صحراء مرزوكة… هل تشفي “السّياحة الدّاخلية” جرح أزمةٍ لم يتوقّف عن النّزيف بعد؟ (صور) 2 - Marayana - مرايانا
×
×

صحراء مرزوكة… هل تشفي “السّياحة الدّاخلية” جرح أزمةٍ لم يتوقّف عن النّزيف بعد؟ (صور) 2\2

السياحة الداخلية في مرزوكة موجة عابرة، تظهر وتختفي، عكس السياحة الأجنبية المنتعشة التي كانت تتمّ بشكل قارّ ومريح ومدر للدّخل.
كما أن “السّياحة الداخلية” شعار، رفعتهُ الدّولة. لكنها تنسى أو تتناسى أن تسويق المنتُوج السّياحي يتمّ بتنميته أولاً والنهوض به بنيوياً… لا بشكل استعراضي، يفتقدُ إلى البنيات التحتية.

في الجزء الأول، تابعنا كيف أن السياحة الداخلية تفضحُ التفاوتات المجالية وانعدام التنمية واستمرار تهميش مناطق الجنوب الشرقي عموماً.

في هذا الجزء الثّاني، نرصدُ مآل السياحة الداخلية بمرزوكة، وحسناتها ومساوئها في نظر السياح أنفسهم والمستثمرين في القطاع.

أصبح الإقبال على السياحة الداخلية، عملياً هو المتنفس الوحيد لمرزوكة ومعها كل المغرب، بعد أن اتضح أنه خلال سنة 2020، لم يتعدّ عدد السياح الذين جاؤوا إلى المغرب 2.8 مليون سائح. بينما في العام الذي قبله، استقطبت المملكة المغربية زهاء 13 مليوناً.

حينها، دفع هذا الرّقم القياسيّ إلى رفع الرهان من لدن المهنيين، بغية جذب 14 مليون سائح في 2020، إلاّ أن فيروس كورونا المستجد كانت له القوة لفرض واقع آخر. حيثُ تمّ تعليق الرحلات الجوية وأغلقت الحدود وبالتّبعة الفنادق ووحدات الإيواء السّياحي.

أشارت المعطيات غير الرّسمية إلى أن قطاع السياحة بالمغرب، خلال سنة 2020، قد تجرّع مرارةَ خسارةٍ تربو عن الـ76 مليار درهم.

 السّياحة الدّاخلية، ومع كل موجة الأمل التي أثارتها، إلاّ أنّها خلّفت إحباطاً بفعل الفيديوهات التي تداولها العاملون في القطاع السياحي، مثل تلقيب سيدة للجمل بالحمار عمداً، للتنقيص من قِيمته المهمة في الذهن الصّحراوي

من جهة أخرى، كانت مديرية الدراسات والتّوقعات المالية قد أفادت بأن خسائر القطاع السياحي الناجمة عن أزمة فيروس كوفيد-19 بلغت 18,3 مليار درهم، وذلك في متم السبعة أشهر الأولى من سنة 2020، ما يمثل تراجعا للعائدات بنسبة 44,1 في المائة.

المديرية كشفت، في مذكرة حول الظرفية لشهر شتنبر 2020، أنه بالنسبة لشهر يوليوز تراجعت العائدات بنسبة 90,1 في المائة، مضيفة أن الوصولات السياحية وليالي المبيت المسجلة في مؤسسات الإيواء المصنفة تراجعت، نهاية يونيو 2020، بـ63,5 في المائة و59,1 في المائة على التوالي.

أحد مظاهر الأزمة كذلك، أنّ مُلاك الجمال يعانون في صمت، بفعل الإغلاق وانعدام الزّبائن، ليجد أغلبهم نفسه عاجزاً عن توفير العلف للإبل، نتيجة ارتفاع الأسعار بفعل الجفاف، سيما أن الجمال تحتلّ مكانة اعتبارية في التراث الشعبي والسّياحي بأسَامر.

… هذه الأزمة كانت، في شموليتها، من أصعبِ الأخبار التي تلقاها القِطاعُ السياحيّ، منذ أن بدأ ينضجُ في السّنين الأخيرة ويضع استراتيجيات لاستقطاب السّياح بعشرات الملايين سنوياً.

أمام هذه الصورة المرعبة والقاتمة للمشهد السياحي، والتي أثّرت بشكل صارخ على مرزوكة والنواحي؛ جاءت السّياحة الداخلية لترسم قليلاً من الضوء… في نهاية النّفق!

السّياحة الداخلية: حلّ ترقيعيّ!

يجمعُ الفاعلون الذين تواصلت معهم مرايانا بشكل حيّ في مرزوكة، على أنّ السّياحة الدّاخِلية لا تعدو أن تكون حلاّ ترقيعياً، يداوي به بعض المُستَثمِرين جانباً من الأزمة؛ ولكنها لا ترقى لتكون حلاّ جذرياً لما أصاب السّياحة من مرض عُضال.

الفاعل الجمعوي محمد حمدان يرى أنّ السياحة الدّاخلية، لا تستَطيع أن تجعل المنطقة تتجَاوز الكساد التّام، الذي عمّ المجال السّياحي، والذي تسبّب فيه فيرُوس كورونا.

يكمن الفرق بصفة أساسية، وفق حمدان، في التباين المُهول بين القدرة الشّرائية للأجنبي والمَغربي.

يطرحُ وضع السياحة الداخلية سؤالاً: إذا كانت المخيّمات السياحية أحد الركائز والأسس التي تنبني عليها السياحةُ بأسامر عموماً، فكيفَ تكون السياحة الداخلية بمثابة انتعاشٍ للقطاع، في وقت لم تشتغل فيه المئات من المخيّمات الأخرى وظلّت أبوابها مغلقة؟

مؤسسُ وكالة الأسفار موحا تغلاوي يذهبُ إلى أن السياحة الدّاخلية هي بمثابة “مسكّن” أو “ديباناج” فقط. لكنّها، مهما بلغت في الكمّ، فهي لا تضاهي سياحة الأجانِب، لأن تلك هي السّياحة الحقيقية. مع الأسف الشّديد، التّوقعات تشيرُ أنها لن تنطلق في شروطها الطبيعية إلا بعد 2024 وهنَاك من يقول مجازفة 2030″.

سيكون من المجحف أن ننكر بأن توافد السياح المغاربة خلق حركة اقتصادية نفعت شريحة من المُجتمع الصحراوي، خصُوصا التّجار، يقول موحا.

لكن…

هذه السّياحة الدّاخلية، ومع كل موجة الأمل التي أثارتها، إلاّ أنّها خلّفت إحباطاً بفعل الفيديوهات التي تداولها العاملون في القطاع السياحي، مثل تلقيب سيدة للجمل بالحمار عمداً، للتنقيص من قِيمته المهمة في الذهن الصّحراوي، أو الأزبال التي تُرمى في جنبات الطريق، أو ملاحقة جمل صغير بدراجة نارية وإزعاجه… إلخ!

لحسن تغلاوي، إعلامي محلي وفوتوغرافي بالمنطقة، يرجعُ هذه السّلوكات، التي طبعت جزءا ضئيلاً من موجة السّياحة الداخلية في الأسابيع الأخيرة، إلى نظرة دفينة، لدى البعض، حين يعتقد بأنه ما دام المكان عبارة عن قفر وخلاء، فكلّ شيء مباح فِيه للتسلية، حتى لو كانت تلك التسلية تتعارض مع الشّعور الجمعي للسّاكنة وخصُوصاً الأمازيغ والرّحل.

لحسن لا ينفي أنّ هذه السّلوكات ليسَت إلاّ حالات معزولة، بيد أنها، رغم ذلك، خلّفت أثراً بالغاً وتلا ذلك نقاشٌ لم يهدأ بعد.

بالنّسبة لفوتوغرافي الصّحراء، فإنهُ من محاسن السّياحة الداخلية بشكل عام، أنّها روّجت ولو قليلاً للمنطقة، وحرّكت النشاط السّياحي وقدّمت إرهاصَات بدِيلة لتشكّل أملا لدى الفاعلين في المنطقة، أي الاشتغال بدل الإغلاق؛ سِيما أمام صعوبة وجود السياح الأجانب، الذين يشكّلون عصب السّياحة في مرزُوكة والنّواحي.

المخيّماتُ الرّملية… الحافزُ الأكبر!

في التّسويق للمنتوج السياحي لمرزوكة، يتمّ التركيزُ عادةً على المخيمات السياحية الرّملية، التي تجعل أي فرد يحلم بقضاء ليلة بالخيام على شاكلة الرّحّل، ومعرفة الخصوصية السوسيوثقافية للمجتمع الصّحراوي عن كثب، ولو أنّ هذه الخيام مجهّزة بالماء والكهرباء.

(صورة بواسطة الدرون، لمخيم الدّيهيا ديسيرت كامب)

السّائحة المغربية مريم هربوز، القادمة من مكناس، لا تنكرُ أنّه إلى جانب الرغبة في خلوة الذات في بيئة صحراوية مثل مرزوكة، كانت المخيّمات بدورها أحدَ المُحفزات الرّئيسة لزِيارة المنطقة، نظراً لجماليتها في الصور وحتى في الواقع بشكل مكثّف كذلك.

موحا التغلاوي، إلى جانب كونه مدير وكالة أسفار فهو صاحب مشروع مخيّم سياحي، ديهيا ديسيرت كامب.

يقول موحا بثباتٍ إنّ مخيّمه استقبل زهاء عشرين شخصا منذُ يناير إلى الأسبُوع الأخير قبل رمضان، لأنّ المجموعات السّياحية لا تأتي للمخيّم، ولا يشتغل معها، نظرا لخلاف في وجهات النّظر بخصوص الأثمنة.

يرى تغلاوي، في حديثه مع مرايانا، أنّه رغم أن المخيمات السياحية، المعروفة بالبِفواك  BIVOUACS، تعدّ أحد الأسباب التي تدفع الزوار إلى المجيء، لأن النوم في مثل هذه الأماكن غير مألوف. فإنّها، مع ذلك، “تبقى من أصعب الاستثمارات السّياحية بالمنطقة، بالمقارنة مع مأوى أو فندق أو رياض، نظراً لطبيعة المناخ الصحراوي، الذي يأتي بين الحين والآخر برياح عاتية ومزعجة، والتساقطات أيضاً، والتي تضطرنا إلى جمع الأثاث والمعدات والزّرابي وتنظيفها بشكْل دوري ومرهق ومكلّف.”

التّوقعات تشيرُ أنّ السياحة الخارجية لن تنطلق في شروطها الطبيعية إلا بعد 2024 وهنَاك من يقول مجازفة 2030.”

أيضا، يُبدَلُ مجهود مضني في تزويد مناطق داخل الصحراء القاحلة بالماء الشّروب والكهرباء، ليجد الزبون نفسه في ظُروف عادية، ولا يحسّ أنه في فضاءات قاحلة. لكنّ الإشكال في أنّ بعض الزّبائن، لا يدركون هذا المجهود، فيبذّرون كميات كبيرة من الماء، رغم أنّ المحافظة على الماء واجب في كلّ مكان، فما بالك داخل الصحاري، يقول موحا.

(مخيم رملي بمرزوكة)

في ظلّ كل هذا، لم تشتغل الكثيرُ من المخيّمات، التي يزيد عددها عن المائتي مخيّم. اشتغلت فقط خمسة إلى ستّة كما تبيّن التّصريحات.

بالتالي يطرحُ الأمر سؤالاً: إذا كانت المخيّمات السياحية أحد الركائز والأسس التي تنبني عليها السياحةُ بأسامر عموماً، فكيفَ تكون السياحة الداخلية بمثابة انتعاشٍ للقطاع، في وقت لم تشتغل فيه المئات من المخيّمات الأخرى وظلّت أبوابها مغلقة؟

… في ختام هذا الملف، يتّضح أنّ السياحة الداخلية في مرزوكة موجة عابرة، تظهر وتختفي، عكس السياحة الأجنبية المنتعشة التي كانت تتمّ بشكل قارّ ومريح ومدر للدّخل.

كما أن “السّياحة الداخلية” شعار، رفعتهُ الدّولة. لكنها تنسى أو تتناسى أن تسويق المنتُوج السّياحي يتمّ بتنميته أولاً والنهوض به بنيوياً… لا بشكل استعراضي، يفتقدُ إلى البنيات التحتية.

إذا كانت هذه السياحة عابرة، فإنّها عملياً لم، ولن، تستطيع أن تُداوي كساد تفشي فيروس كورونا الذي أصَاب جسم السّياحة في مقتل.

بهذا، تبقى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية من قبيل البطالة والفقر، والتي كانت من صنع الوباء، وفي ظل استمرار الإغلاق، والتهميش… (تبقى) تلُوح في الأفق دون الوصول إلى حلّ جذري للأزمة السياحية بأسامر.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات