السلفية في المغرب… العلاقة مع الدولة و”لعبة القط والفأر” 4/4 - Marayana - مرايانا
×
×

السلفية في المغرب… العلاقة مع الدولة و”لعبة القط والفأر” 4/4

لوهلة، قد يبدو أن التيار السلفي، أو الغالب من تياراته، ينكفئ على العمل الدعوي وينأى بنفسه عن العمل السياسي، لكن الأمر غير ذلك… فكيف تتعامل الدولة مع هذا التيار الذي يملك بالمقابل إيديولوجيا إسلامية متكاملة لما ينبغي أن تكون عليه دولة؟

بعدما تابعنا في الجزء الأول لمحة تاريخية عامة عن السلفية، وفي الثاني، لمحة عن التطور التاريخي للسلفية في المغرب، وفي الثالث، تمثلات ورؤى التيارات السلفية المغربية للعمل السياسي، في هذا الجزء الرابع والأخير، نناقش أوجه العلاقة التي باتت تربط الدولة بالتيار السلفي، ثم آفاق اندماجه/استعماله سياسيا.

تميز الحقل الديني بالمغرب على الدوام بانتشار ما يسمى بـ”الإسلام الشعبي”، أو التقليدي، وقد كان أحد أوجه وجوده، الحضور الوازن للمرجعية الصوفية، حتى إن المغرب يوصف من قبل البعض بـ”بلد الأولياء“.

ثم رويدا رويدا، وجد التيار السلفي طريقه إلى هذا الحقل، بل وبات أحد أبرز مكوناته، كما رأينا في الأجزاء السابقة، التي قدمنا فيها الظروف التاريخية والراهنة لذلك.

يبدو أن الطرق الصوفية لم تتمتع بالقوة التي راهنت عليها الدولة لتتحول إلى بديل للإيديولوجيا السلفية، الجهادية والتكفيرية، التي لم تفقد بعد تماما قدرتها الاستقطابية.

لوهلة، قد يبدو أن التيار السلفي، أو الغالب من تياراته، ينكفئ على العمل الدعوي وينأى بنفسه عن العمل السياسي، بيد أن الأمر غير ذلك.

العمل السياسي المقصود هنا، ذاك الذي يندرج ضمن القبول بالتداول وقواعد التنافس الديمقراطي، فيما يستعاض عنه لدى السلفيين، بإيديولوجيا إسلامية متكاملة لما ينبغي أن تكون عليه الدولة.

اقرأ أيضا: ما بين الاستباق الأمني وتحديث الشأن الديني.. المغرب في مأمن من الإرهاب اليوم، لكن…

بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، ذهب المغرب في اتجاه دعم الطرق الصوفية لمحاربة التطرف، ضمن خطة تروم، وفق الباحث سليم حميمنات[1]، إحداث ثقل مواز يواجه أنماط التدين “الدخيلة”، السلفية أساسا.

لكن انتفاضات 2011 العربية، أبرزت التداعيات السياسية والأمنية لتهميش السلفيين؛ فالطرق الصوفية، رغم سهولة توظيفها سياسيا وفق ذات الباحث، يظل فعلها الجماعي مفتقدا لرؤية سياسية واضحة التوجه.

أما أمنيا، يضيف حميمنات، فيبدو أن الطرق الصوفية لم تتمتع بالقوة التي راهنت عليها الدولة لتتحول إلى بديل للإيديولوجيا السلفية، الجهادية والتكفيرية، التي لم تفقد بعد تماما قدرتها الاستقطابية.

اقرأ أيضا: هكذا تستقطب التنظيمات المتطرفة الانتحاريين عبر الشبكة العنكبوتية

هكذا، أخذت الدولة تميل إلى سياسة تقبل المكون السلفي على نحو أكبر، بل وربما التوليف بينه والمكون الصوفي، في إطار ما يعرف بـ”إعادة هيكلة الحقل الديني”.

في سياق ذلك، أطلق سراح العديد من السلفيين، الذين أعلنوا عن مراجعتهم لأفكارهم السلفية، مع مبادرات أخرى لقيت، على نحو عام، تفاعلا إيجابيا من أتباع التيار السلفي.

يلخص منتصر حمادة علاقة الدولة بالسلفية سياسيا باستعارة “لعبة القط والفأر”؛ فالقطة تلعب لتسيطر ولكن ليس لتقتل؛ فيما الفأر لا أمل له في السيطرة، بل يندفع للحفاظ على البقاء فقط… واللعبة مستمرة من خلال حركية الطرفين.

الواقع أن الدولة، وفق الباحث منتصر حمادة[2]، تراهن على السلفية، من جهة في تغذية شرعية مؤسسة إمارة المؤمنين؛ ومن ثم نقد الأطروحات التي لا تقبل بذلك، مثل ما فعل المغراوي بصياغته لأدبيات فقهية ضد جماعة العدل والإحسان. من جهة أخرى، تراهن الدولة على السلفية في مواجهة تحديات أخرى كالعلمانية (المتصلبة منها)، والتشيع…

لكن رهان الدولة هذا، يصطدم بالمقابل بتحديات أخرى، أهمها عقدية وسياسية وأمنية.

اقرأ أيضا: من مصر. ماجد سنارة يكتب: العلمانية… الشبح الذي يؤرق التنظيمات الإسلامية

عقديا، يعادي أغلب السلفيين مقتضيات نظم ابن عاشر، ولا يصدقون على شعار “في عقد الأشعري وفقه مالك… وفي طريق الجنيد السالك”. أمنيا، ما زالت الدولة تعلن بين الفينة والأخرى عن تفكيك خلايا إرهابية، يندرج أغلبها في السلفية الجهادية.

أما سياسيا، فيلخص حمادة علاقة الدولة بالسلفية باستعارة “لعبة القط والفأر”؛ فالقطة تلعب لتسيطر ولكن ليس لتقتل؛ فيما الفأر لا أمل له في السيطرة، بل يندفع للحفاظ على البقاء فقط… واللعبة مستمرة من خلال حركية الطرفين.

اقرأ أيضا: خيرونة الفاسية… “زعيمة” المذهب الأشعري بالمغرب

نلاحظ ذلك في علاقة الدولة بالمغراوي مثلا، التي تقوم وفق الباحث محمد مصباح[3] على حسابات الربح والخسارة؛ فبعد أن أغلقت دور القرآن عام 2013، فتحتها عام 2016، وصادف ذلك دعوة المغراوي أتباعه على غير العادة إلى التصويت في الانتخابات التشريعية على حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما اعتبره البعض “صفقة”.

 الإشكالية الحساسة بخصوص الاندماج السياسي للسلفيين، هي الهاجس الأمني المرتبط بسؤال العود، بعد بروز إقبال بعض الشباب ذوي الخلفية السلفية على بعض “البؤر الجهادية”.

بجانب ذلك، كما تابعنا في الجزء الثالث، قَبِل الكثير من السلفيين بالاندماج في النسق السياسي، خاصة منهم من أبدوا مراجعات فكرية. لكن التحدي الذي يطرح هنا، كما يرى القيادي في حزب العدالة والتنمية بلال التليدي[4]، قدرة هؤلاء على الحفاظ على علاقتهم مع كتلة واسعة من السلفيين، قصد تأطيرها وإنقاذها من التطرف وتكييفها مع البيئة السياسية وقواعدها.

اقرأ أيضا: عمر بن أعمارة يكتب: لا تاريخانية الخطاب الديني … الوهم والمغالطة

التليدي يؤكد أن الإشكالية الحساسة بخصوص الاندماج السياسي للسلفيين، هي الهاجس الأمني المرتبط بسؤال العود، بعد بروز إقبال بعض الشباب ذوي الخلفية السلفية على بعض “البؤر الجهادية”.

إقبالٌ يبدو أنه لن ينتهي قريبا؛ ذلك أنه وفق، منتصر حمادة، هناك عوامل عدة من قبل الضغط الديمغرافي والأزمة الاقتصادية وغياب الحريات وفشل مشاريع التنمية وانتشار الفضائيات الدينية والمواقع الإلكترونية المتشبعة بالمرجعية الوهابية، تمد من عمر السلفية الوهابية أكثر وأكثر.

اقرأ أيضا: بالأرقام والآثار… البطالة بالمغرب في تزايد “مقلق”، وتهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد

لكن، في الغالب، يرى محمد مصباح أن السلفيين لن يلعبوا أدوارا سياسية كبرى في القادم المنظور، لكن سيحتفظ بهم كلاعب احتياط، لضبط التوازنات السياسية الإسلامية ولكبح جماح حزب العدالة والتنمية أو لمواجهة جماعة العدل والإحسان، وربما الشيعة المغاربة… أو لمآرب أخرى.

مع ذلك، تطرح فرضية محدودية تأثير التيار السلفي في الكتلة الناخبة، إذ أنه بالرغم من معارضة المغراوي لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2016 التشريعية، إلا أنه لم يستطع التأثير على الكتلة المصوتة على الحزب، خصوصا بعد انشقاق شريكه “حماد القباج” عنه، والذي ساند العدالة والتنمية، بل وترشح باسمها في مراكش، قبل أن ترفض السلطات قبول ملف ترشيحه.

اقرأ أيضا: التيار المدخلي: الدين في خدمة السياسة 1\2

أما من اختار من السلفيين الالتحاق بأحزاب سياسية، فقد كان مآله الفشل أصلا، كحال محمد عبد الوهاب رفيقي الذي ترشح في ذات الانتخابات عن حزب الاستقلال.

هكذا إذن، يبدو أن للتيار السلفي موطئ سياسي في المغرب، لكنه “الفأر” في اللعبة؛ يحاول فقط أن يطيل أمد حياته، ويفعل ذلك حسبما تابعناه في هذا الملف، بمقابل أن يظل طيّعا في يد الدولة، كورقة يمكن الرهان عليها وقت الحاجة لضبط التوازنات السياسية الإسلامية.

لقراءة الجزء الأول: السلفية في المغرب… أصل الحكاية: ماذا يُقصد بـ”السلفية”؟ 4/1

لقراءة الجزء الثاني: هكذا تطورت السلفية تاريخيا في المغرب… 4/2

لقراءة الجزء الثالث: السلفية في المغرب… إسلام سياسي بين المهادنة والعنف 4/3


[1]  باحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، عن مقاله: “إعادة دوزنة المقاربة المغربية تجاه السلفيين”.
[2]  باحث في الشأن الديني، عن مقاله: “الحقل الديني المغربي وتحدي التدين السلفي”.
[3]  باحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، عن مقاله: “بين الدعوة والسياسة: كيف أدى التسيس إلى انقسام السلفيين في المغرب؟”.
[4]  قيادي في حزب العدالة والتنمية وباحث في العلوم السياسية، عن مقاله: “مراجعة التيارات السلفية في المغرب”.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *