السلفية في المغرب… أصل الحكاية: ماذا يُقصد بـ”السلفية”؟ 4/1 - Marayana - مرايانا
×
×

السلفية في المغرب… أصل الحكاية: ماذا يُقصد بـ”السلفية”؟ 4/1

إذا كانت السلفية قد نبعت أول الأمر هناك، بعيدا، في شبه الجزيرة العربية؛ فإنها صبت حتى أقصى الغرب الإسلامي… حتى باتت بعد أحداث الدار البيضاء الإرهابية، عام 2003، إحدى أكثر المفردات ذيوعا في المغرب…

من “السلف”؛ أي المسلمين الأوائل، اسْتُحدثت السلفية… الفكرة ظهرت بعد وفاة النبي محمد بقرون قليلة، لتتطور بعد ذلك، عبر تاريخ طويل، وفق شروط وظروف مختلفة.

على أنه، إذا كانت قد نبعت أول الأمر هناك، بعيدا، في شبه الجزيرة العربية؛ فإنها صبت حتى أقصى الغرب الإسلامي… حتى باتت بعد أحداث الدار البيضاء الإرهابية، عام 2003، إحدى أكثر المفردات ذيوعا في المغرب، خاصة بعد أن واجهت الدولةُ، ما يعرف بالجهادية منها.

كيف نشأت السلفية بالمغرب إذن؟ كيف امتدت فيه زمنيا إلى اليوم؟ كيف تمظهرت؟ وما تأثيرها في الحياة الدينية، الاجتماعية، والسياسية؟ أسئلة من بين أخرى نحاول الإجابة عنها في هذا الملف، الذي نخصصه للسلفية في المغرب.

قبل ذلك، ندعوكم بداية، لاقتفاء أصل حكاية السلفية في هذا الجزء الأول…

وفق الأدبيات السلفية، يقصد بـ”السلف الصالح” مسلمو القرون الثلاثة الأولى في تاريخ الإسلام… لكنّ هذا التحديد التاريخي لم يوجد اعتباطا، إنما تمخض عن حديث رواه البخاري ومسلم يقول:

“خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته”.

تدعي السلفية أنها توجد لغاية إحياء التراث الإسلامي، ومن ثم تحارب كل ما يعمل على تجديده أو تحيينه، سواء فكريا أو تعبديا…

المرجع الأدق بالنسبة للسلفيين، إذن، مرحلةٌ تاريخية. لأجل ذلك، تفتقت تيارات عدة منذ ظهور السلفية، لكل منها قراءتها لكيف ينبغي اتباع السلف والاقتداء بهم… المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي، مثلا، يقدم السلفية كـ”تأويلات دينية تاريخية مختلفة لبعض المبادئ السنية”[1].

إجمالا، تدعي السلفية أنها توجد لغاية إحياء التراث الإسلامي، ومن ثم تحارب كل ما يعمل على تجديده أو تحيينه، سواء فكريا أو تعبديا…

بصيغة أخرى؛ في معناها العام، تطلق السلفية على كل دعوة إلى الاقتداء بـ”السلف الصالح” والتمثل به في العبادات والمعاملات. في معناها الخاص، يقصد بها الإيديولوجية الأصولية الإسلامية التي تقوم بإعادة تقويم وتنشيط ماضي السلف قصد الإجابة عن حاجيات وطموحات الحاضر[2].

اقرأ أيضا: “نصوص متوحشة”… عن خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/1

إذا حاولنا، بالمناسبة، تصنيف كل ما له ملمح سلفي، والحديث هنا عن المغرب أساسا، يمكن أن نخلص إلى وجود ثلاث سلفيات اليوم؛ سلفية تقليدية، سلفية حركية، وسلفية جهادية، سنفصل فيهن على امتداد الملف.

على أن غايتها واحدة بالرغم من اختلاف وسائلها ورؤاها… لهذا، تعد السلفية بنية فكرية غير متماسكة ولا متجانسة، إنما هي مظلة تتكون من مجموعة بالغة الاختلاف على نحو معقد؛ فمنها ما يوصف بالمعتدل ومنها المتشدد وإن كانت تتوحد على مستوى المراجع والأصول الاعتقادية؛ بل ويمكن أن تصطدم إلى درجة التكفير حتى فيما بينها[3].

تم إحياء “السلفية” من طرف محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ)، الذي تبنى، كما روج لذلك، “مذهب السلف الصالح في نسخته الحنبلية، قصد تقويم العقيدة وقواعد التعبد مما تسرب إليها”.

الحديث عن إحياء التراث الإسلامي قد يبدو حديثا عن عصور متأخرة، لكنه يمكن العثور على مفردة “سلف” بوضوح في الفقه المالكي والحنبلي، في سياق مجادلات هؤلاء مع المعتزلة حول مسائل عقائدية مثل خلق القرآن أو القضاء والقدر أو غيره.

من هنا تكمن أهمية أحمد ابن حنبل (164-241هـ) لدى المعاصرين من السلفيين، إذ يعد أول فقهاء السنة الذين تواتر لديهم استخدام مفردة “السلف”، وإن في سياق عام، فقد كان يَقصد بها التابعين، الرافضين لاعتماد الجدال العقلي في مناقشة المسائل العقدية والعبودية.

اقرأ أيضا: التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!

ثم، مع مجيء ابن تيمية (661-728هـ)، ترسخ هذا المعنى أكثر، بعدما استخدم “السلف” كمفهوم يحيل على علماء المسلمين، لكن… الأهم من ذلك، أنه استعمله أساسا، كمقابل للفلاسفة وعلماء الكلام كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهم.

أما في القرون الأخيرة، فقد تم إحياء “السلفية” من طرف محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ)، الذي تبنى، كما روج لذلك، “مذهب السلف الصالح في نسخته الحنبلية، قصد تقويم العقيدة وقواعد التعبد مما تسرب إليها”.

رأى “أهل الحديث” أن “السلف الصالح” من أصحاب النبي هم الأولى بتأويل النص وإضاءته، فيما على “الخلف” العودة إليهم كمرجع للفهم والسلوك والاقتداء.

و”الوهابية” هذه، نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب، كانت الأساس الإيديولوجي الذي بنت عليه السعودية مشروعية حكمها؛ أي خدمة المشروع السلفي، إن في جوانبه السياسية أو تلك الاجتماعية[4].

الواقع أنه خلال هذه الحقبة، لم يَشع تداول السلفية في السعودية وحسب، إنما اتسع مداها حد أن وصل إلى المغرب كما سنعرف في الجزء الثاني.

بل وفي هذه الحقبة، سنعرف أن السلفية ليست سوى ذلك الاتجاه الذي كان يدعى في القرنين الثاني والثالث للهجرة بـ”أهل الحديث”.

اقرأ أيضا: علي اليوسفي: البعد الشيطاني* للخطاب الديني 1\3

اتجاه “أهل الحديث” هذا، تشكل حينذاك في سياق اختلاف مع اتجاه آخر اسمه “أهل العقل”، أو بتعبير ثان “أهل الرأي”. أما الاختلاف، فقد كان حول المؤسسة المرجعية التي تملك شرعية تأويل النص القرآني والحديث بعد وفاة النبي.

“أهل الحديث” هؤلاء، كما قلنا سابقا، رأوا أن “السلف الصالح” من أصحاب النبي، هم الأولى بتأويل النص وإضاءته، فيما على “الخلف” العودة إليهم كمرجع للفهم والسلوك والاقتداء.

يمكن العثور على مفردة “سلف” بوضوح في الفقه المالكي والحنبلي، في سياق مجادلات هؤلاء مع المعتزلة حول مسائل عقائدية مثل خلق القرآن أو القضاء والقدر أو غيره.

لكن، إذا كانت السلفية قد واجهت “أهل الرأي” في الحقبة التأسيسية بتمثيل من ابن حنبل وأهل الحديث، فإنها واجهت مع ابن تيمية تحديات عديدة، داخليا وخارجيا؛ بينما في نسختها الوهابية، واجهت مسألة الركود الداخلي والانحرافات التي تتم باسم الدين[5].

وباعتبار هذا الجزء تمهيدا عاما يعرّف بالسلفية قبل نشأتها في المغرب وحسب، لن يسعنا تفصيل الكلام في التحديات التي أشرنا إليها أعلاه.

على أنه، ابتداء من القرن الـ19م، لم تعد السلفية التقليدية (الوهابية)، الوحيدة بالساحة، بل أوجدت ظروف الاستعمار سلفيات يمكن وصفها بـ”الهجينة”[6].

اقرأ أيضا: في ذكرى رحيله: محمد بن العربي العلوي… شيخ الإسلام 3/1

الحديث هنا عن “السلفية الوطنية” التي ظهرت كخيار لمواجهة القوة الاستعمارية، وكذا “السلفية الإصلاحية” التي برزت كخيار لمواجهة الغرب بوصفه “حضارة غازية”.

في حين ظهرت، بعد استقلال الدول الإسلامية، “السلفية الحركية” كدعوة لاستعادة الخلافة التي فقدت بسبب الاستعمار ووريثتها الدولة الوطنية، وكذا “السلفية الجهادية”، التي ظهرت بقصد مواجهة الدولة الوطنية والمجتمع معا باعتبارهما “كافرين”[7].

في الجزء الثاني… كيف تطورت السلفية في المغرب تاريخيا؟

لقراءة الجزء الثاني: هكذا تطورت السلفية تاريخيا في المغرب… 4/2

لقراءة الجزء الثالث: السلفية في المغرب… إسلام سياسي بين المهادنة والعنف 4/3

لقراءة الجزء الرابع: السلفية في المغرب… العلاقة مع الدولة و”لعبة القط والفأر” 4/4


[1]  عن ورقة للمفكر بعنوان: “السلفية: رجعية أم تقدمية؟”.
[2] عن مؤلف للكاتب والمفكر، بنسالم حميش، بعنوان “التشكيلات الإيديولوجية في الإسلام… الاجتهادات والتاريخ”.
[3] عن تقرير للباحث في العلوم السياسية، سمير الحمادي، بعنوان: “السلفية بالمغرب بين المدافعة السياسية والمدافعة الجهادية”.
[4] عن مؤلَّف للباحث في علم الاجتماع الديني، عبد الحكيم أبو اللوز، بعنوان: “الحركات السلفية في المغرب… بحث أنثربولوجي سوسيولوجي”.
[5]  عن ورقة للباحث في الحركات الإسلامية وشؤون الفكر الإسلامي، محمد أبو رمان، بعنوان: “السلفية المحافظة… إستراتيجية “أسلمة المجتمع” وسؤال العلاقة الملتبسة مع الدولة”.
[6]  المصدر نفسه.
[7]  المصدر نفسه.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *