“الإحسان” تحت رحمة الصّورة… تسليعٌ للفقر وتشييء للإنسان وضياعٌ لأخلاقيات الفوتوغرافيا! 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

“الإحسان” تحت رحمة الصّورة… تسليعٌ للفقر وتشييء للإنسان وضياعٌ لأخلاقيات الفوتوغرافيا! 1/2

كُل من يُقدم العون إلى الغير، فرداً أو جماعةً، بغرض الشّهرة والرّبح المالي من عدد المُشاهدات، فإنّما يُتاجر بآلام النّاس ويركبُ على أوضاعهم الاقتصادية المُزرية، وفي ذلك تشييء للشخص المُحسَن إليه، لأنه يتمّ التعامل معه كوسيلة، وليس كغاية في حد ذاته…

على غرار فصل الشّتاء من كلّ سّنة… حيثُ يُصبحُ البردُ قارساً وتغطّي الثّلوج الجبال وتزدادُ مُعاناة الفُقراء في المناطق النّائية، أو في كل رمضان، أو مع اقتراب عيد الأضحى أو… حتى في ظَرفيات الانتِخابات!

إبّان هذه الفترات، بالذّات، تضربُ لنا مواعيدٌ لتلقّي صور “العطاءات” هُنا وهُناك، لكنّ المُخيف أنّها تُبرز ملامح المتصدَّق عليهم.

اعتبر الكثيرُ من المحلّلين أنّ الأمر يتضمّن إراقة حقيقية لماء وجه الفقراء وهدرا لكرامتهم وإذلالاً لهم واستغلالا لآلامهم.

باتَ النّقاش الدّائر اليوم، هو: ما الجدوى من هذا الكمّ من التغطية الافتراضية ونشر صور لأشخاص دُون مُوافقَتهم المَبدئِية؟

سؤال يحاول هذا الملف الإجابة عليه، غير ساعٍ في ذلك لقراءة النوايا الصّريحة، بقدر ما يطمحُ إلى استنطاق الخفي والمتواري والممتنع من هذه الممارسات.

عندَما يُصبحُ الفقِير “سلعةً”!

وفق الكثير من المتتبّعين، لم يعد الإحسانُ بريئاً أو إحسانا من أجل الإحسان، بل إن وسائل التواصل وقدرتها الهائلة على نشر المعلومة ودمقرطة الصّورة والآلة الفوتوغرافية، جعلت هذا العمل الإنساني -كما يجب أن يكون- يُستَغل في، أحايين كثيرة، لتحقيق مآرب أخرى.

جعفر عاقيل: ما نشرته مؤخراً بعض المواقع والحسابات الخاصة لمستعملي الأنترنيت، بخصوص الوضعيات والحالات الهشّة لسكان بعض المناطق المغربية، يشكّل دليلاً على طبيعة هذه العَلاقات الهجينة التي يؤسسها بعض الأفراد مع الفوتوغرافيا، و تعبيرا فصيحا عن طرق استعمالها وتوظيفها… أي، عدم التمييز ما بين الخصوصي والعمومي، الحميمي والمشترك، الذاتي والموضوعي.

أستاذ الفلسفة محمد علوي، في حديثه مع “مرايانا”، يُسمّي هذه الظّاهرة بـ“تسليع الفقر”، أي استعمال الوضع الاقتصادي المزري كسلعة لتحقيق أرباح شخصية، إما مادية، كالدّخل المالي من اليوتوب، أو معنوية كالشّهرة والبحث عن بطولة افتراضية.

حتّى من النّاحية الدّينية، فالإحسان المرهُون بالصّورة والإشهار، “أبعد ما يكون عن مقصد الدين منه، حيث تقتضي الصدقة في المجال الديني ألا تعلم شمالك ما أنفقته يمينك. لذلك، فهو أقرب إلى المن والرياء منه إلى الإحسان”، يقول علوي.

في مرّات كثيرة، يدافع هؤلاء المؤثّرون على ضرُورة نشر الصّور ليعرف المساهمون مصيرَ أموالهم الخيرية. لكن… هناك فئات تستغلّ هذا البؤس وتركبُ عليه.

من النّاحية الفلسفية القيمية، حسب أستاذ الفلسفة، فإنّ كُل من يُقدم العون إلى الغير، فرداً أو جماعةً، بغرض الشّهرة والرّبح المالي من عدد المُشاهدات، فإنّما يُتاجر بآلام النّاس ويركبُ على أوضاعهم الاقتصادية المُزرية، وفي ذلك تشييء للشخص المُحسَن إليه، لأنه يتمّ التعامل معه كوسيلة، وليس كغاية في حد ذاته.

إن كان للإحسان المرهُون بالصّورة من حسنة، فهي كشفُ واقع مزري لفئات عريضة من المجتمع المغربي تقبعُ تحت خطّ الفقر والتهميش. لكنّ “الإحسان” في كل الأحوال “حلّ ترقيعي”، لا يتضمّن حلاًّ جدرياً وتنموياً لهذه الفئات!

كخُلاصةٍ… يذهب أستاذ الفلسفة إلى أنّ المسألة لا تتعلّق بأفراد أو حالات معزُولة هنا وهناك، بل إن هذا هو نهجُ الدولة في تعاملها مع الفئات الهشة، حيث نلاحظ كيف تسوق إعلاميا للإحسان الذي تقدمه، منها على سبيل الحصر، الهالة الإعلامية التي تصاحب تسليم قفة رمضان.

من جهته، يُصَرّحُ الأستاذ الباحث في السيميائيات، سعيد بنگراد، لـ”مرايانا”، أنّ هناك ما يُصنف حاليا ضمن “الحق في الصورة”، وهي مقولة قانونية كان المشرع يهدف من ورائها إلى حماية الحياة الخاصة للأفراد والجماعات.

فالصّورة، عند بنگراد، ليست نسخة مشاعة في العين العامة، بل هي جُزء من كينونة تُبنى في عين الآخر. من خلالها يحضر الفرد في المجتمع، لذلك لا يحق لأي أحد أن يستعملها دون رغبة صاحبها.

من هذه الزاوية، فإن “الإعلام العمومي، وكذا الفيديوهات المُنتشرة في الشّبكة العنكبوتية تعبث جميعها بهذه الخصوصية وتعرض النّاس في شتى حالات بؤسهم وهشَاشتهم وضُعفهم”.

لحماية خصُوصِية الأفراد، ينُصّ الفصلُ 2 – 447 من القانون الجنائي على أنّهُ “يُعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببثّ أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم”.

قبل أن تكون ثّمة قوانين زجرية، يتعلّقُ الأمر بأخلاقيات الفوتوغرافيا وكيف يتمثّلها النّاس ويتعاملون عبرها!

وصمةٌ على جَبين الفُوتوغرافيا!

الفوتوغرافيا لا تخضع، سواء أثناء إنتاجها أو تداولها أو تلقّيها أو حتى استهلاكها، لأية عملية تجزيئية أو تفكيكية، وفق جعفر عاقيل، الأستاذ الجامعي الباحث في الفوتوغرافيا ورئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي، لـ”مرايانا”.

هناك ما يُصنف حاليا ضمن “الحق في الصورة”، وهي مقولة قانونية كان المشرع يهدف من ورائها إلى حماية الحياة الخاصة للأفراد والجماعات.

يرجع الأمر لسبب واحد، حسبه، وهو “أننا حين نؤسس علاقتنا معها، نتمثلها ككلية متراصة، تتألف من سلسلة من العناصر وتربطها مجموعة من العلاقات، منها ما ينتمي للتقني وما ينتسب للفني وما ينضوي للأخلاقي. فالعين، أو بالأحق النظرة، حين تلتقطها، فهي تتلقاها باعتبارها سيرورة تحمل في ثناياها كل هذه الاعتبارات”.

بالتالي، أي تفريطٍ أو تجاوز أو نقص أو تجاهل لأحد هذه المُستويات، يؤدّي حتماً إلى اختلال في نظام الفوتوغرافيا. من هُنا، وجبَ التّعامل مع الصورة بحذر شديد، تجنباً لأي انحراف وسوء قراءة أو تأويل مُسيئ، على حد تعبير عاقيل.

بالعودة إلى ما يتداول في مشهدنا الإعلامي وتحديداً منه الصحفي، وكذلك ما يُنشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، فالمتحدثُ يعتبرها “شاهدَة على الأضرار الجمّة التي تُصيب مضامين ومُحتويات قسم هام من الفوتوغرافيات وكذلك على آثارها السلبية في ذهن المتلقي/المشاهد”.

ما نشرته مؤخراً بعض المواقع والحسابات الخاصة لمستعملي الأنترنيت، بخصوص الوضعيات والحالات الهشّة لسكان بعض المناطق المغربية، يشكّل، في نظر عاقيل، دليلاً على طبيعة هذه العَلاقات الهجينة التي يؤسسها بعض الأفراد مع الفوتوغرافيا، و تعبيرا فصيحا عن طرق استعمالها وتوظيفها… أي، عدم التمييز ما بين الخصوصي والعمومي، الحميمي والمشترك، الذاتي والموضوعي.

إن كان للإحسان المرهُون بالصّورة من حسنة، فهي كشفُ واقع مزري لفئات عريضة من المجتمع المغربي تقبعُ تحت خطّ الفقر والتهميش. لكنّ “الإحسان” في كل الأحوال حلّ ترقيعي، لا يتضمّن حلاًّ جدرياً وتنموياً لهذه الفئات!

أبعد من ذلك، فالإشكال الذي يمكنُ أن تطرحهُ هذه الممارسات، في تقدير الباحث في الفوتوغرافيا، أنّ المُشاركين في هذا السّلوك، يميلُون أكثَر بسلُوكهم هذا، إلى التّعبير عن نوع ومستوى من الفكر لا يتجَاوز سقْف الافتتان بالذات، ورغبة إثبات هويتها بأية وسيلة ممكنة. أما الوعي أو التفكير في هذه الفوتوغرافيات، باعتبارها ذكرى أو توثيقا أو حدثا أو انفعالا أو رهانا لترسيخ ثقافة بصرية مغايرة وبديلة على ما تروجه باقي الشاشات الأخرى، فذلك، وفقهُ، ضربٌ من ضروب المستحيلات.

إنها، في النّهاية، “تقدم نفسها بديلا عن الذي نعيشه بحواسنا وتجربتنا ولغتنا ووجداننا، وبأنها وحدها أم الحقائق، بل إنها أكثر من الحقيقي وأصدق منه. أكثر من ذلك، إن الحقائق التي تحيط بنا لا يمكن أن يستقيم لها وجود في غياب هذا الرديف البصري”، يختمُ جعفر عاقيل.

… في الجزء الثّاني نرصدُ كيف أنّ الأمر له علاقة بالإعلام العمومي المغربي، وليس فقط الأفراد أو الجمعيات أو الأحزاب.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *