خطر الثورة الرقمية…هل نُسفت قيم الديمقراطية وصار الإنسان عاريا؟ 2/1 - Marayana - مرايانا
×
×

خطر الثورة الرقمية…هل نُسفت قيم الديمقراطية وصار الإنسان عاريا؟ 2/1

فضيحة ”كامبيردج أناليتيكا” كشفت الحصول على المعلومات الشخصية للملايين من مستخدمي فايسبوك، لتوجيه تصويتهم في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016، لصالح المرشح الجمهوري.
يكشف وثائقي ”ذي كريت هاك” The Great Hack الذي بُث على منصة نيتفليكس، أن شركة ”كامبريدج أناليتيكا”، قد تحكمت حتى في التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي؛ بل أنها متورطة أيضا في توجيه أصوات الناخبين في أصقاع مختلفة من العالم.

لكل إنسان حياة عامة وحياة خاصة وحياة سرية”، لو كان الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز معاصرا لنا، لما جسر ربما على كتابة هذه الكلمات اليوم.

لقد جعلت الثورة التكنولوجية من ”الحياة الخاصة” مفهوما هلاميا، فحتى عندما أطلقت الدولة المغربية تطبيق ”وقايتنا”، وطاله ما طاله من تشكيك وتهم، كان الجواب الأنسب على المدافعين عن نظرية المؤامرة والتجسس: ”إن شركات مثل جوجل وفايسبوك التي تستعمل خدماتها يوميا، تعرف معلومات عنك أكثر من الدولة نفسها”.

ماذا عن الديمقراطية؟

في سنة 2020، بفضل أو بسبب (من يدري؟) مواقع التواصل الاجتماعي، صار بإمكان الإنسان أن يقود حراكا شعبيا، يصير رئيسا لأقوى دول العالم، يقوض كل مؤسسات البلد…

حتى لو قررت القوى العظمى خوض حرب نووية، تفضي لنهاية العالم، قد يعلن عن ذلك في تويتر… من يدري أيضا؟

عشنا ذلك مع الذرة والبترول والكهرباء. عندما يخترع الإنسان أو يكتشف شيئا، يحضر شبح ”فرانكشتاين”، وتصير البشرية عاجزة عن تحييد مخاطر اختراعاتها.

لا شك أن التأثير السلبي للثورة التكنولوجية، ارتبط بمواقع التواصل الاجتماعي. لا يجد مسؤولو هذه الأخيرة حرجا في الاعتراف أنه، حتى عندما يغادر المستعمل هذه المواقع، فإنها تحتفظ بإمكانية الولوج لأرقام هاتفه ورسائله ومذكرته، بل وتتوصل بمعلومات المتصفحين لمواقع شريكة لها.

لم تتبن كل الأوساط الأكاديمية والعلمية عبر العالم موقف الجبن والتغاضي، بل تجندت للتنبيه لانحرافات الثورة التكنولوجية بشكل عام، والتأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص على مستقبل البشرية.

هذا النقاش المتزايد حول المآلات غير المضمونة لهيمنة الرقمي على حياتنا، يدفعنا إلى أن نقترح على قراء ”مرايانا” مناقشة بعض مضامين كتاب ”الإنسان العاري… الديكتاتورية الخفية للعالم الرقمي”، لكاتبيه الفرنسين مارك دوغان وكريستوف لابي.

عصر جوجل ومواقع التواصل الاجتماعي… هل صار الإنسان خاضعا وعاريا؟

عند صدور الكتاب سنة 2016، أثار نقاشات مستفيضة، بين من اعتبره شيطنة لشركات ”البيغ داتا”، وبين من وجد فيه وثيقة تاريخية تفضح تغول عمالقة وادي السيليكون؛ فالكاتبان أعلنا صراحة في مقدمة الكتاب، أنهما لن يستطردا في وصف فضل التكنولوجيا على الإنسان، بل سيكشفان إخضاع الثورة التقنية للإنسان ماديا وفكريا.

عندما يخترع الإنسان أو يكتشف شيئا، يحضر شبح ”فرانكشتاين”، وتصير البشرية عاجزة عن تحييد مخاطر اختراعاتها.

”لقد جعلنا من المراقبة والتصنت عصا سحرية، عوض أن نبحث عن حلول أخرى”، كمدخل لفهم وطأة الرقمنة على حياة الإنسان، يشير المؤلفان إلى أن بعض الأنظمة السياسية، تحت ذريعة الأعمال الإرهابية لسنة 2001 (مع كامل الإدانة طبعا لوحشية تلك الجرائم)، عملت على مضاعفة عملية التصنت على مواطنيها، حيث نجحت فرنسا على امتداد سبع عشرة سنة في إحباط العمليات الإرهابية، إلى حدود العمل الإرهابي لمحمد مراح.

الأنكى من ذلك، حسب كتاب ”الإنسان العاري”، أن التنظيمات الإرهابية استعملت وسائط التواصل الاجتماعي لتجنيد الآلاف من ”المجاهدين” عبر العالم، فالفيديو الدعائي للإرهابي عمر ديابي، حصد مئات الآلاف من المشاهدات.

لا شك أن التأثير السلبي للثورة التكنولوجية، ارتبط بمواقع التواصل الاجتماعي. لا يجد مسؤولو هذه الأخيرة حرجا في الاعتراف أنه، حتى عندما يغادر المستعمل هذه المواقع، فإنها تحتفظ بإمكانية الولوج لأرقام هاتفه ورسائله ومذكرته، بل وتتوصل بمعلومات المتصفحين لمواقع شريكة لها.

لن نكشف سرا كبيرا إذا ذهبنا إلى أن الإنسان المعاصر، أصبح يبيع طواعية معلوماته الشخصية مقابل استعمال هذه الوسائط.

المجانية… وهم كبير!

من أجل كشف هذا الخطر الكبير للثورة الرقمية على حميمية الشخص، يروي الكاتبان الفرنسيان قصة طريفة ليانيك بولوري، صاحب شركت هافاس، يؤكد فيها، أنه خلال سفرٍ للولايات المتحدة للأمريكية، للقاء مسؤولي “غوغل”، تفاجأ بمجرد هبوطه من الطائرة، بتلقي إعلان يقترح عليه وجبته المفضلة في مطعم ياباني قرب فندقه، وبتخفيض 15%.

لم تتبن كل الأوساط الأكاديمية والعلمية عبر العالم موقف الجبن والتغاضي، بل تجندت للتنبيه لانحرافات الثورة التكنولوجية بشكل عام، والتأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص على مستقبل البشرية.

“عندما وصل بولوري إلى مقر “غوغل” وسأل بصوت عالٍ: من يكون هذا الذي بعث لي هذا الإشهار، رد أصحاب غوغل: “نحن من فعل ذلك، لقد حددنا موقعك منذ نزولك في المطار. لقد اطلعنا على مذكراتك وبريدك وعرفنا في أي فندق ستنزل، وأنك تحبّ السوشي سومون”.

غزو ”البيغ داتا”…هل وُئدت أحلام الديمقراطية؟

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل خطرا كبيرا على الدمقرطة، التي كانت وعدا كبيرا رافق العولمة واختراع الأنترنت؛ فاستعمال الخوارزميات لتقديم محتوى مناسب لكل شخص، حسب بلده، وجنسيته، واختياراته أثناء الإبحار في الشبكة العنكبوتية، يتنافى مع قيم المساواة وحق الولوجية للمعلومة.

في هذا الصدد، يستعرض كتاب ”الإنسان العاري”، شهادة صادمة للانتانا سويبر، أستاذة في جامعة هارفارد، تؤكد فيها أنها عندما بحثت عن اسمها في محرك البحث جوجل، اقترح عليها مراجعة سجلها العدلي وإعلانات لخدمات مرافعات قضائية، وذلك لمجرد أن اسمها يحيل على أصول أفرو-أمريكية.

لن نكشف سرا كبيرا إذا ذهبنا إلى أن الإنسان المعاصر، أصبح يبيع طواعية معلوماته الشخصية مقابل استعمال هذه الوسائط.

ما ذكرناه من مساوئ التطور التكنولوجي، لا يجعل من الإنسان ضحية دائمة. فهذا الأخير لجأ إلى الوسائط التواصلية لأغراض دعائية ولتضليل الناس، فضلا عن السعي لتحقيق مآرب سياسية.

لن نجد مثال معبرا أكثر من الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب. هذا الأخير لم يتورع في تقويض مؤسسات بلده عبر تويتر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. بل إن وصوله للبيت الأبيض نفسه كان مرتبطا بفضيحة ”كامبيردج أناليتيكا” التي كشفت الحصول على المعلومات الشخصية للملايين من مستخدمي فايسبوك، لتوجيه تصويتهم في الانتخابات الرئاسية  لسنة 2016، لصالح المرشح الجمهوري.

يكشف وثائقي ”ذي كريت هاك” The Great Hack  الذي بُث على منصة نيتفليكس، أن شركة ”كامبريدج أناليتيكا”، قد تحكمت حتى في التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي؛ بل أنها متورطة أيضا في توجيه أصوات الناخبين في أصقاع مختلفة من العالم.

من حق الدول التي تحبو وتتوق للانفراج الديمقراطي أن تطرح السؤال التالي:

إذا عصفت وسائل التواصل الاجتماعي بأعرق الديمقراطيات في العالم، ما مصيرنا نحن؟

في الجزء الثاني: مواقع التواصل الاجتماعي… مسخ هوية الإنسان وكبح مقاومته للديكتاتورية الرقمية 2/2

مصادر:

1- مارك دوغان وكريستوف لابي، الإنسان العاري: الديكتاتورية الخفية للعالم الرقمي، ترجمة سعيد بنكراد، المركز الثقافي للكتاب.

إقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *