والثقافة والسياسة تجعل الحاجة إلى العربية متناقصة، يختمُ بوعلي.

إذن، الإشكال سياسيّ وليس عِلمياً بالضّرورة.

“إذا عُرّبت خُرّبت”؟

محمد الراضي، أستاذ باحث بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب ومترجم، يصرّح لمرايانا بأنّ التّعريب يوصفُ دائِما بأنّه عملية، تبدأ وتستأنفُ ويتراجعُ عنها ويُطعنُ فيها…لكن، وليس الأمر وليد اليوم، فإن سياسة التعريب لازمها باستمرار وصفُ الفشل، وأُلصقت بها عديدُ الأقاويل، على غرار “إذا عُرّبت خُربت”.

عموماً، الرّاضي يتّفق مع كلّ من يطرح السّؤال التالي: لماذا فشلت سياسة التعريب في السّنوات الأخيرة؟ وهل التّعريب بحد ذاته عملٌ مقرون بالفشل، لأنّ لا أفق له؟ هل هناك دراسة علمية رصينة أثبتت أن التعريب فشل أم أنها مجرد أحكام قيمة ورُؤى انطِباعيّة لا مِصداقية لها على أرض الواقع؟ لماذا نجح التعريبُ في قطاع حيوي في المغرب مثل العدل، ولم ينجح في قطاعات أخرى؟ ما الذي يجعله يلقى نجاحاً جزئياً وليس كلّيا؟

لكلّ ذلك، يرى الراضي أنّ التّعريب ليس منذوراً للفشل من تلقاء ذاته. وإنما هناك احتمالان، إمّا أنّ الذين عهد إليهم تطبيقه فشلوا عملياً في ذلك، أو أنه لم تكن ثمّة إرادة سِياسية حقيقية لتنزيله بالشّكل الكَفيل بإنجاحه، وألقي به في قبضة التّردد.

هناك معيار آخر، يقدمه الراضي، ويستدلّ به القائلون بفشل التعريب، سيما العلوم، وهو تراجع تحصيل الطّلبة في المواد العِلمية بعد البَكالوريا، “هنا، يجوز أن نتساءل، هل المشكل في العربية أم المشكل في السياسة الهجينة Hybride، التي تدرّس بالعربية طيلة الإعدادي والتأهيلي، ثم تقلبُ كل شيء للفرنسية خلال فترة التعليم الجامعي؟”

غير أنّه “في ظلّ غِياب دراسات، يبقى الأمر مجرد انطِباعات من كلّ الجَوانِب”، يقول الخبيرُ مضيفًا: “لا يُمكننا أن ننكِر الضّعف المهول في التّرجمة، الذي يستدلّ به البعض للقول بفشل التّعريب، ذلك أنّه لدينا ترجمات لأفراد، وليس ترجمات ترعاها مؤسّسات، تنمّ عن رغبة في توطين فعل التّرجمة في المغرب”.

الدّولة المغربية، عينها، لم تُعرب عن نية لجعل التّرجمة مشروعاً مؤسّسيّا، لتعمِيق حضور اللّغة العربية كلغة متمكّنة، يقول المشتغل في مجال الترجمة.

يجملُ المتحدّث بأنّ هُناك مئات الدّراسات الحَديثة والبُحوث القيّمة، التي تقاطرت على المَكتبة في السّنوات الأخيرة، خصوصاً في زمن الجائحة، إلاّ أنّها لم تلق التّفاعل المعقول من طرف المسؤولين لترجمتها إلى العربية. حتى لو بادَرت التّرجمات الفردية إلى دخول هذا المضمار، فلن تكون كافيةً، إذا لم تنهج الدولة سياسة مقبولة تجاه عملية التّرجمة في المغرِب، عبر رصْد أموال لدَعمها على المدى المتوسّط والبعيد.

لكن، هل يخلو مشروع التعريب من جانب أيديولوجي كان سبباًفي ضعفه وفشله في نهاية المطاف؟

سؤال يجبنا عنه عدد من الباحثين في الجزء الثاني من هذا الملف.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. أحمد مستاد

    أهلا،
    أنا أتساءل: ماذا فعل الحالمون بالتعريب من أجل التعريب؟ هل يشعر المغربي بالخجل لأنه لم يقرأ لمنيف وجبران والمعري والجاحظ؟ لماذا يعتبر بعض المغاربة الحديث بالعربية مجرد فذلكة؟ كنت مصدوما عندما سمعت أن عدد الكتب في العلوم الدقيقة التي ترجمها المغاربة خلال سنة كاملة هو ثلاثة كتب فقط.
    مجتمعيا، ألاحظ أن الأباء لايأبهون بمستوى إتقان أبنائهم للغة العربية، بل يشجعونهم ببراغماتية على تعلم لغات أجنبية. لذلك، أرى أن التعريب لايجب أن بنظر إليه من المنظور السياسي والتشريعي فقط، بل من خلال منظور تواطئ مجتمع حدد اختياراته بمعزل عن هويته ولغته وتاريخه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *