استحقاقات 2021 تحت مجهر مرايانا: في حقيقة “الزّعتر والباكور” ومآل تغوّل البورجوازية الحزبية! 3 - Marayana - مرايانا
×
×

استحقاقات 2021 تحت مجهر مرايانا: في حقيقة “الزّعتر والباكور” ومآل تغوّل البورجوازية الحزبية! 3\4

البورجوازية الحزبية ترى أنّها كانت الأكثر فاعلية في تحجيم القوى الأصولية سياسيا. لذلك، فإنها لم تعد قانعة بالأدوار التّنفيذية، بل تريد أن تكون أكثر فاعلية في صنع القرار السياسي والمالي والاقتصادي بما يخدم مصالحها.

بعد أن تابعنا بعض الظواهر التي تلاحق الانتخابات بالمغرب كالوليمة والترحال والعزوف السياسي وضعف الأحزاب في الجزأين الأول والثاني، في هذا الجزء الثالث، نرصد قراءة محتملة لتصريحات عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، وخطورة تغول “مشاريع مالية متخفية داخل مشاريع حزبية”.

نشيرُ أنه، ضمن تقرير النموذج التنموي الذي تمّ رفعه إلى الملك محمد السادس، وردت عبارة تلفّظ بها أحد المواطنين، مؤدّاها: “لا شيء يُنتظر من القادة السياسيين”.

بعدهُ بأيّام قليلة، نعت والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري الأحزاب بـ”الزعتر والباكور”.

العبارة أحدثت “فوضى” في بيت الأحزاب وجعلتها على صفيح ساخن من رفض “تبخيس” العمل السّياسي، خصوصاً أنّ العبارة جاءت في ظرفية حرجة وحساسة قبل الانتخابات…

الأحزاب حاولت الردّ على الجواهري، فقال حزب التجمع الوطني للأحرار، في بلاغ له، بأنّ تصريحات الجواهري “تسيئ للأحزاب السياسية، وتهين الفاعلين السياسيين وتقوض البناء المؤسساتي للمملكة، وتضرب في العمق الخيار الديمقراطي”، وأن لها تأثيرا “سلبيا مباشرا عميقا في تقويض منسوب الثقة في الأحزاب السياسية، وتقوية العزوف الانتخابي وتداعياته السلبية على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة”.

أمّا حزب الاتحاد الاشتراكي، فقد اعتبر أن تصريحات الجواهري “تعد من بقايا تيار كان موجودا في البلاد يعادي الأحزاب الوطنية، ويعمل من أجل تهيئ التربة لتقويض الديمقراطية، وخلق شروط الانتكاسة، وهو توجه صار من الواضح أنه بلا راهنية ولا مستقبل”.

هذه القوة المالية، المتخفية خلف مشروع حزبي، ليست تركيبة طبقية واقتصادية جديدة، بل هي جزء من نسق للتحكم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي موروث.

من جهته، اعتبر القيادي في حزب العدالة والتنمية، محمد نجيب بوليف، أن تصريح الجواهري “كلام سيء جدا من طرف تكنوقراط من المفروض فيهم احترام أنفسهم أولا، ومهامهم المسندة إليهم ثانيا، والاقتصار على تنفيذ ذلك”.

لكنّ المثير أنّ جزءاً مهمّا من المدونين ورواد الفضاء الافتراضي انحازوا إلى صفّ والي بنك المغرب ضدّ الأحزاب السّياسية، بل أن بعضهم ذهب إلى حد رفض وصفها بـ”الزعتر والباكور”، لأن لهاتين المادتين فوائد صحيّة، في حين “أحزَابنا الوَطنية باتت بلا فائِدة، همّها الوحيد هو الانتخابات”.

انتخابات “الزّعتر والباكُور“!

ما إن خرجت البرامج الانتخابية “السّوريالية” لبعض الأحزاب المشاركة في الائتِلاف الحُكومي، دون أن تقدّم حصيلة منجزاتها في فترة خوضها غمار التجربة الحكومية السالفة، حتى خرج عبد اللطيف الجواهري بوصف “قاسٍ” في حقّ الأحزاب.

الجواهري، الذي قال البعضُ إن حساسية منصبه تفرض عليه كثيراً من التّحفظ، انهال على الأحزاب بصفة “الزّعتر والبَاكور”. (الباكور هو التين، والعبارة الدارجة تستعمل في المغرب لوصف أشياء غير ذات أهمية أو قليلة القيمة). وكان ذلكَ خلال مؤتمر صحافي ردًّا على سؤال: لماذا فقد المواطنون الثّقة في السّياسيين؟

“محللون” وصفُوا خرجة الجواهري بالانتِحار، وآخرون قالوا إنّها رغبة في تبخيس العمل الحِزبي والتّشجيع على مزيد من العُزُوف.

الجواهري اعتذر وسحبَ النعت “اللاذع” في حقّ الأحزاب، لكنّ خالد البكاري، المهتمّ بالشّأن السّياسي، يعتقدُ أنّ والي بنك المغرب لم يكن يهاجم الحزبية، فهو يعرف أن الأحزاب لا حول ولا قوة لها، وإنما كان يهاجم بنية مالية تختفي خلف مشروع حزبي لتقود الحكومة المقبلة.

البكاري، في حديثه مع مرايانا، يذهبُ حدّ القول بأن الافتراض الذي جاءَ به، هو “متأت من ملاحظة تضارب تصريحات والي بنك المغرب وتقاريره، وكذا تقارير المندوبية السامية للتخطيط، مع ما يصرح به وزير المالية بنشعبون ووزير الاقتصاد حفيظ العلمي، والهجوم الذي تعرّض له الجواهري من منابر إعلامية محددة ومعروفٌ خطّها التّحريري، والجِهات التي تموّلها”.

تزايدت مطامح القوة المالية السياسية، التي كانت حليفا للبنية المخزنية التقليدية في صراعها مع المكون الأصولي، والتي ترى اليوم أنها الأجدر بقطف ثمار تطويقه.

بالنسبة للبكاري، لا يمكنُ تحليل خطاب الجواهري إلاّ على مقتضى السياق المرتبط بالوعود التي أطلقتها حملة حزب اخنوش السّابقة لأوانها، مع العلم أن أخنوش لا يمثل شخصاً بعينه، بل أنه يجسد تمثيلاً رمزياً لقوة مالية.

المقصود، هنا، أنّ هذه القوة المالية ليست تركيبة طبقية واقتصادية جديدة، بل هي جزء من نسق للتحكم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي موروث. هذا النسق كان، سابقا، يتم تحديد نطاق تحركه وتدخله وفق الاستراتيجية التي يضعها المخزن/ القصر، وأحيانا كان يطلب منهم المساهمة في تخفيف الأزمات الاجتماعية أو تمويل جزء من ميزانيات الدولة الفرعية، في مقابل الحماية سواء السياسية أو الضريبية أو الريعية.

الملفتُ اليوم، يضيفُ البكاري، أنّ جزءا من هذه القوة المالية، لم يعد يقبل بالمهام المنوطة به، ويسعى لاكتساب مساحات جديدة داخل نسق التّحكم والهيمنة وصُنع القرار الاقتِصادي أساساً والسياسي بالتّبعية.

صعود البورجوازية الحزبية: أية خطورة؟

يعتبرُ الأستاذ الجامعي والمتتبع للشؤون السياسية بالمغرب، خالد البكاري أنّه، للإجابة، “يستحسن الرجوع لفترة خلق حزب الأصالة والمعاصرة، الذي رغم البروباغندا التي أحاط نفسه بها بخصوص كونه يمثّل خطأ تحديثيا، فإنه في الحقيقة كان يمثل الحزب الإداري الجديد، ويكفي دعم الداخلية له في الانتخابات لتأكيد هذا المعطى”.

لكن، رغم ذلك، فإن صراعه مع البيجيدي كان بخلفيّات سياسية وأيديولوجية، بمعنى أنه كان صراعاً سياسياً، لأننا كنا أمام مخزن تقليدي في مواجهة مشروع أصولي يشكل تهديداً، ولو رمزيا، لواحدة من أسس شرعية النظام، وهي الشرعية الدينية.

في خضمّ هذا التّقاطب، استطَاعت البِنية المخزنية التّقليدية استيعاب المُكون الأصُولي واستدماجه، بل وحتى توظيفه. لكن، في هذه الأثناء، كانت تتزايد مطامح القوة المالية السياسية، التي كانت حليفا للبنية المخزنية التقليدية في صراعها مع المكون الأصولي، والتي ترى اليوم أنها الأجدر بقطف ثمار تطويقه.

والي بنك المغرب لم يكن يهاجم الحزبية، فهو يعرف أن الأحزاب لا حول ولا قوة لها، وإنما كان يهاجم بنية مالية تختفي خلف مشروع حزبي لتقود الحكومة المقبلة.

هي ترى أنّها كانت الأكثر فاعلية في تحجيم القوى الأصولية سياسيا. لذلك، فإنها لم تعد قانعة بالأدوار التّنفيذية، بل تريد أن تكون أكثر فاعلية في صنع القرار السياسي والمالي والاقتصادي بما يخدم مصالحها.

هذا يقودنا، في المحصلة، إلى أنّهُ ليسَت الخُطورة في صعودها انتخابيًّا، إذ وجود هذه القوة (ستتشكل انتخابياً من الأحرار أساساً) في صراع مع المكون الأصولي (العدالة والتنمية)، والمكون الإداري التقليدي (البام /الاستقلال)، يمكن أن يفرز نوعا من توازن القوى. لكن الخطورة هو أن تتمدد هذه القوة لتمتلك مساحات أكبر، أي “تملك” الدولة، وهنا سيكون منعرجاً ليس سهلاً، سيفضي لتوترات في قمّة هرم السّلطة، وفي أسفل الهرم الاجتماعي كذلك.

لكن… ما دورُ المكون اليساري في هذه الاستحقاقات؟ وما هي قيمة حضوره؟

أسئلة نحاول الرد عنها في الجزء الرابع والأخير من هذا الملف!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *