من اليمن، حسين الوادعي يكتب: ثورات الإعلام والمعلومات التي لا تنتهي - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: ثورات الإعلام والمعلومات التي لا تنتهي

مع ظهور أي وسيلة إعلامية جديدة، يدور نفس الجدل حول خطورة هذه الوسيلة وتدميرها للعلاقات الاجتماعية، ونقلها للأفكار الخطرة، وتشجيعها على الجريمة. قيل هذا الكلام عن الصحف عندما ظهرت، وتخوف …

مع ظهور أي وسيلة إعلامية جديدة، يدور نفس الجدل حول خطورة هذه الوسيلة وتدميرها للعلاقات الاجتماعية، ونقلها للأفكار الخطرة، وتشجيعها على الجريمة.

قيل هذا الكلام عن الصحف عندما ظهرت، وتخوف منها من تخوف عندما دخلت بلداننا.

ما إن ظهرت الإذاعة، حتى اختفى النقد الحاد للصحف، وتحولت الصحيفة إلى وسيلة هامة للتثقيف والتوعية، وبدأ كبار الأدباء ينشرون مقالاتهم ورواياتهم عبر الصحف.

كان الناس آنذاك ينظرون للصحيفة الورقية على أنها معجزة من المعجزات (تمام كما ننظر للأنترنت اليوم). أبرز من سجل الاندهاش بمعجزة الصحف، الشاعر أحمد شوقي في بيته الشهير: لكل زمان مضى آية…. وآية هذا الزمان الصحف.

لكن الأصوات الناقدة تعالت لإدانة الصحف، متهمة إياها بتسطيح الثقافة مقارنة بالكتاب الذي كان الوسيلة الشعبية السابقة لها.

اقرأ لنفس الكاتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!

ثم جاءت الإذاعة، ليثور نفس النقاش من جديد حول خطورة الإذاعة على الثقافة وعلى العلاقات الاجتماعية وترويجها للانحراف والجرائم.

وما إن ظهرت الإذاعة، حتى اختفى النقد الحاد للصحف، وتحولت الصحيفة إلى وسيلة هامة للتثقيف والتوعية، وبدأ كبار الأدباء ينشرون مقالاتهم ورواياتهم عبر الصحف.

ثم ظهر التلفزيون وفجر أطول نقاش حول تأثير الوسائل الإعلامية على المجتمع والثقافة. وظل التلفزيون وسيلة ملعونة متهمة بتسطيح الثقافة وتدمير الروابط الأسرية ونشر الجريمة والأفكار المنحرفة.

اقرأ لنفس الكاتب: نوبل للكيمياء ونظرية التطور

وكما حصل مع الصحف، نسي الناس كل انتقاداتهم للإذاعة بعد ظهور التلفزيون، وبدؤوا ينظرون لها باعتبراها وسيلة راقية ومضمونة، مقارنة بالتلفزيون.

مع ظهور الأنترنيت، نسي الناس التلفزيون وانتقاداته، ولم يعد التلفزيون تلك الوسيلة الخطرة المدمرة للعلاقات الأسرية، بل تحول،  بقدرة قادر، إلى وسيلة لتجميع الأسرة حول مسلسل السهرة أو فيلم الأسبوع أو مباراة كرة القدم المنتظرة.

بعدها، ظهرت القنوات الفضائية لتتغلب على القنوات الأرضية التي كان بثها “الأرضي” محصورا ضمن حدود الدول، وبدأت موجة جديدة من التخويف من القنوات الفضائية وخطورة “الدش” في مصر أو “البارابول” في المغرب، وغيرها من التسميات. موجة تخويف تزامنت مع موجة غزل لصالح قنوات التلفزيون الأرضية الحكومية، التي كانت “تبث مضمونا مراقبا ومحافظا”.

ثم ظهرت الأنترنت بكل ما أحدثته من تغييرات وما قدمته من حريات غير مسبوقة لمشاركة الجميع في إعداد المضمون ونشره. وانفجرت كالمعتاد عاصفة من التحذيرات من خطورة الأنترنت وتدميرها للعلاقات الحميمية والاتصال الشخصي وخطورتها في ترويج الإرهاب والأفكار الإلحادية والنزعات الطائفية والأخبار الملفقة.

مع ظهور الأنترنيت، نسي الناس التلفزيون وانتقاداته، ولم يعد التلفزيون تلك الوسيلة الخطرة المدمرة للعلاقات الأسرية، بل تحول،  بقدرة قادر، إلى وسيلة لتجميع الأسرة حول مسلسل السهرة أو فيلم الأسبوع أو مباراة كرة القدم المنتظرة.

بالنسبة لي، اعتبر الأنترنت أهم ثورات التاريخ البشري الثقافية والاجتماعية حتى الآن. تميزها عن الوسائل الإعلامية السابقة يتمثل في إعطائها الحرية للجميع ليكونوا صانعين للمضمون وناشرين له، بعد أن كان إنتاج المضمون ونشره خاضعا في الوسائل الإعلامية السابقة لنخبة صغيرة من الصحفيين والمثقفين والفنيين.

اقرأ لنفس الكاتب: الطاهر بنجلون يشرح الإسلام لابنتي

الأنترنت حولت كل شخص إلى صحفي وكاتب وشخصية اجتماعية عامة، وفجرت نقاشات شجاعة كانت مستحيلة سابقا حول أعقد القضايا وأخطرها. وما نشهده من نقاشات شجاعة اليوم حول الدين والدولة والعلمانية والديمقراطية والعلم، هي نتاج ثورة الأنترنت بكل وعودها وتحدياتها.

تتقلص أمامي سلبيات الأنترنت أمام ما قدمته للبشرية من خدمات لم تكن تخطر على بال.

لكن هذه ليست النهاية… الثورة الإعلامية قادمة على الأبواب… إنها ثورة “أنترنت الأشياء”!!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *